فضل قراءة القرآن الكريم يومياً
فَضْل قراءة القرآن الكريم
تترتّب على قراءة وتلاوة القرآن الكريم العديد من الفضائل؛ فيما يأتي بيان البعض منها:
ترتُّب الأجر المُضاعف والثواب العظيم
فقارئ القرآن وتاليه آناء الليل وأطراف النهار؛ ينال بسبب ذلك الخير العظيم، قال -تعالى- في كتابه الحكيم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)
كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)، فقد رتّب الله الأجر المُضاعف على قراءة القرآن الكريم؛ بحيث ينال المسلم حسنةً، تُضاعف إلى عشرة أمثالها مقابل كلّ حرف يُقرأ من كتاب الله، فعلى سبيل المثال؛ فإنّ عدد الحُروف في سورة الفاتحة تبلغ مئةً وثلاثة عشر حرفاً، ممّا يعني تحصيل مئةٍ وثلاثة عشرة حسنةً، تُضاعف إلى عشرة أمثالها، لتُصبح ألفاً ومئةٍ وثلاثين حسنةً، والله يُضاعف بعد ذلك لمن يشاء.
كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ، فَقالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطْحَانَ، أَوْ إلى العَقِيقِ، فَيَأْتِيَ منه بنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ في غيرِ إثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، نُحِبُّ ذلكَ، قالَ: أَفلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ له مِن ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له مِن أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ).
تحقيق السكينة والطمأنينة
فمن قرأ كتاب الله صاحبته السكينة والرّاحة في حياته، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ).
نَيْل الكرامة
نيل الكرامة في الدُّنيا، وحين الممات، ويوم القيامة؛ فقارئ القرآن الكريم يُكرمه الله في الدُّنيا؛ فيرفع قَدْره، ويعلو من شأنه، فقد استخلف نافع بن الحارث يوماً على مكّة، وولّى أمر المسلمين لمولى من الموالي، فاستهجن الفاروق -رضي الله عنه- فِعْله، فبيّن له نافع أنّه قارئ للقرآن، عالمٌ بالفرائض، فتذكّر عمر قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ).
كما يكون قارئ القرآن مُكرّماً حين وفاته، حيث ورد في الأثر أنّ شهداء غزوة أُحد كانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحدٍ، وكان ينظر في حالهم، فمن عرف منهم بكثرة قراءته لكتاب الله؛ قُدّم في القبر، كما ورد عن هشام بن عامر -رضي الله عنه-: (شُكِيَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الجراحاتِ يومَ أحدٍ فقال: احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثةِ في قبرٍ واحدٍ وقدموا أكثرَهم قرآنًا. فمات أبي فقُدِّمَ بين يديْ رجلين).
وفي الآخرة كذلك يُكرم الله قارئ القرآن، فتُحدد منزلته في الآخرة بقَدْر قراءة القرآن، كما يكون القرآن شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، كما أخرج الإمام مُسلم عن أبي أمامة الباهليّ أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ).
مرافقة الملائكة وبلوغ منزلتهم
فيُكرم الله قارئ القرآن يوم القيامة؛ بأن يجعله في منزلة الكِرام البررة، وكذلك ينال مَن تصعُب عليه القراءة ينال أجرَين، كما ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ).
القرآن حُجّةٌ لصاحبه يوم القيامة
فمَن حرص على قراءة القرآن الكريم في الدُّنيا، وحرص على معرفة أحكامه؛ كان له حُجّةً يوم القيامة، أمّا مَن ترك قراءته، وخالف أحكامه؛ فيكون القرآن حُجّةً عليه، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ).
زيادة الإيمان مع التدبّر والعمل بالقرآن
حيث يدرك بها المسلم حلاوة ولَذّة القرآن، وتزداد الخشية، ويحصل بها النَّفع، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- شديدي الحرص على تدبّر آيات كتاب الله، فكانوا يتعلّموا كلّ عشر آياتٍ، ويتعلّموا ما فيها، ثم ينتقلوا لعشرٍ غيرها، وقد ورد في الموطأ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه مكث ثمان سنواتٍ يتعلّم سورة البقرة، وأمضى الفاروق اثنتي عشر سنةً في تعلّمها، كما وصف ابن عمر -رضي الله عنهما- حال الصحابة في حرصهم على تدبّر الآيات، وتعلّم ما فيها.
أهمية قراءة الوِرْد القرآنيّ يومياً
الوِرْد بكسر الواو يُراد به: الجزء، فيُقال: إنّ فلان قرأ وِرْده من القرآن؛ ويُقصد بذلك الجزء الذي اعتاد المسلم على قراءته يوميّاً، من كتاب الله، وبذلك يكون المسلم مُحافظاً على قراءة كتاب الله، غير هاجراً له، والوِرْد غالباً ما يكون مقداراً معلوماً من القرآن الكريم، ومثله الوقت الذي يخصّصه المسلم؛ لأداء صلاة القيام من الليل، ومقدار وِرْد القرآن قد يكون حزباً، أو جزءاً، أو غير ذلك.
