فضائل خديجة رضي الله عنها
ماهي فضائل خديجة رضى الله عنها
أمُّ المؤمنين السَّيدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى من أكابر قريش، زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأولى، تكبره بخمس عشرة سنةً، كانت ولادتها في مكَّة وترعرعت في بيت أشرافٍ، واشتهرت بثرائها وعملها بالتِّجارة، تزوَّجت قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلين توفاهما الله ورزقت منهما الذرية.
وكانت ترسل كلَّ في عامٍ تجارة كثيرة إلى بلاد الشَّام وكانت تستأجر الرِّجال ليقوموا على هذه الشؤون بأموالها، وفي مرَّة خرج لها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في تجارةٍ وعاد لها رابحاً فلفت نظرها بما كان عليه من خُلُقٍ قويم، وطهارةٍ، وعزَّة نفسٍ، وحياءٍ، وأمانةٍ فكانت تمتلك بصيرةً بتقويم الرِّجال، فمالت نفسها إليه، ورغبت أن يكون زوجاً لها، وقد كان يبلغ من العمر خمس وعشرين سنةً وهي في الأربعين من عمرها، فتزوج بها النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- لمَّا عرف بإعجابها به ورغبتها بالزَّواج منه.
كانت السيدة خديجة أم المؤمنين من أكابر قريش وكانت تعمل في التجارة، تزوَّجت قبل النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مرتين ولكن توفي عنها أزواجها، عمل الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- معها بالتِّجارة ثمَّ تزوَّج بها، وتعدُّ زوجة النَّبيِّ الأولى، وتكبره في العمر بخمسة عشر عاماً .
أول من آمن بالله
تعتبر أمُّ المؤمنين خديجة أوَّلُ مَن آمنَ برسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم- وبدعوة التوحيد مِنَ النِّسَاءَ، بل تعدُّ أوَّل من آمن به من الخلائق جميعاً، وقَالَ ابنُ الأثِيرِ رَحِمَهُ الله -تَعَالَى-: "خَدِيجَةُ أوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أَسْلَمَ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، لمْ يَتَقَدَّمْهَا رَجُلٌ ولا امْرَأَةٌ".
وأعظم مثالٍ لمساندة السيدة خديجة لرسول الله قبل البعثة عندما لجأ إليها بعد نزول الوحي عليه لأوَّل مرَّةٍ في غار حراء؛ حيث ذكرت السيدة عائشة الحادثة فقالت: (فَدَخَلَ علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ، فانْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ).
فأنزل الله -تعالى- على الرسول: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ)، إلى قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، وبهذه السُّورة كان رسولًا -صلى الله عليه وسلم-، وبدأ الدَّعوة الى الله سراً وكانت أوَّل من آمن به زوجته خديجه -رضي الله عنها-.
السيدة خديجة -رضي الله عنها- كانت أوَّل من نال شرف الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وأوَّل من أسلم من البشر، وأوَّل من استبشرت بخبر نبوَّة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- من ابن عمها ورقة ابن نوفل كما ذُكر في حديث السيدة عائشة -رضي الله عنها-.
أم أكثر أولاد النبي
أجمع العلماء أن جميع أولاد النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- هم من خديجة -رضي الله عنها- إلَّا إبراهيم فإنَّه من مارية، واختلف في عددهم وأكبرهم؛ أمَّا الذُّكور فأوَّلهم القاسم وبه كان يكنَّى به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد عاش سنتين ومات في مكَّة قبل أن يوحى الى النَّبيِّ، والثاني هو عبد الله ولد بعد الوحي، والثَّالث هو الطيب وقيل إن الطيِّب والطَّاهر هو عبد الله وهذان لقبان له.
أمَّا البنات فقيل إن فاطمة أصغر بناته وهي سيِّدة نساء العالمين، ولدت في مكَّة وتزوَّجت من علي -رضي الله عنه- وتوفيت بالمدينة بعد وفاة الرسول، وزينب وهي أكبر بناته وقيل أكبرأولاده، وتزوجت من ابن عمها أبي العاص، وماتت في المدينة وقيل إن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- نزل إلى قبرها عند دفنها، ورقيَّة وقد ولدت بعد زينب وتزوَّج بها عثمان بن عفان، وتوفِّيت في المدينة، وكان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حينها في غزوة بدر، أمَّا أمُّ كلثوم فقيل إنَّها ولدت قبل فاطمة وقيل قبل رقيَّة، تزوَّج بها عثمان بن عفان بعد وفاة أختها رقيَّة وتوفيت أيضاً في المدينة.
