قصة النبي يوشع بن نون
صحبة يوشع بن نون لموسى عليه السلام
تعرّض القرآن الكريم لذكر صحبة يوشع بن نون لموسى -عليهما السلام- دون ذكر اسم يوشع بن نون صراحةً، وذلك في قوله -تعالى- في سورة الكهف: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا).
حيث ذُكر اسم يوشع بن نون وأنّه هو فتى موسى -عليه السلام- المشار إليه في الآية صراحةً في حديث نبوي متّفق عليه رواه أُبي بن كعب -رضي الله عنه- وفي هذا الحديث ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قصة النبي موسى -عليه السلام- مع الخضر، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية اسم يوشع ونسبه، فقال: هو يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.
وقال ابن عاشور إنّ يوشع كان فتى موسى -عليه السلام- بمعنى تابعه وخادمه وتلميذه، ويُقال إنّه كان ابن أخت موسى واسمه الأصلي هو "هوشع" ولكنّ موسى -عليه السلام- قد دعاه بـ "يوشع" عندما بعثه للتجسّس في أرض كنعان واختبار أهلها، حيث كان أحد الرجال الاثني عشر الذين بعثهم النبي موسى لهذا الغرض وهو جلب معلومات عن أهل وأرض كنعان، ومن المحتمل أن دعوته باسم يوشع كان من باب التحبّب والملاطفة.
كما ذُكر يوشع مرّة أخرى في القرآن الكريم، وذلك بقوله -تعالى-: (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، حيث كان يوشع هو أحد الرجلين الشجاعين اللذين دخلا أرض كنعان من بني إسرائيل.
نبوة يوشع بن نون
ولد يوشع بن نون في حدود عام 1463 قبل الميلاد وعاش ما يُقاب مئة وعشر سنين حيث كانت وفاته بحدود عام 1353 قبل الميلاد، وقد كان صاحبًا وتلميذًا ومن المقرّبين للنبي موسى -عليه السلام- كما تقدّم،
وبالنسبة لنبوّته فقد ذكر ابن كثير إنّ نبوة يوشع بن نون من الأمور المتّفق عليها عند أهل الكتاب، وقد قال المسلمون بنبوة يوشع بن نون أيضًا فقد ذكر ابن الجوزي إنّ يوشع بن نون كان نبيًّا في زمن النبي موسى -عليه السلام- فلمّا توفّي موسى بعث الله تعالى يوشع بن نون لتولّي أمر بني إسرائيل وإقامة أحكام التوراة -وهي الكتاب السماوي المنزل على النبي موسى- فيهم، وهو الذي قسّم الشام بين بني إسرائيل، وهو الذي أخرج الله تعالى له نهر الأردن.
وذكر ابن عاشور أنّ يوشع بن نون صار نبيًا عندما عهد النبي موسى إليه بتدبير أمر أمة بني إسرائيل بأمرٍ من الله تعالى وفاة النبي موسى -عليه السلام- حيث صار يوشع نبيًّا من يومئذ، وقام بما أوكل إليه مدة سبعًا وعشرين سنة، وكتابه هو أول كتب الأنبياء بعد موسى عليه السلام.
كما قال بعض المؤرّخين والمفسّرين نقلًا عن ابن إسحاق إنّ النبوّة انتقلت من النبي موسى إلى يوشع بن نون في أواخر حياة النبي موسى -عليه السلام- وهذا ما لم يُسلّم به ابن كثير وقال إنّه محط نظر وإشكال فموسى -عليه السلام- ظلّ نبيًّا يوحى إليه حتى آخر حياته.
قيادة يوشع بن نون لمرحلة التيه
جاء ذكر مرحلة التيه في سورة المائدة، حيث ذُكر في هذه السورة الحوار الذي دار بين موسى -عليه السلام- وقومه بني إسرائيل، فقد سار بهم من صحراء سيناء حتّى وصل بهم إلى مكان قريب من بيت المقدس، وكان يسكنه وقتذاك أقوام جبابرة من العرب الكنعانيين والفزاريين وغيرهم وكانت تلك الأقوام تصدّ عن سبيل الله وتمنع الناس من الدخول إليه والسكن فيه.
فأمر النبي موسى قومه بمقاتلة تلك الأقوام ودخول بيت المقدس والإقامة فيه، فالله -تعالى- قد كتب عليهم ذلك ولكنّهم رفضوا خوفًا من الجبابرة وامتنعوا عن الدخول وقالوا للنبي موسى اذهب أنت وقاتل فنحن لن نقاتل.
فاشتكى النبي موسى إلى ربّه فعل قومه فأخبر الله تعالى أنّ أرض بيت المقدس ستُحرّم عليهم أربعين وأنّهم سيتيهون في الأرض، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "فتاهوا في الأرض أربعين سنة، يصبحون كل يوم، ويسيرون ليس لهم قرار، وتوفي هارون -عليه السلام- وبعده توفي موسى -عليه السلام- بسنتين، أو بثلاث سنوات.
وأقام فيهم يوشع بن نون خليفة عن موسى، ومات أكثر بني إسرائيل في التيه، وانقضت المدة، فخرج يوشع بمن بقي منهم وبأبنائهم، وحاصر بيت المقدس، وفتحها، وسكنها الإسرائيليون، وأمرهم يوشع بالاستقامة على الحق، واتباع دين الله تعالى".
فتح بيت المقدس ومعجزة حبس الشمس
ورد ذكر معجزة حبس الشمس في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (غَزا نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ، فقالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وهو يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ بها، ولَمَّا يَبْنِ، ولا آخَرُ قدْ بَنَى بُنْيانًا، ولَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَها، ولا آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا، أوْ خَلِفاتٍ، وهو مُنْتَظِرٌ وِلادَها، قالَ: فَغَزا فأدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلاةِ العَصْرِ، أوْ قَرِيبًا مِن ذلكَ، فقالَ لِلشَّمْسِ: أنْتِ مَأْمُورَةٌ، وأنا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ، احْبِسْها عَلَيَّ شيئًا، فَحُبِسَتْ عليه حتَّى فَتَحَ اللهُ عليه).
وتمّ ذكر أنّ النبي المقصود هو يوشع بن نون؛ حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما حُبِسَتِ الشمسُ على بشَرٍ قطُّ، إلَّا على يوشَعَ بنِ نونٍ، ليالِيَ سارَ إلى البيتِ المُقَدَّسِ).
والسبب في حصول هذه المعجزة وطلب يوشع بن نون -عليه السلام- من ربّه أن تُحبس الشمس حتّى ينتهي من قتال الكنعانيين، هو أنّ القتال دار في يوم الجمعة وكان محرّمٌ على بني إسرائيل أن يُقاتلوا يوم السبت فاستمرت الشمس بالظهور ولم تغرب حتّى انتهى القتال ودخل يوشع بن نون ومن معه من الإسرائيلين إلى بيت المقدس، وكان قد طلب منهم ألّا يأتي معه إلّا رجالًا متفرّغي الذهن لأمر القتال والفتح، غير منشغلي البال بأمرٍ من أمو الدنيا، فكُتب لهم النصر.
خلاصة المقال: إنّ يوشع بن نون -عليه السلام- هو الفتى الذي كان مرافقًا للنبي موسى -عليه السلام- في رحلته للقاء الخضر، وقد كان أحد معاوني النبي موسى وتلاميذه، وقد ذكر أهل العلم أنّه كان نبيًا وقد خكم بني إسرائيل بعد وفاة النبي موسى وهو الذي خرج بهم من أرض التيه وقاتل الجبارّين وانتصر عليهم، وهو الذي حُبست الشمس له وفتح بيت المقدس.