ما يُعين على المحافظة على قراءة القرآن بتدبّرٍ
توجد العديد من الأسباب التي تُعين المسلم على تدبّر آيات كتاب الله، يُذكر منها:
- تعزيز محبّة كتاب الله في القلب، مع الحرص على استشعار لذّة قراءة آياته، والمواظبة على الأدعية المأثورة الواردة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، كما ثبت في الصحيح عنه أنّه قال: (ما أصابَ أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزنٌ فقال: اللَّهمَّ إنِّي عَبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمتِك، ناصِيَتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حكمُكَ، عدْلٌ فيَّ قضاؤكَ، أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هوَ لكَ سمَّيتَ بهِ نفسَك، أو أنزلْتَه في كتابِكَ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صَدري، وجَلاءَ حَزَني، وذَهابَ هَمِّي، إلَّا أذهبَ اللهُ عزَّ وجلَّ همَّهُ، وأبدلَه مكانَ حَزنِه فرحًا).
- اتّباع الأساليب التي تُعين على قراءة القرآن، وتدبّر آياته، ومن تلك الأساليب: الحرص على تلاوة وِرْدٍ ثابتٍ من كتاب الله، في أوقاتٍ محدّدةٍ، أو في أوقات الانتظار، أو ما بين الأذان والإقامة، ويُمكن قراءة الوِرْد الثابت من الهاتف المحمول، أو تعاهد القراءة مع الصالحين.
- الحرص على طهارة الظاهر والباطن؛ إذ إنّ الطهارة من أهمّ الأسباب التي تُعين على تدبّر آيات كتاب الله، فطهارة الباطن تتحقّق بطهارة القلب من الشّرك، والكِبر، والتكذيب، ولذلك فقد صرف الله قلوب المُستكبرين والجاحدين عن آياته، قال -تعالى-: (سَأَصرِفُ عَن آياتِيَ الَّذينَ يَتَكَبَّرونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنوا بِها وَإِن يَرَوا سَبيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذوهُ سَبيلًا وَإِن يَرَوا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذوهُ سَبيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبوا بِآياتِنا وَكانوا عَنها غافِلينَ)، أمّا طهارة الظاهر؛ فتتحقّق حين يحرص المسلم على الوضوء والطهارة من الحدث قبل قراءة آيات كتاب الله؛ حيث يُعينه ذلك على التدبّر.
- حُسْن الإنصات والاستماع لآيات القرآن، مع استحضار عَظَمَة آياته.
- ترتيل القرآن الكريم مع التجويد في قراءته، قال -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، وأخرج الإمام البخاريّ في صحيحه، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (ليسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ)، وقال ابن كثير -رحمه الله-: "المطلوب شرعاً، إنَّما هو التَّحسين بالصَّوت، الباعث على تدبُّر القرآن وتفهُّمه، والخشوع والخضوع، والانقياد للطَّاعة"، فالتغنّي بالقرآن، وتحسين الصوت عند قراءته؛ من الأمور المُعينة على تدبّر آياته، وفَهْم معانيها، وذلك أدعى لتوقير واحترام الآيات، واستحضار الخشية عند قراءتها.
- الحرص على قراءة وتلاوة القرآن الكريم في قيام الليل، قال -تعالى- في كتابه الكريم: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)،
- الوقوف على ألفاظ القرآن الكريم؛ لإدراك معانيها، ومراميها، فيقف قارئ القرآن على آيات العذاب؛ فيستجيب لتلك المعاني بالتعوّذ، ويقف عند آيات التسبيح؛ فيسبّح وينزّه الله، ويقف على آيات الرحمة؛ فيدعو الله ويستبشر، كما ثبت في صحيح مُسلم عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلتُ: يُصَلِّي بهَا في رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلتُ: يَرْكَعُ بهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إذَا مَرَّ بآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يقولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، فَكانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِن قِيَامِهِ، ثُمَّ قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا ممَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى، فَكانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِن قِيَامِهِ. قالَ: وفي حَديثِ جَرِيرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَقالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ).
- الوقوف عند بعض الآيات المؤثّرة، وترديدها، فقد ورد أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ آيةً من كتاب الله، وبقيَ يردّدها إلى أن أصبح، وكانت قَوْله -تعالى-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،
- التعرّف على أساليب القرآن الكريم؛ فمعرفة الأساليب البديعة في القرآن ممّا يُعين المسلم على تدبّر آياته، وفَهْم معانيها، ومن تلك الأساليب: ضرب الأمثال، وأسلوب الحوار، وخَتْم الآية باسمٍ من أسماء الله الحسنى؛ ليُدرك القارئ علاقة الاسم بمعنى الآية وحُكمها، وتصوير الأحداث للقارئ.