قصة ابو عبيدة عامر ابن الجراح
قصة إسلام أبي عبيدة
كان أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- من السّابقين للإسلام؛ فقد أسلم على يد الصّحابي أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه-، والذي كان يتخيّر من يرى فيه النّضج والحكمة ليدعوه لدين الإسلام، وكان من بين هؤلاء أبي عبيدة -رضي الله عنه-؛ فقد توسّم فيه صفاء سريرته ورجاحة عقله، وقام من أجل ذلك بدعوته إلى الإسلام.
وسرعان ما استجاب أبو عبيدة له ولدعوته، وبعدها ذهب مع أبي بكر الصديق وجماعة آخرين من بينهم عبد الرّحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون وغيرهم إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، والذي حدّثهم عن دين الإسلام وتعاليمه، فما كان منهم إلا أن أسلموا جميعاً في آنٍ واحد، ولم يكن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- قد دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم بعد، وكان أبو عبيدة حينها يبلغ من العمر خمسةً وعشرين عاماً؛ أي أنَّه كان في سنّ اكتمال العقل والنّضج.
وقد واجه أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- ما واجهه المسلمون في بداية الدّعوة من الصدّ والأذى، وهاجر مع الصّحابة -رضوان الله عليهم- عندما هاجروا إلى الحبشة في الهجرة الثّانية ، ولمّا علم بمبايعة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للأنصار عاد إلى مكّة المكرّمة، ليهاجر بعدها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والصّحابة إلى المدينة المنورة، ونزل عند كلثوم بن الهدم، وآخاه الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- مع محمد بن مسلمة -رضي الله عنهم جميعاً-.
قصة جهاد أبي عبيدة وشجاعته
عُرف أبو عبيدة -رضي الله عنه- بالشّجاعة وحبّ الجهاد، وكان يُلقّبه النّبي -عليه الصلاة والسلام- بالقويّ الأمين ، وقد شهد أبو عبيدة مع رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- المشاهد والغزوات كلّها ولم يتخلّف عن أحدها، وكان يُؤمّر على السّرايا في عهد النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- لِما يتمتّع به من ذكاءٍ عسكري وقيادة ناجحة.
وقد روي أنّ أبا عبيدة قتل أباه في غزوة بدر، وكان أبوه مشركاً حينئذ، فأنزل الله -تعالى- فيه قوله: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ)، غير أنّ هذه القصّة لم يثبت صحّة سندها ولم يرد فيها حديث صحيح أو حتّى حديث ضعيف، وقد رجّح بعض العلماء وفاة والده قبل الإسلام.
استمرّ أبو عبيدة في قتاله واستبساله في عهد الخلفاء الرّاشدين، وشارك في حروب الرّدة وحرب مسليمة الكذّاب، وكان أحد أمراء الأجناد الذّين ذهبوا لفتح الشّام، وقد شارك في وقعة أجنادين، ووقعة السّماوة، ومرج الصّفر، وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جعله قائداً مكان خالد بن الوليد لفتح دمشق، فكان النّصر حليفاً للمسلمين، وقد صالحهم القائد أبو عبيدة حينها على نصف ممتلكاتهم وكنائسهم.
قصة نزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجهِ رسول الله يوم أحد
رُوي أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سقط في غزوة أحد ودخلت حلقتا مغفره -معدن على قدر الرأس يُلبس تحت القلنسوة- في وجنتيه الشّريفتين، وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- حاضراً؛ إذ إنَّه من الصّحابة الذّين ثبتوا إلى آخر الغزوة، وقام عندها بنزع هاتين الحلقتين من وجه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأسنانه، فسقطت وأصبح أهتماً؛ وهي صفة تطلق على من انكسرت أسنانه الأمامية، لكنّ هذا زاده جمالاً وحسناً، فلم يكن أجمل هناك من هتم أبي عبيدة -رضي الله عنه-.
قصة في ورع أبي عبيدة وتواضعه
كان الصّحابي أبو عبيدة -رضي الله عنه- متواضعاً ، ولم تدفعه الإمارة وقيادة الجيوش للتّكبّر أو التّعالي؛ وقد روي عنه أنّه قال: "يا أيها الناس! إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في مسلاخه -جلده-"، ومن مواقفه الدّالّة على تواضعه أنّ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أرسل إليه مدداً من الجيوش في حصاره للشّام، وأمّر عليه خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، فاستقبله بالتّرحيب، بل دفعه تواضعه لإنزال خالد مكانته.
قصة ولاية أبو عبيدة على الصحابة وحكمته وطاعته للرسول
رُوي أنّ المسلمين غزوا في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- غزوة ذات السّلاسل على مشارف الشّام، وكان قائدها الصّحابي عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، وقد أرسل حينها إلى رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يطلب إمداده بالجيوش، فاختار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لهذه المهمّة كبار الصّحابة، ومن بينهم أبو بكر الصّديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- بالإضافة إلى الكثير من المهاجرين، وقد أمّر عليهم جميعاً أبا عبيدة بن الجراح، وهو ما يدلّ على أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى فيه الحكمة لتولي هذا المكان، وما كان من أبي عبيدة إلّا السّمع والطّاعة لنبيّه.
قصة وفاة أبوعبيدة
أُصيب أبو عبيدة بن الجرّاح -رضي الله عنه- بمرض الطّاعون في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهم-، ولمّا بلغ ذلك عمر خاف عليه وأرسل له كتاباً يطلب فيه القدوم إليه في مهمّة، ولكنّ أبو عبيدة أدرك أنّ عمر لا يريد منه شيئاً سوى أنّه يخشى عليه من المرض ويريد له الخلاص منه، وكان يخاف عليه من الهلاك لما يعلمه من محبّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- له.
من أجل ذلك لم يستجب أبو عبيدة بن الجراح لطلب عمر بن الخطاب، وأرسل إليه معتذراً، وكان سبب رفضه العمل بوصيّة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-؛ أنّه إذا انتشر الطّاعون في بلد لا يخرج منها أهلها، فمات -رحمه الله- بسبب هذا البلاء طاعون عمواس في الأردنّ في منطقة تسمّى بيسان، وقد صلّى عليه الصّحابي معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وكان هذا في سنة ثماني عشرة للهجرة، وكان قد بلغ من العمر ثمانٍ وخمسون سنة.