فوائد الصدق ومفاسد الكذب
الصدق والكذب
يعدّ الصدق الأساس الذي تُبنى عليه الحسنات، والكذب هو الأساس الذي تترتّب عليه السيئات، فبالصدق تسير حياة الناس محفوظةً حقوقهم، وتبرم مواثيقهم وعهودهم، فالذي يتّصف بالصدق والأمانة هو مَن ائتمنه الناس على أموالهم وممتلكاتهم، وهو الذي يحفظ عنده الصديق والعدوّ ممتلكاته وأماناته، والذي يكون صادقاً مع الناس يكون صادقاً مع الله، فكل ما يفعله من أمور دينه ودنياه يبتغي فيه وجه الله تعالى، فهو الذي وصف نفسه بالصدق قائلاً: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، واتّصف به نبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم- قبل البعثة وبعدها، حيثُ عرف الناس ذلك من فعله قبل أن يدلّ على ذلك قوله، وشهد له أشدّ أعدائه بذلك، وقد اتّصف بالصدق جميع الأنبياء ، ومن ذلك ما مدح الله به سيّدنا إبراهيم قائلاً: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)، وأمر الله تعالى عباده بالصدق، وأثنى على الصادقين منهم، ففي الصدق في الأقوال طريقٌ إلى الصدق في الأعمال ، وما ذلك إلا علامةٌ على التقوى ، أمّا الكذب ففيه كلّ شرٍ، وهو أصل كلّ سيّئةٍ، لا يجني المرء منه إلّا كلّ شرٍّ من سوء السمعة وانتزاع الكرامة وفقد الثقة، وفيه يعرّض المرء نفسه للتهمة بالكذب حتّى وإن كان بعيداً في بعض المواقف عنه، فلا يصدّقه الناس حتى وإن كان صادقاً، فالكذب من أشدّ أمراض القلوب وأكثرها إفساداً فيه، كما قال الله تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، وكلّما كان الكذب أكبر كانت عقوبته أشدّ، فأكبر الكذب ما كان على الله تعالى، ثمّ ما كان على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن شدّة حرص الإسلام على الامتناع عن الكذب؛ فقد نهى عن الكذب حتّى على الصغار، ولو كان مازحاً أو من جانب التسلية.
فوائد الصدق
للصدق فوائد عظيمةٌ وآثارٌ جليلةٌ، إذا تمكّن في القلب أضاءه وظهر وبان على الجوارح، فيظهر في عبادات المسلم وعقيدته وأخلاقه وتصرفاته، ويأتي بيان هذه الآثار بشكلٍ مفصّلٍ:
- سلامة المعتقد؛ فإنّ التحلّي بالصدق يطهّر الباطن من كلّ ما قد يحلّ به من آثار الشرك الظاهرة والباطنة.
- البذل والتضحية لنصرة الدين ؛ فالصادق يبذل نفسه وماله وكلّ ما يملك في سبيل نصرة هذا الدين، فكلّ همّه أن يكون الله تعالى راضٍ عنه.
- الهمّة العالية؛ فهم يتّصفون بالهمّة العالية، وكلّ ما يتطلعون إليه هو رضا الله تعالى ، أينما توجّهت قوافل رضا الله يتّجهون معها، فيفرّغون أنفسهم وأوقاتهم في سبيل الطاعات والقربات أينما كانوا، فتراهم من عملٍ إلى جهادٍ إلى زيارة مريضٍ أو تتشييع جنازةٍ، إلى غير ذلك من أنواع الطاعات والقربات.
- تلافي التقصير واستدراك التفريط؛ فسرعان ما يتنشّط بعد فترةٍ من الفتور، ويتنبّه لنفسه بعد وقوعه في التقصير وصغائر الذنوب، فتراه يقلع سريعاً عن ذنبه ويندم على فعله ويعود إلى ما كان عليه، مصلِحاً ما وقع منه من تخريبٍ.
- حبّ الصالحين وصحبة الصادقين؛ فلا يخالط أهل الغفلة إلّا بقدر الضرورة من دعوتهم إلى الله، فتراه يضيق بصحبتهم ولا يصبر على مخالطتهم، فقد قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، فمجالسة الصالحين ومخالطتهم من أهمّ الأمور التي تعين على الوصول إلى رضا الله تعالى.
- الثبات على الاستقامة؛ فالذي يكون صادقاً يتشبّث بالالتزام بدينه عقيدةً وشريعةً وفي كلّ معاملاته، فلا يتّبع هواه، ولا تغريه الشهوات والشبهات.
- البعد عن مواطن الشكّ؛ فقد قال رسول الله: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبكَ فإنَّ الصدقَ طمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ ريبةٌ)، فنفس المؤمن مجبولةٌ على حبّ الصدق والنفور من الكذب .
مفاسد الكذب
تتعدّد مفاسد الكذب وتكثر، منها ما يتعلّق بالدين، ومنها ما يتعلق بالدنيا، وفيما ياتي بيانٌ لهذه المفاسد على الجملة:
- يعدّ الكذب خصلةً من خصال المنافقين .
- من تكرّر منه الكذب حتى صار عادةً فيه، يُكتب عند الله في صحائف الكذّابين، وهذا من أشنع ما يكون.
- الكاذب يختلط صدقه بكذبه، فيردّ صدقه؛ لأنّ الثقة انعدمت في كلامه من قبل النّاس.
- سببٌ في سوء السمعة، وسقوط الكرامة، وانعدام الثقة، وردّ الشهادة.
- سببٌ في إشاعة مشاعر الخوف بين الناس.
- هدر الوقت والجهد في البحث عن التمييز بين الصدق والكذب، والحقيقة من غيرها.
- ذكر ابن القيّم مجموعةً من مفاسد الكذب، فقال: (وكم قد أزيلت بالكذب من دولٍ وممالك، وخربت به من بلاد، واستُلِبت به من نِعَم وتعطَّلت به من معايش، وفسدت به مصالح، وغُرست به عداوات، وقُطعت به مودات، وافتقر به غني، وذلّ به عزيز، وهتكت به مصونة، ورُميت به محصنة، وخَلَت به دُور وقصور، وعُمِّرت به قبور، وأزيل به أُنس، واستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدوًّا مبيناً).
- من أعظم الكذب ما يقوم به الناس أن يأتي بالحديث وهو يعلم أنّه كذبٌ؛ من أجل أن يضحك الناس، فهذا ممّا حذر منه النبيّ قائلاً: (ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيَكذِبُ ليُضحِكَ بِه القومَ، ويلٌ لَه، ويلٌ لَهُ)، فهذا ممّا يتساهل فيه كثيرٌ من الناس، وكلّه يؤدّي بصاحبه إلى الفجور، ولا يستثنى منه شيءٌ.