قراءة في رواية 1984
قراءة في رواية 1984
تعد رواية 1984 للروائي والكاتب البريطاني جورج أورويل من روائع الأدب العالمي ، فقد نالت شهرةً واسعة في الأوساط العالمية، ذلك لأنّه عبّر فيها عن مخاوفه، ومخاوف شعوب العالم من قيام دول وكيانات حاكمة مستبدّة، تهمش الإنسان ودوره، وتصبح فيها حياة المرء وموته بلا قيمة، إذ يصبح مجرد اسم يضاف ويشطب من قائمة الوجود.
موضوع رواية 1984
تحكي هذه الرواية قصة رجل أربعيني اسمه ونستون سميث، يعيش في بريطانيا التي أصبحت جزءًا من دولة كبيرة اسمها أوقينيا، ويحكمها حزب مستلط يرأسه الأخ الكبير، الذي تنتشر صوره في كل مكان، ومكتوب على هذا الصور شعار الأخ الكبير يراقبك، وهي تتكون من أربع وزارات، هي الحقيقة الخاصة بالإعلام، والحب الخاصة بالأمن الداخلي، ووزارة السلم، وهي المعنية بالحرب، ووزارة الوفرة المعنية بالصحة وتوفير الغذاء.
إن الملاحظ في أسماء هذه الوزارات أنها كانت تعطي دلالات مغايرة تمامًا لمدلولاتها، فوزارة الحقيقة التي كان يعمل بها ونستون سميث كانت تهتم بتزوير الأحداث وتلفيقها، أمّا وزارة الحب فقد كانت تثير الخوف والهلع في القلوب فهي جهاز قمعي شديد القسوة، أما وزارة الوفرة فكانت لا تستطيع تأمين حاجيات سكان الدولة حتى بشفرات الحلاقة، وإنما كانت توفر التبغ الرديء والقهوة السيئة والخمور.
فالرواية تحكي عن معاناة هذه الشخصية في ظل حكم كيان متسلط يراقبه في حركاته وسكناته، حتى في شقته وغرفة نومه، نجد أنّ الروي يبتدع جهازًا اسمه شاشة الرصد مثل التلفاز، لكنه يراقب الموجودين بالصوت والصورة، ويبث قناة رسمية واحدة، وأيضًا يمكن إغلاقه.
ونجد أن هذه الرواية تتطور أحداثها لحظة رغبة ونستون سميث بالتخلص من هذه الحالة الكابتة للحرية، فنراه يحضر دفترًا صغيرًا من السوق السوداء، ويكتب عليه عبارة يسقط الأخ الكبير، فهذا الفعل كان أول خطوة له في محاولته للتحرر، لكن هذه المحاولة ستمر مشكلات كثيرة تؤدي به أخيرًا إلى اعتقاله من قبل شرطة الفكر.
شخصية ونستون سميث وعلاقتها بباقي الشخصيات
تعدُّ شخصية ونستون سميث الشخصية المركزية في هذ الرواية، فهو رجل أربعيني عازب، يعيش وحده في شقة بالية في مبنى النصر، وهو عضو عادي في الحزب، ويعمل في وزارة الحقيقة، إذ تتجلى طبيعة عمله بإعادة صياغة الأخبار والأحداث، وتحويرها وتحريفها بما يتلاءم مع سياسة الحزب الهادفة لمحو كل ما يتعلق بفترة ما قبل قيام الدولة، وكل ما يتعارض مع الأفكار التي تصدر.
لكن ونستون أراد الانعتاق من هذه السلطة الخانقة، والتفكير بعمل انقلاب ينهي سلطة الحزب، لذلك نراه يعجب بأوبرين العضو المتقدم في الحزب، فهو يشعر بأنّه يفكر مثله تمامًا، لذلك يسعى ونستون للقاء به هو وحبيبته ليخبراه عزمهما على الانضمام لتنظيم سري يدعى الأخوية الذي يسعى لهدم هذه الدولة.
لكن ونستون ينصدم بأنّ أوبرين ومالك السقيفة الذي يذهب عنده مع حبيبته كانا من شرطة الفكر، ويقومان باعتقالهما وتعذيبهما عذابًا شديدًا إلى درجة أنّ ونستون يتحول لإنسان آخر، ذلك لكونه يخضع لتعذيب نفسي المرافق للتعذيب الجسدي، وهو تحطيم روحه المعنوية.
ولم يتجلى ذلك إلا بعد طلبه من أوبرين أن يمارس تعذيبه على حبيبته، إذ بعد ذلك تم إطلاق سراحه وإعادته للعمل بوظيفة أخرى ليس لها عمل محدد، وقد أثمر تحطيم شخصيته ثماره إذ أعلن ونستون في نهاية الرواية وهو يبكي أنّه يحب الأخ الكبير.
الدلالات والرموز في رواية 1984
إنّ هذه الرواية تختزل في طياتها غير قليل من الدلالات والرموز الخفيّة، فلو تناولنا العنوان لوجدنا وقلبنا آخر رقيمن فيه سينتج لنا عام 1948، وهو عام انتشرت فيه الشيوعية إلى حد كبير، لا سيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتمدد الاتحاد السوفيتي في أوروبا، فالكاتب يتخيل أوروبا وقد وصلها المد الشيوعي، وانقسام العالم لدول كبرى تدمر بعضها بعضًا.
ونرى أنّ الكاتب في رسمه لشخصية الأخ الكبير يجعلنا نشعر الشب والتقاطع بينها وبين شخصية جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي، وأحد أكثر الطغاة قسوة ودموية، فالروائي لديه غوف وهلع من هذه المنظومة الأيدولوجية، التي لو وصلت لبريطانيا وتسلمت الحكم، ستؤدي إلى كبح الحريات، وتحطيم ماهية الفرد، وتشويه الديمقراطية .
ولعل استعمال الكاتب لبعض المواضيع في روايته مثل شاشات الرصد، وإعادة بناء اللغة، وتشويه الحقيقة، وتسييس نشرات الأخبار على نحو معين، وابتكار عدو لدود للدولة متمثلا بخائن هو غولدشتاين، هي من أبرز مظاهر الحكم السوفيتي، فالرقابة الشديدة والقبضة الأمنيو وإشغال الشعوب هو مظهر سياسة الشيوعية في حكم روسيا.