فضل الرجاء في الله
مفهوم الرجاء
الرجاء في اللغة بمعنى الأمل، وهو ضد اليأس، وقد قال ابن الأثير في كتابه النهاية : "الرجاء بمعنى التوقع والأمل"، وأما في الاصطلاح فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده، وترقب حصوله، إذ إن الرجاء محمود لأنه باعث؛ أي يبعث على العمل، بعكس اليأس؛ فاليأس مذمومٌ؛ لأنه صارف عن العمل، قال تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
فالرجاء في الله: هو الاستبشار بجود الله وفضله، والطمع بإحسانه وعطائه، وتعلّق القلب به، والشعور بالثقة والطمأنينة لحصول ما عند الله من الخير والنعيم في الدنيا والآخرة، والنظر إلى سعة رحمة الله به، مع الأخذ بالأسباب، وبذل الجهد، والتوكل على الله ، وحسن الظنّ به، فهو عكس التمني الذي يكون مع الكسل وترك العمل، وعدم الأخذ بالأسباب، وعدم حسن الظن بالله، وعدم التوكل عليه، حيث قال تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ).
حيث يرجو المؤمن من الله المغفرة وعدم دخوله النار وتحريمها عليه، فيسعى بأخذ الأسباب التي تمنعه من دخوله النار، ويعمل ويرجو القبول من الله ، وإذا أذنب تاب ورجا التوبة وقبولها من الله، وأحسن الظن به، وقد جاء عن ابن القيم -رحمه الله- أنه قال في كتابه مدارج السالكين: "أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصلح إلا مع العمل"، حيث دلّ على ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
فضل الرجاء في الله
فيما يلي بيان أبرز فضائل الرجاء في الله وأهمها:
من أعظم العبادات القلبية
إن الرجاء في الله عبادة من أعظم العبادات القلبية ، إذ هي من أجلّ منازل السائرين وأعلاها وأشرفها، فالمؤمن يسير إلى ربه عزّ وجل على جناحي الرجاء والخوف، فبالخوف يُردع عن المعاصي ويمتنع عن ارتكابها، وبالرجاء يتحرّك بجوارجه بالطاعات، ويمتثل أوامر ربه، فعلى الرجاء والخوف والمحبة مدار السير إلى الله، والثبات على دينه، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا).
ثناء الله على أهل الرجاء
حيث إن الله عزّ وجلّ مدح في كتابه أهل الرجاء وأثنى عليهم، وجعل الرجاء من صفات عباده المؤمنين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ)، وقال أيضاً: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
المواظبة على العمل الصالح والطاعات
إن الرجاء يورث العبد المؤمن فعل الأعمال الصالحة والإكثار من الطاعات والخيرات، والدوام في المحافظة عليها، وطول المجاهدة، في سائر الأحوال والتقلبات، بل يولّد عنده التلذذ بفعل الطاعة وإن كانت شاقة وصعبة عليه، وهذا مما يؤدي إلى زيادة الفضل والثواب من الله تعالى.
إظهار العبودية لله والإقبال عليه
إن عبادة الرجاء تظهر عبودية المؤمن لله تعالى وحاجته وافتقاره إليه، فيؤدي إلى دوام الإقبال عليه، والتعلق به، والتنعّم بمناجاته، مما يزيد من محبة الله في قلب العبد، والشعور بالرضا، والشكر، وهذا مما يوجب مزيداً من التعرّف على الله، وعلى صفاته وأسمائه.