فضل الأم في الإسلام
فضل الأمّ في الإسلام
دعا الإسلام إلى برّ الوالدَين والإحسان إليهما، إلّا أنّه أولى الأمّ اهتماماً خاصاً، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ)، وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ يُوصِيكمْ بِأمَّهاتِكمْ -ثلاثًا-، إنَّ اللهَ تعالَى يُوصيكُمْ بآبائِكمْ -مرَّتيْنِ-، إنَّ اللهَ تعالَى يُوصيكُمْ بالأقْرَبَ فالأقْرَبَ).
وذكر الأم ثلاثَ مراتٍ في كلا الحديثَين يدلّ على ثلاثة أمور: أولها أنّ برّ الأم والإحسان إليها مقدّمٌ على برّ الأب، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، وثانيها أنّ نصيب الأم من البرّ وحسن الصلة أعظم، فهو يعادل ثلاثة أمثال نصيب الأب، وثالثها أنّه في حالة تعارض أمر الوالدَين واستحالة الجمع بين أمريهما فإنّ طاعة الأم أَوْلى من طاعة الأب. ويعود سبب أحقّيّة الأم في تقديم برّها وحسن صلتها على الأب انفرادها بتحمّل ثلاثة أمور؛ وهي صعوبة الحمل الذي يستمر تسعة أشهر، والولادة، والرّضاعة، ثمّ لا تنفكّ تُشارك الأب في التربية، وتدعو بالخير والتوفيق لِأبنائها سرّاً وجهراً، وألّا يصيبهم مكروه يُذيب قلبها ويُحزنه.
فضائل برّ الوالدين
أوْلى الإسلام الوالدَين اهتماماً عظيماً، وممّا يُظهر ذلك أمران: أوّلهما أنّ الله -تعالى- قرن أمر الإيمان به وإفراده بالعبادة بالأمر ببرّ الوالدَين والإحسان إليهما، كما في قوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا)، وثانيهما أنّ الله -تعالى- قرن شكره بشكرهما، كما في قوله -تعالى-: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ برّ الوالدَين والإحسان إليهما إحدى شيَم ومكارم أخلاق الأنبياء، فقد وصف الله -تعالى- نبيّه يحيى -عليه السلام- بقوله -تعالى-: (وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا)، وقوله -تعالى- على لسان نبيّه عيسى -عليه السلام-: (وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا)، ومن الفضائل التي ينالها المسلم ببرّه لِوالدَيه والإحسان إليهما ما يأتي:
- برّ الوالدَين والإحسان إليهما أقرب الأعمال الموصلَة إلى الجنّة بعد الصلاة على وقتها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ).
- برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد أسباب مغفرة الذُّنوب وتكفيرها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أذنَبْتُ ذنبًا كبيرًا فهل لي مِن توبةٍ؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألكَ والدانِ؟ قال: لا قال: فلكَ خالةٌ؟ قال: نَعم قال: فبَرَّها إذًا).
- برّ الوالدَين والإحسان إليهما سببٌ في نيل رضا الله -تعالى-، وهو ما يترتّب عليه نيل السّعادة في الدّارَين، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رضا الرَّبِّ في رضا الوالدِ وسخطُ الرَّبِّ في سخطِ الوالدِ).
- برّ الوالدَين والإحسان إليهما سببٌ في البركة بالعمر والرّزق الواسع، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن سَرَّهُ أنْ يُمَدَّ له في عُمُرِه، ويُزادَ في رِزقِه، فلْيَبَرَّ والِدَيهِ).
- برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد الأسباب المؤدّية للفوز بالجنة ونعيمها، وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
- برّ الوالدّين والإحسان إليهما أفضل الطاعات المُقرِّبَة إلى الله -تعالى- بعد الصلاة على وقتها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ).
- برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد أسباب إجابة الدعاء وتفريج الهموم والكربات، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوْا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ)، وكان أحد الثلاثة كثير البرّ بوالدَيه، فلم يكن يُقدِّم عليهما أحدٌ في شرب اللّبن، إلّا أنّه قد تأخّر عليهما يوماً فناما، فأخذ ينتظر استيقاظهما حتى بزغ الفجر فسقاهما، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على لسانه: (اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شيئًا).
