فوائد وعبر من قصة قارون
من هو قارون
قارون هو: رجلٌ من بني إسرائيل من قوم موسى -عليه السلام- فضّله الله وأنعم عليه بالأموال الكثيرة حتى إنّ مفاتيح خزائنه كانت تحتاج لجماعةٍ من الرجال لحملها، لكنّه قابل النعمة بالتكبّر والتجبّر وطغى على قومه ولم يتقبّل النُّصح منهم ونسب ملكه لنفسه، فكان ركونه للدنيا سبباً لإهلاكه وخسف الله به الأرض وجعله عبرةً لغيره فخسر الدنيا والآخرة.
فوائد وعبر من قصة قارون
الحث على الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بالمال
أنعم الله على قارون بالأموال الكثيرة فاغترّ بها ولم يشكره عليها فتكبّر واستعظم واستخدمها في غير طاعة الله ، أدّى ذلك به بأن يكون ماله حسرةً عليه وندامةً، ولذلك يجدر بالإنسان ألّا يغترّ بملكه لماله فينفقها في غير طاعة الله، إذ إنّ سوء استخدام المال قد يؤدي به إلى الحسرة والندامة ويكون ماله سببٌ لإهلاكه، قال -تعالى-: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ).
أهمية التوبة والرجوع إلى الله
تسويف وتأجيل العبد للتوبة من الذنوب يجعله أكثر إصراراً على الانغماس في المعاصي والآثام، وذلك ما من شأنه أن يكون سبباً لاستحقاقه العذاب، وقد بيّن الله -تعالى- في قصة قارون أنّ العقوبة قد تُعجّل للعبد في الدنيا قبل الآخرة، ذلك أنّ الله عجّل لقارون العذاب بالخسف في الدنيا وجعله عبرةً وعظةً لغيره، قال -تعالى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ).
تجنّب الركون إلى الدنيا والانشغال فيها
يجدر بالعبد أن يتذكّر ويستحضر دائماً أنّ الدنيا دار فناءٍ وإن طالت، ويعلم أنّ كلّ ما فيها إلى زوالٍ، فلا يغترّ بمُلكٍ ولا بمالٍ، كما وعليه الحرص على الإكثار من فعل الطاعات و الأعمال الصالحة ، فقد آثر قارون الدنيا على الآخرة واغترّ بنعمها الزائلة على نعيم الآخرة، فكان إيثاره ذاك حسرةً عليه وندامةً، وليس المقصود ألّا يسعى العبد لدنياه؛ فذلك منافٍ للتوكّل، وإنّما المقصود عدم الركون للدنيا والاشتغال بملذاتها عن الآخرة، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقَى واحِدٌ، يَتْبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ ويَبْقَى عَمَلُهُ).
الرزق بيد الله وحده
عطاء الله -تعالى- لا ينقطع، وهو وحده -سبحانه- الرازق يعطي مَن يشاء كيفما يشاء ويضيّق على مَن يشاء وليس لأحدٍ سلطان بهذا، ولذلك عاقب الله -تعالى- قارون لمّا نسب كسبه لنفسه وعلمه بزوال ملكه أمام عينيه ليعلم أنّ المعطي والمانع هو الله وحده، قال -تعالى-: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
النعم في الدنيا قد تكون استدراجاً أحياناً
يجدر بالمسلم أن يعلم يقيناً بأنّ كثرة العطاء ليس بالضرورة أن يكون سببه محبّة الله -تعالى- للعبد ، فإنّ لله حِكَمٌ في عطائه، وقد يُعجّل عطاءه لفئةٍ من الناس ليجعل ذلك العطاء حجّةً عليهم في الآخرة، فلا يكون لهم عذرٌ لطغيانهم وسوء أعمالهم وهذا كان حال قارون، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا رأيتَ اللهَ تعالى يُعطي العبدَ من الدنيا ما يُحبُّ، وهو مقيمٌ على معاصِيه؛ فإنَّما ذلك منه استدراجٌ).