فلسفة الحب في العصر الأندلسي: طوق الحمامة نموذجًا
فلسفة الحب في العصر الأندلسي: طوق الحمامة نموذجًا
يعد ابن حزم من أهم فلاسفة العصر الأندلسي، وكتابه طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف، تناول إشكالية الحب من منظوره، فبالإضافة إلى موسوعية ابن حزم إلا أنه لم يغفل عن تناول هذا الإشكالية، فحاول تعريف الحب وتناوله كظاهرة من عدة حيثيات، وقال فيه الثعالبي: طوق الحمامة يضرب مثلًا لما يلزم ولا يبرح ويقيم ويستديم"، كما أنه تحدث عن الآثار الناجمة عن الوقوع في الحب وصنفها على أنها فضائل الحب.
مفهوم الحب في طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف
سمي الكتاب بطوق الحمامة كناية عن الجمال الذي يحدثه الحب، باعتباره حلي، إلا أنه هذا المسمى يحمل أكثر من بعد، أولها البعد الإيجاب وهو الجمال، أما البعد الثاني فهو بعد سلبي، كناية عن الأسر والقيد، أما تعريفه للحب فانطلق من عدة أمور منها آراء الفقهاء فمنهم من قال فيه أنه من المحرمات التي يجب الاحتراز منها، وأخذ الحيطة، إلا ان ابن حزم عارض هذه الرؤية.
قال إنه ليس من المحظورات، ولا من المنكرات؛ لأن ما في القلوب ليس ملكًا لأصحابه، ولكن الله هو الحكيم العدل، ولا يمكن أن يحاسب إنسان بما ليس بيده، ولا يملك الحرية والختيار، وبقول ابن حزم في هذا الصدد: "القلوب بيد موليها الذي هو الله"، فالحب اتصال بين النفوس، وتمازج بينها وسر هذا التمازج هو الاتصال والانفصال، فكل نفس تسكن لمن تطمئن له، وعلى هذا يستنتج ابن حزم أن علة الحب هو ذات النفس.
واستبعد من الحب الصورة الجسدية، وهي بذلك سامية عن ملذات الجسد، وقال في هذا الصدد:
ودادي لك الباقي على حسب كونه
:::تناهى فلم ينقص بشيءٍ ولم يزد
وليست له غير الإرادة علة
:::ولا سبب حاشاه يعلمه أحد
إذا ما وجدنا الشيء علة نفسه
:::فذاك وجود ليس يفنى على الأبد
وإما وجدناه لشيء خلافه
:::فإغدامه في عدمنا ما له وجد
أفضل أنواع المحبة وأسماها المحبة بالله ، ثم تليها محبة القرابة ومحبة الألفة والاشترك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة الطمع في المحبوب، سواء في جاهه أو في لذة جسدية، وبالنسبة لابن حزم كل الأنواع التالية منقضية بانقضاء الحاجة، لذلك قدم طرحًا للحب غير مادي، إلا أنه نادى بمحبة الهضق التي تكن بين النفوس وليس الأجساد، فلا فناء فيها إلا بالموت.
علامات الحب عند ابن حزم
الحب بالنسبة لابن حزم لا يظهر إلا من خلال مجموعة من العلامات، وهي علامات طويلة جدًا، إلا أنه يمكن اختصارها فيما يأتي:
- إدمان النظر لدرجة أن المحبوب ينظر إلى ما ينظر له المحب، ويميل بميله.
- الإقبال بالحديث مع المحبوب لدرجة أنه لا يمل من ذلك الحديث.
- الفرح عند سماع اسم المحبوب، والرغبة الشديدة في التعرف على أخباره.
- الجود بما كان ممتنعًا قبل التعرف على المحبوب وكأنه يبذل قصارى جهده لهذه العلاقة.
- التضاد بالقول حتى في الخصام، إلا أنهما سرعان ما يرجعان عن خصومتهما، فيعودان للضحك والمداعبة.
أقسام الحب عند ابن حزم
قسم ابن حزم الحب إلى أنواع، أهمها ما يأتي:
الحب من النظرة الأولى
وهو أسرع أنواع الحب تشكلًا، ويكون إما بسبب الوقوع في صورة المحبوب وشكله، وقال أبياتًا في هذا الحب:
محبة صدقٍ لم تكن بنت ساعةٍ
:::ولا وريت حين ارتيادٍ زنادها
ولكن على مهلٍ سرت وتولدت
:::بطول امتزاجٍ فاستقر عمادها
فلم يدن منها عزمها وانتقاضها
:::ولم ينأ عنها مكثها وازديادها
يؤكد ذا أنا نرى كل نشأةٍ
:::تتم سريعاً عن قريبٍ معادها
ولكني أرض عزاز صليبةٍ
:::منيع إلى كل الغروس انقيادها
فما نفذت منها لديها عروقها
:::فليس تبالي أن يجود عهادها
الحب من غير معاينة
وهو الحب الذي يكون بسبب الهواجس التي يعاني منها المحب، لدرجة أن يراه في النوم إلا أنه رأى أن هذا الصنف بعيد عن الحقيقة، وقال فيه مجموعة من الأبيات:
يا ليت شعري من كان وكيف سرت
:::أطلعه الشمس كانت أم هي القمر
أظنه العقل أبداه تدبره
:::أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مثلت في النفس من أملي
:::فقد تخيل في إدراكها البصر
أو لم يكن كل هذا فهي حادثة
:::أتى بها مسبباً في حتفي القدر