أنجبتالسيدة خديجة -رضي الله عنها- للرسول جميع أولاده إلَّا ابراهيم فقد كان من مارية، وقد أنجبت السيدة خديجة: القاسم، والطيِّب، وعبد الله، وفاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وتوفاهم الله قبل النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلَّا فاطمة توفيت بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
خير نساء زمانها
بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ السيدة خديجة هي خير نساء الأرض في زمنها لقوله: (خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بنْتُ خُوَيْلِدٍ)، وقد فضَّل الله -عزَّ وجل- بعض الخلق على بعض؛ ففي هذا الحديث الشَّريف ذكر فيه خير نساء الدُّنيا والآخره كلٌّ في زمانها؛ إي أنَّ المقصود أنَّ السَّيدة مريم خير نساء بني إسرائيل، والسَّيدة خديجة خير نساء تلك الأمَّة، وقد يكون المقصود أنهنَّ خيرٌ من جميع نساء الأرض -رضي الله عنهنَّ-.
من عظيم شأن السيدة خديجة -رضي الله عنها- ومواقفها مع الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوته وحياته، أن أكرمها الله -عزَّ وجل- بأن جعلها خير نساء الدُّنيا؛ لرفعتها وعلوِّ شأنها ومنزلتها في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وخدمتها للإسلام.
أفضل نساء أهل الجنة
تم تفضيل خديجة -رضي الله عنها- في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- والذي تحدث فيه عن أفضل نساء الجنة؛ فقال: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محـمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران)، وقد استحقت السيدة خديجة هذه المنزلة؛ كيف لا وهي زَوجةُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- والتي كانت أوَّل من آمنَ به، وواستْه بمالِها، ورَزَقَه اللهُ منها الوَلدَ، وهذا الحديث يبين علوَّ شأنها ومنزلتها من بين جميع النسوة.
لم يكن كافياً في حق أم المؤمنين أن تتوَّج بوسام أفضل نساء الدُّنيا فقط؛ بل أكرمها ربُّها بأن جعلها أفضل نساء الجنَّة جزاءً على ما قدمته وعملت به في الدنيا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
سلام الله عليها، بيت في الجنة
تميزت السيدة خديجة عن سائر نساء العالمين برجاحة عقلها وحسن عشرتها للرسول -صلى الله عليه وسلم- ومواقفها في الإسلام؛ فقد فعلت مع النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الأفعال العظيمة الجليلة الكريمة التي تليق بها؛ فقد كانت له زوجاً، وكانت له كالأمِّ في برِّها وحنانها وإكرامها له -صلى الله عليه وسلم-، وكان يستشيرها فتشير عليه بأفضل الآراء -رضي الله عنها-.
فكان جزاؤها أن بشرها الله عز وجل على لسان جبريل -عليه السلام- في الحديث الشريف: (يقول النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فقال: يا رسولَ الله، هذه خديجةُ قد أتتْكَ بإناءٍ فيه إدامٌ -أو طعامٌ أو شرابٌ- فإذا أتتْكَ فَاقرأْ عليها السَّلامَ مِن رَبِّها ومِنِّي، وبَشِّرها بِبيتٍ في الجنَّةِ من قَصبٍ لا صَخَبَ فيهِ ولا نَصَبَ)، في هذا الحديثِ فَضيلةٌ عظيمةٌ ومَنْقبةٌ جليلةٌ لخَديجةَ -رضِيَ اللهُ عنها- بسلام الله عليه وهذا دلالةً على مكانتها عند الله -عزَّ وجل-.
وقد ذكرالحديث صفات بيت الجنَّة الذي بُشِّرت به على أنَّه قصرٌ من قصب وهو: اللؤلؤ الواسع المجوف، لا صخب فيه أي لا ضجة ولا صياح، ولا أصوات مرتفعة، ولا نصب فيه أي لا مشقَّة وعناء، وهذا الفضل كلُّه من الله؛ لأنَّها أوَّل من بنى بيتاً في الإسلام حينما تزوَّجت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت أوَّل ربَّة منزل في الإسلام، ولأنها استجابت لدعوة الإسلام فوراً دون جهدٍ ونقاش فكان هذا جزاؤها.