كيفيّة برّ الوالدين
يمكن للمسلم برّ والدَيه والإحسان إليهما بمراعاة العديد من الآداب، ومنها ما يأتي:
- التّقرب إلى الوالدَين بكل ما كان من شأنه إدخال البهجة والسُّرور على قلبيهما؛ كتقبيل جبينيْهما وأيديهما، والإفساح لهما في المجلس، والمشي خلفهما إلّا ليلاً خوفاً من تعثّرهما، والبعد عن رفقة السُّوء حفاظاً على النّفس وسمعة الوالدَين .
- السعي لِإنهاء الخلافات والمشاكل التي قد تَنشب بين الوالدَين بتوضيح نقاط الاتّفاق والالتقاء بينهما.
- الاستئذان من الوالدَين للدخول عليهما، أو للسفر من أجل الدراسة والعمل، وغير ذلك من مناحي الحياة.
- المبادرة بتقديم المساعدة للوالدَين، والإسراع في إجابة ندائهما حال الانشغال وعدمه.
- تعليم الوالدَين ما يجهلونه من أحكام وتعاليم الدين، والحرص على نصحهما بالرفق واللين بترك المعاصي والذنوب التي قد يكون أحدهما عليها.
- اجتناب كل ما يُسبّب الإزعاج أو الحزن للوالدَين؛ كالعبوس في وجهيهما، والمنّ عليهما بالبرّ والإحسان إليهما، والشجار أمامهما، ولومهما وعتابهما على ما قد بدر منهما من الأفعال والأقوال، ونقل الأخبار المُؤسِفة إليهما.
- اجتناب مقاطعة أو ردّ أو تكذيب أحاديث الوالدَين، ورفع الصوت أمامهما أو عليهما، والتذمّر والضجر والتأفّف من أوامرهما، لقوله -تعالى-: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما).
- امتثال أمر الوالدَين، واجتناب نهيهما، والتّواضع لهما في الأقوال والأفعال.
- الاستمرار ببرّ الوالدَين والإحسان إليهما بعد وفاتهما، ويُمكن تحصيل ذلك بِعدّة أُمورٍ، منها ما يأتي:
- الدُّعاء للوالدَين بالرّحمة والمغفرة، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ) إحداها (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)، والإكثار من الاستغفار لهما، لقوله -تعالى- على لسان نبيّه إبراهيم عليه -السلام-: (رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ)، ولِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى لَيَرْفَعُ العبدَ الدرجةَ، فيقولُ: ربِّ، أنَّى لي هذِهِ الدرجةُ؟ يقولُ: بدعاءِ ولدِكَ لكَ).
- قضاء ديون الوالدَين والوفاء بها، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (نفس المؤمن مُعَلّقة بدَيْنِه حتى يُقْضى عنه).
- قضاء ما على الوالدَين من ديونٍ لله -تعالى-، ومن ذلك الكفّارات؛ ككفارة اليمين، وكفّارة القتل الخطأ، والنّذور التي يمكن تأديتها بالنّيابة؛ كنذر الصوم والحجّ والعمرة، لِما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم . قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى).
- إنفاذ وصيّة الوالدَين في حال وجودها في الثلث منها أو أقل، وهو واجبٌ على أن يتمّ ذلك قبل الدفن، كما يجب الاستعجال في تنفيذها حال كونها في أمرٍ واجبٍ لِإبراء ذمّتهما، أمّا في حال كونها في أمرٍ تطوّعيّ فيُستحبّ الاستعجال فيها لِيَحظيا بالأجر والثّواب.
- صيام الفرض من شهر رمضان الذي لم يتمكّن الوالدان من أدائه قضاءً عنهما، وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ).
- المُحافظة على صلة أقارب وأصحاب الوالدَين، وقد دلّ على صلة أقاربهما قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن أَحَبَّ أن يَصِلَ أباه في قبرِه، فَلْيَصِلْ إخوانَ أبيه من بعدِه)، ودلّ على صلة أصحابهما قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ).
- التّصدّق عن الوالدَين، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا).