فضل سورة التين
فضل سورة التين
فضل سورة التين عظيم، وشأنها رفيع، وإذا سألت: ماهي فوائد قراءة سورة التين ؟ ماذا نستفيد من سورة التين للأطفال، وللكبار؟ نقول: شأنها كسائر سور القرآن الكريم، وليس لسورة التين أيّة فضيلة على غيرها من السور، وإنّ فضل قراءة سورة التين كفضل قراءة أيّ سورة من سور القرآن؛ ولكن هذه السورة على الرغم من قصرها وقلة عدد آياتها، إلا أنها تميّزت بموضوعاتها التي ناقشت مسائل ذات أهمية، ومن أهمّ هذه الموضوعات:
- تكريم الإنسان؛ وذلك بتحسين خلقته، وجعله على أحسن صورة.
- بيان انحدار الإنسان العاصي إلى أسفل سافلين؛ وذلك بشؤم معصيته.
- العدل الإلهي في بيان جزاء الكافرين وثواب المؤمنين.
التعريف بسورة التين
يمكن التعريف بسورة التين من خلال استعراض بعض المعلومات عنها، وسرد بعض موضوعاتها، ونبين ذلك كما يأتي:
معلومات عن سورة التين
سميت بهذا الاسم؛ لأنها ابتدأت بالقسم بالتين، وهي سورة مكية، يبلغ عدد آياتها ثماني آيات، وعدد كلماتها أربع وثلاثون كلمة، وحروفها مئة وخمسون حرفاً،وفاصلتها الميم والنون، -والفاصلة هي آخر حرف في الآية-.
ويمكن الربط بين سورة التين والسورة التي قبلها وهي سورة الانشراح؛ بأن سورة التين تحدثت عن الإنسان وخلقته الجسدية والمعنوية، وسبقتها سورة الانشراح، فتحدثت عن أفضل إنسان في الوجود؛ وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن صفاته المعنوية.
سبب النزول
جاء في سبب نزولها، أنّ قوماً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلغوا من العمر عتياً حتى ذهبت عقولهم، فتركوا القيام بواجباتهم الدينية، فسأل الناس عن حالهم، فنزل قوله -تعالى-: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)، إلى آخر السورة؛ لتبين للناس أنهم معذورون، وأن أجورهم مستمرة كما كانت قبل فقدانهم عقولهم.
موضوعات سورة التين
كل سورة في القرآن الكريم لها مقاصد وموضوعات وأهداف، أما مقصد سور التين فهو بيان تكريم الإنسان من خلال تحسين خلقته؛ والحكمة من التحسين في الخلقة لجعل الإنسان قادراً، ومستعداً لتلقي الرسالات السماوية، والقيام بأعباء الدعوة الإلهية.
أما أهم الموضوعات والأهداف، فيمكن تلخيصها كما يأتي:
قول الله -تعالى-: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)، وفي تفسير التين والزيتون وردت المعاني الآتية:
- تعظيم التين والزيتون لما لها من فوائد طبية وصحية؛ وقد كان الزيتون سواك الأنبياء.
- معنى التين والزيتون هنا ليس على الحقيقة، وإنما هو كناية عن البلاد التي تزرعه عموماً؛ وهي بلاد الشام، أقسم الله تعالى بالشام؛ لأنها موطن الأنبياء.
- التين: جبل في دمشق، اسمه القديم (تينا)، والزيتون: جبل في القدس، اسمه (زيتا).
قول الله تعالى: (وَطُورِ سِينِينَ* وَهَـذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ):
- طور سينين والبلد الأمين: طور سينين جبل سيناء؛ حيث كان هناك موسى -عليه السلام-، ونزلت عليه التوراة هناك، والبلد الأمين: هي مكة، موطن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- أقسم الله -تعالى- بموطن الكتب السماوية الثلاث؛ الشام؛ والتي نزل فيها الإنجيل، وفي سيناء حيث نزلت التوراة، ومكة خير البقاع، نزل فيها خير الكتب، على خير الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم.
قول الله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ):
هذا هو المقسم عليه، وأحسن تقويم أي؛ منتصب القامة، سليم الأعضاء، قادر على التحكم بجسمه، وله عقل كبير.
قول الله -تعالى-: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)، لهذه الآية الكريمة معانٍ عدة، منها:
- أن الإنسان بعدما كان منتصب القامة في أحسن تقويم، صار إلى شيخوخة، وانحناء ظهر.
- أن الله -تعالى- خلق الإنسان جميلا،ً ولكنه قبّح نفسه وردّها إلى أسفل سافلين؛ وذلك بكفره بالله -تعالى-.
- أن الله -تعالى- أنعم على الإنسان في الدنيا بجمال الخلقة والمنظر، ولكنه سيصبح من أهل النار إن كفر بالله -تعالى-.
وقول الله -تعالى-: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، استثنى الله -تعالى- من هذا الوصف -وهو وصف أسفل سافلين- المؤمنين به؛ بحيث منع عنهم الصفات التي ذكرناها للكافرين، وبيان ذلك كما يأتي:
- أن الكافر يصير إلى شيخوخة وتقل أعماله، بينما المؤمن عندما يشيخ يبقى أجر عمله سارٍ كما كان قبل الشيخوخة، وكأنه ما زال شابّا في أحسن تقويم، ويجزيه الله جزيل الثواب على كل أعماله وإن قلَّت.
- قبّح الله -تعالى- نفس الكافر بالكفر، لكنه جمّل المسلم، وزاده جمالاً.
- أن الله -تعالى- سيجعل الكافر في أسفل سافلين؛ وهي جهنم، ولكن المؤمن يبقى في أعلى عليين؛ وهي الجنة.
قول الله -تعالى-: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ):
قال الإمام ابن عاشور: "لما أخبر عن الله بأنه أفضل الذين يحكمون، علم أن الله يفوق قضاءه كل قضاء في خصائص القضاء وكمالاته، وهي: إصابة الحق، وقطع دابر الباطل، وإلزام كل من يقضي عليه بالامتثال لقضائه، والدخول تحت حكمه"، أي أن الله -سبحانه وتعالى- أحكم الحاكمين، وحكمه وقضاؤه لا يتعريه نقص ولا خلل، وكل أوامره تصيب عين المصلحة والمنفعة، لذا وجبت طاعته والانقياد له، وتسليم الأمر له من غير شك أو جدل.
سورة التين سورة عظيمة شأنها شأن سائر القرآن الكريم، وهي سورة مكية تناقش القضايا المكية؛ حيث كان التركيز على بدائع صنع الله تعالى؛ كما تم التذكير بقدرة الله -تعالى- على خلقه، وباليوم الآخر، ومصير الناس، بدأت السورة بالقسم؛ فأقسم الله تعالى بالبقاع المقدسة، وهي البلاد التي نزل فيها الوحي على النبيين بالكتب السماوية؛ كما تم بيان بديع صنع الله تعالى؛ حيث خلق الإنسان في أحسن تقويم، وموقف الإنسان من ربه على هذه النعمة.