هذا كان جزاء المرأة العظيمة أم المؤمنين خديجة، التي بُشِّرت من ربِّها أجمل البشارات، وهي أن بلَّغها يا جبريل سلامي وبشرها بقصر في الجنة، هذا جزاء إحسانها وصبرها وحسن خلقها، واحتوائها لرسول -الله صلى الله عليه وسلم- وخدمتها لدينها.
لم يتزوج النبي في حياتها
من أعظم مظاهر وفاء الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- للسيدة خديجة في حياتها هو أنَّه لم يتزوَّج عليها، وهذا إن دلَّ على شيء فيدلُّ على مكانتها الكبيرة في قلبه وحبِّه الشديد لها؛ ولأنها جعلته لا يحتاج امرأةً غيرها، ومعَ طُولِ المده التي عاشت فيها السيدة خديجة مع الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- أراح قلبها من غيرة النِّساء من الضرائر، وهي فضيلةٌ لَمْ يُشاركِهْا فيها غيرُها، ورد عن عائشة أنَّها قالت: (لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت).
كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- شديد الوفاء للسيدة خديجة -رضي الله عنها- حتى بعد وفاتها، وهذا بينته الكثير من الأحاديث والمواقف لرسول الله والتي تظهر مدى وفائه لها، ومنها قول عائشه -رضي الله عنه-: (ما غِرْتُ علَى أحَدٍ مِن نِسَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ، وما رَأَيْتُهَا، ولَكِنْ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، ورُبَّما ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّما قُلتُ له: كَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إلَّا خَدِيجَةُ، فيَقولُ: إنَّهَا كَانَتْ، وكَانَتْ، وكانَ لي منها ولَدٌ).
فكثرة ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- للسيدة خديجة وقيامه بذبح الشَّاة وتوزيعها على رفيقاتها -رضي الله عنها-، وفرحه وسروره وإستئناسه بزيارة أختها هالة بنت خويلد، أمثلة على وفائه لها حتى بعد وفاتها، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يذكرها دائماً بالخير ولا يتكلَّم عنها إلَّا في محاسنها.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيَّاً للسيدة خديجة، ولم يتزوَّج عليها في حياتها ليريح قلبها من كيد الضرائر، وكان -صلى الله عليه وسلم- وفيّاً لها حتى بعد وفاتها؛ فكان كثير الذِّكر لها ولا يذكر إلَّا محاسنها، وكان يصل رفيقاتها ويستأنس بأهلها.
أثر فضائل خديجة على نساء المسلمين
للسيدة خديجة -رضي الله عنها- العديد من الفضائل، وقد مثلت نموذجاً صالحاً يُقتدى به في الجوانب الآتية:
- السيدة خديجة خير نموذج يقتدى به للزَّوجة الصَّالحة التي تواسي زوجها وتسانده وتساعده بلا منَّةٍ أو كللٍ أو مللٍ، و نعم الزوجة الوفية الصادقة المخلصة.
- خير نموذجٍ يقتدى به للزَّوجة التي لا تتخلَّى عن زوجها عند الشدائد والأزمات؛ بل تحضُّه على الصبر والثبات، بنفسٍ مطمئنة، وعقلٍ راجحٍ، وبصيرةٍ نافذةٍ، وإيمانٍ راسخٍ، وكلماتٍ صادقةٍ .
- أعظم نموذج يُقتدى به للزوجة حسنة المعشر، والتي تشكر العشير.
- خير نموذج يقتدى به للمرأه المسلمة التي تهب نفسها وبيتها لخدمة الإسلام والمسلمين، ولدعوتها ورسالتها وأمتها، وأهلها وزوجها وأولادها .
- نموذج للمرأة القوية والعفيفة الطاهرة؛ حيث إنها لقبت بالجاهلية بالطاهرة.
للسيدة خديجة العديد من الفضائل ومنها أنها أعطت لنساء العالمين خير نموذج للمرأة الصالحة، التقية، والتي تقف من زوجها وتنصره، وتشد من أزره، وتكون دائما مساندة له.