قصة الزير سالم
شخصيات قصة الزير سالم
يحكى في هذه القصة العجيبة الكثير من الأحداث والأهوال والمصائب التي لن يمحوها زمن ولن يطوي صفحتها تاريخ، لا سيما أنها وقعت بين أبناء العمومة ففرّقت جمعهم، وغيّرت أمرهم، وأوقعت بينهم من الفوارس الشِّداد ما لا يعدّ ولا يحصى من القتلى، حيث يحكى أنّ ربيعة كان من جملة ملوك العربان ، وأنّ أخيه مرّة كان من الأمراء والأعيان، وكانت منازلهما في أطراف بلاد الشام يحكمان فيها قبيلتين من العرب هما بكر وتغلب.
كان لربيعة عدد من الأبناء وهم: كليب، وسالم الملقب بالزير أو المهلهل، ودرعان وغيرهم، وله من البنات واحدة جميلة الشكل والطباع اسمها ضباع، أما الأمير مُرّة فوُلد له من الأبناء عدد كان منهم جسّاس، وهمّام، وبنت جميلة ونبيلة تسمى الجليلة.
بداية القصة
بدأت القصة قبل الهجرة بحوالي 100 سنة أو أكثر، تتصل بداية القصة بما سبقها من أحداث، عندما أغار ربيعة أبو الزير سالم على الملك الكِندي وانتصر عليه في معركة السلاة، مما أدى بالأخير إلى الاستعانة بالتبّع اليماني على الربيعة الذي أرسل جيشاً أسر به الربيعة وقتله، ليصبح لابنيّ الربيعة عند التبّع اليماني ثأر محقق قادم رغم حداثة سنيهما وقتها.
أحداث القصة
كَبُر كليب أخو الزير سالم زعيم قبيلة ربيعة، وكان يحبّ ابنة عمه جليلة حبّاً جمّاً، غير أنّ أباها قام بتزويجها لملك التبَّع، بعد أن أهدى قبيلتها صناديق مملوءة بالذهب، وعلى إثر ذلك قرر كليب جمع شباب القبيلة، واختبأوا في صناديق تحمل متاع العروس جليلة، وعندما وصلوا إلى القصر، خرجوا منها فقتلوا الملك ليلاً، ومن الجدير بالذكر أنّ الزير سالم كان في تلك الفترة طفلاً صغيراً.
عاد كليب بجليلة للقبيلة من جديد، وتزوّجها بعد حين، غير أنّ أخاها جسّاس كان يشعر بغيظ من كليب لسطوته التي لا تحتمل، إلى أن جاء يوم تركت فيه البسوس -التي هي خالة جسّاس- ناقتها للرعي مع إبل جسّاس، حتى رآها كليب الذي كان لا يسمح إلا لأنسباه في الرعي في هذه الحِمى، فسدد نحوها سهماً أصاب به ضرعها فأرداها قتيلة، وفي رواية أخرى أنّ هذه الناقة كانت لضيف نزل عند البسوس، فصرخت حين علمت بمقتلها لِما كان يعينه التعدي على ممتلكات الضيف من ذل وعار، فقال لها جسّاس: اسكتي فإني سأقتل بها (علالاً) والذي هو فحل إبل كليب، وعلى ذلك بدأ ترصد جسّاس لكليب هذا.
مقتل كليب مضرم الحرب
ازدادت الأحقاد بفعل سطوة كليب وأفعاله حتى بلغ السيل الزبى يوم خرجت مجموعة من النساء لموارد الماء فمنعهن عنها كليب، وكان معهن مجموعة من الفرسان لحمايتهن، وكان منهم جسّاس وعمرو بن الحارث اللذان تلاسنا مع كليب بعد أن استذكرا قصة ناقة البسوس مما أثار الحمية في دم الجسّاس ودفعه لطعن كليب، فطلب كليب من الجساس شربة ماء وهو يعاني سكرات الموت، ليترجل عمرو بن الحارث عن حصانه ويجهز عليه.
علم جسّاس أن ما قام به أمرٌ جلل سيضرم نيران حرب لن يطفئها هيِّن فجاء أهله وكشف عن ركبيته، وأخبرهم بما فعل، فتسابق الناس بالأخبار لإيصالها لهمام ونديمه الزير الذي قام بدفن أخيه ورثائه لسنواتٍ طوال ظن الناس فيها أنه نسي ثأره، إلى أن أَمِن مرّة وبنوه غضب الزير فرجعوا إلى الديار، لينتبه الزير بعدها للحرب ويجمع حوله من عرف من فرسان، ويشمّر عن ذراعيه، فجزّ شعره وقصّر ثوبه وحلف ألأ يذوق خمراً، أو يدهن بدهن، أو يشمَ طيباً قبل أن يأخذ بثأره.
ويلات الحرب
خاضت القبيلتان على إثر مقتل كليب حروباً عدة عانت فيها النساء والأطفال وحتى الرجال من الويلات ما لا يعدّ ولا يحصى، حيث انقسمت فيها قبائل بكر بين مؤيد ومعارض، وقد استمرت هذه الحرب أربعين سنة دارت فيها وقائع عدة توقظها الشحناء والبغضاء، ويضرمها لقاء البكري بالتغلبي، وكان من أبرز تلك الوقعات خمسة؛ هنَّ: يوم الذنائب -وفيه قتل همّام بن مرّة- ويوم الواردات، ويوم عنيزة، ويوم القصيبات، ويوم تحلاق اللمم، ولم تنتهي فيهن الحرب رغم تدخل الكثير من القبائل لإطفاء نارها.
نهاية القصة
لم يعد المهلهل ذلك الفارس المغوار الذي يحرّك جيوشاً ويحرضهم على الأخذ بالثأر بكلمة منه، خاصة وأن القبائل كانت قد أنهكتها الحرب فلجأت إلى الصلح، إلا أنَّ المهلهل عاد ونقضه عندما أغار على قيس بن ثعلبة، فظفر به عمرو بن مالك فأسره وأحسن إليه، إلى أن سمعه يردد شعراً في بنته مرةً وهو مخمور، فأقسم ألأ يسقيه من الماء شربة حتى يرِد الخضير، والخضير بعيرٌ لا يرِد الماء إلا في اليوم السابع، فلم يرد إلا وقد هلك المهلهل بالفعل، ويشار في رواية أخرى إلى أنّ الزير لقي مصرعه على يد اثنين من عبيده اللذين كانا قد وُضعا لخدمته أثناء سفرهما معه، فكانت بذلك نهاية من أفنى عمره في طلب الثأر وتتبُّع طريق الموت حتى طاله.
أمَا جسّاس فقد قُتل على يد الهجرس ابن كليب من زوجته جليلة في ضربة رمح غُرِز في صدره فخرج من ظهره، بعد أن تمكَنت من الشاب عصبية الجاهلية التي تدعو إلى الثأر حتى أنسته رابطة الدم التي تجمعه بخاله.