سبب نزول آية (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا)
سبب نزول آية (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً)
لم يرد سبب ثابت في نزول هذه الآية الكريمة من سورة الفرقان ، وهي قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، إلا أنه قد وردت بعض الأسباب في نزول آيات أخرى من سورة الفرقان الكريمة، ومنها الآية الثامنة والستون، والتي لها ارتباط في السياق مع هذه الآية.
وقد ثبت في ذكر سبب نزول الآية الثامنة والستين من سورة الفرقان، وهي قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)، ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد اللَّه بن عبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أنه قال:
(إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارةً، فنزل: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ" ونزل: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ") .
تفسير الآية
تعددت التفاسير والأقوال التي فسرها العلماء لهذه الآية الكريمة، نذكر منها ما يأتي:
تفسير ( وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)
هناك عدة أقوال في معنى هذه الآية، نذكرها فيما يأتي:
- القول الأول
المذكورون في الآية؛ هم: العلماء، والكلماء، والحلماء أصحاب الأناة، وهو قول ابن عباس.
- القول الثاني
المؤمنون الأتقياء الأعفاء؛ وهو قول الضحاك، وقال محمد بن الحنفية: هم أصحاب العفة والوقار، لا يسفهون الناس، ولو وجدوا من قبلهم تسفيهاً كانوا هم الحالمين، وهو قول الضحاك كذلك، والحسن البصري -رحمهما الله-.
- القول الثالث
يعلوهم السكينة والوقار والحلم؛ وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير.
- القول الرابع
لا يتكبرون، فهم متواضعون؛ وهو قول ابن زيد.
- القول الخامس
هم الذين لا يسعون في الأرض فساداً؛ فهم هينون لا يستكبرون ولا يتجبرون، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
تفسير (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ)
هناك قولان في تفسيرها، نذكرهما فيما يأتي:
- القول الأول: الجاهلون هم السفهاء.
- القول الثاني: الجاهلون هم الكفار.
تفسير ( قَالُوا سَلَامًا)
هناك عدة أقوال في تفسيرها، نذكر منها ما يأتي:
- القول الأول
يعني أنهم قالوا قولاً سليماً وسديداً؛ وهو قول مجاهد.
- القول الثاني
يعني أنهم قالوا: السلام عليك؛ وهو قول الضحاك.
- القول الثالث
يعني أنهم يطلبون السلام؛ فهم مسالمون لا يريدون الأذى أبداً.
موقف عمر بن الخطاب مع هذه الآية
رأى الصحابي الجليل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في يوم من الأيام غلاماً يمشي مشية المتبختر، فقال له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إنّ المشي بتبختر هي مشية مكروهة، إلا إذا كانت هذه المشية في سبيل الله -سبحانه وتعالى-.
والله -سبحانه وتعالى- قد مدح وأثنى على أقوام؛ فقال فيهم -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فاقصد يا أيها الغلام في طريقة مشيتك.
تعريف بسورة الفرقان
سورة الفرقان هي من السور المكية ، إلا أن هناك عدد من الآيات في هذه السورة الكريمة لا تعد من الآيات ذات النزول المكي؛ بل هي من الآيات ذات النزول المدني، وهذه الآيات هي: الآية الثامنة والستين، والآية التاسعة والستين، والآية السبعين من سورة الفرقان، فإن هذه الآيات الثلاث تعتبر من الآيات ذات النزول المدني.
كما أن عدد آيات سورة الفرقان هو سبع وسبعون آية في العد الكوفي،وقد سميت سورة الفرقان بهذا الاسم لوقوع لفظ الفرقان فيها ثلاث مرات، ولا يعرف لهذه السورة اسم غيرها، وقد ثبت هذا الأمر بحديث صحيح في صحيح البخاري -رحمه الله-، وقد كان بعض أهل تونس يسمونها "تبارك الفرقان"؛ ليفرقوها عن سورة الملك التي كانوا يقولون عنها "تبارك الملك".
موضوعات سورة الفرقان
إن الموضوع الأساسي لسورة الفرقان التخفيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومسح الحزن عن قلبه، ولكن يمكن أن نقسم موضوعات السورة إلى أربع موضوعات رئيسية، وهي:
- الموضوع الأول
تسبيح الله سبحانه وحمده على تنزيل هذا القرآن، على عبده ليكون للعالمين نذيراً.
- الموضوع الثاني
ذكر تطاول المشركين، وزعمهم بذكر تطاول المشركين، وزعمهم أنه كان يجب أن ينزل عليهم ملائكة تؤيد محمداً في دعواه.
- الموضوع الثالث
عرض مظاهر القدرة الإلهية في نظام هذا الكون وإبداع صنعته ودقته.
- الموضوع الرابع
عباد الرحمن الذين يسجدون له، ويعبدونه، ويسجل مقوّماتهم التي استحقوا بها هذه الصفة الرفيعة.