فضل قيام ليلة العيد
فَضْل قيام ليلة العيد
ينبغي التّنبيه ابتداءً إلى أنّ فضل قيام ليلة القدر، وما جاء عن أهل العلم بشأنِها قام على عدّة روايات كلّها ضعيفة، وجاءت هذه الرّوايات بصيغ مختلفة كما سيأتي، ولمّا كانت هذه الروايات الضعيفة متعلّقة بفضائل الأعمال، لا بتشريع الأحكام، لذا ذهب أهل العلم إلى القول باستحباب قيامها، استدلالاً بما رُويَ عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحْيَا ليلتيِ العيدينِ مُحتسبًا لم يمتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ)، وما رواه عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن صلَّى ليلةَ الفِطْرِ والأضحى لَمْ يمُتْ قلبُه يومَ تموتُ القلوبُ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ أئمة الحديث عندما أجمعوا على ضعف تلك الرّوايات لم يقصدوا بذلك النّهي عن قيام ليلة العيد، وإنّما المقصود أنّ الروايات الواردة في فضل قيامها ضعيفة، استناداً إلى ما ثبت لهم في سند الحديث.
ولمّا كان قيام الليل عموماً قد ثبت في فضله أحاديث نبوية كثيرة؛ فليلة عيد الفطر وعيد الأضحى من جملة هذه الليالي على أقلّ تقدير؛ فضلاً عن أنّ كثرة الروايات المشار إليها قد رويت بأسانيد متعدّدة، الأمر الذي دفع الفقهاء إلى القول باستحباب قيام ليلة العيد، ومعلوم أنّ بعض النّاس قد اعتادوا المبالغة في المباحات في ليالي العيد حتى قادتهم إلى ارتكاب بعض المعاصي، لذا فإنّ الذي يعمرُ قلبه ويشغل وقته في ذكر الله عندما يغفل الناس جديرٌ بكرم الله -عزّ وجلّ-، ولهذا كان ثواب قيام الليل عظيماً؛ لأنّ كثيراً من الناس يكونون في غفلة وسُبات.
العيد في الإسلام
شرع الإسلام للمسلمين الاحتفالَ بعيدَي الفِطر والأضحى؛ إذ يأتي عيد الأضحى بعد أداء شعيرة الحجّ، أمّا عيد الفِطْر، فيأتي بعد أداء فريضة صيام شهر رمضان؛ وذلك شُكراً وحَمْداً لله -تعالى- على ما أنعم به على عباده، وما أتمّوه من العبادات والطاعات، وبذلك فقد أبطل الإسلام ما كان من الأعياد في الجاهليّة، ويُباح للمسلمين في العيد اللهو الطيِّب المُباح الذي لا يُغضب الله، وبما لا حُرمة فيه؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكرٍ لله)، ومن الحِكم التّشريعية للعيد: شهود جموع المسلمين في أداء صلاة العيد، حيث يجتمع المسلمون في مشهد مهيبٍ للصلاة والدعاء والتّعرّض لنفحات الله -سبحانه- وبركاته.
سُنَن ليلة العيد ويَوْمه
تُسَنّ للمسلم في ليلة العيد ويَوْمه عدّة أعمالٍ وردتْ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، بيان وتفصيل بعضها فيما يأتي:
- استقبال العيد ببهجةٍ وفرحٍ وسرورٍ، وتبادُل التهاني بين المسلمين، والدعاء لهم.
- الذهاب إلى مُصلّى العيد سَيراً على الأقدام؛ لِما ورد عن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه قال: (من السُّنَّةِ، أن تخرجَ إلى العيدِ ماشيًا، وأن تأكلَ شيئًا قبل أن تخرجَ).
- الحرص على سدّ حاجات المسلمين، وإغنائهم عن السؤال، وبَذْل الصدقات، وأداء صدقة الفِطْر قبل صلاة عيد الفِطْر.
- الاغتسال للعيد، والتطيُّب بأطيب الروائح، وارتداء أفضل الثياب.
- الأكل قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفِطر بخِلاف عيد الأضحى، والأفضل أكل التمر؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ).
- التكبير؛ استدلالاً بِقَوْل الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، كما يُسَنّ الجَهْر بالتكبير للرجال؛ إعلاناً وإظهاراً لتعظيم الله -سبحانه-، ويكون التكبير لعيد الفِطْر من حين الخروج إلى أداء صلاة العيد، امتداداً إلى الخُطبة، وقِيل من غروب شمس آخر يومٍ من شهر رمضان إلى إتمام صلاة العيد، أمّا التكبير في عيد الأضحى، فيبدأ من صباح يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحِجّة.
- مخالفة الطريق في صلاة العيد؛ بالذهاب إلى المُصلّى من طريقٍ، والعودة من طريقٍ آخر؛ لِما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ).
- شهود المسلمين جميعهم صلاة العيد وخُطبته، حتى النساء الحُيَّض، إلّا أنّهن يعتزلن المُصلّى؛ فقد ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ).
حُكم صلاة العيد
بيّن العلماء الحُكم التفصيليّ لصلاة العيد، مع اتّفاقهم على مشروعيّتها، وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي:
- الشافعيّة: قالوا بأنّ صلاة العيد سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ؛ إذ إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يمتنع عنها، واقتدى به الصحابة -رضي الله عنهم-.
- الحنفيّة: قالوا بوجوب صلاة العيد على كلّ مسلمٍ تجب عليه صلاة الجمعة ؛ إذ إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- داوم عليهما دون انقطاعٍ، وقالوا أيضاً بأنّ المقصود بقَوْل الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)؛ صلاة عيد الفِطْر، والمقصود من قَوْله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؛ صلاة عيد الأضحى.
- المالكيّة: قالوا بأنّ صلاة العيد سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ على المسلمين؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حَثّ المسلمين، وجمعهم عليها، وخطب بهم.
- الحنابلة: قالوا بأنّ صلاة العيد فَرض كفايةٍ على المسلمين؛ إذ تسقط بأدائها من جماعةٍ من المسلمين.