فائدة العلم بالمكي والمدني من الآيات
فائدة العلم بالمكيِّ والمدنيِّ من الآيات
يذكر الرازي -رحمه الله- في تفسيره أهميَّة معرفة المكيِّ والمدنيِّ من الآيات، فيقول: "اعلم أنّ الكلام في أنّ هذه السورة مكيَّة أو مدنيَّة طريقهُ الآحاد، ومتى لم يكن في السورة ما يتصل بالأحكام الشرعية فنزولها بمكّة والمدينة سواء، وإنما يختلف الغرض في ذلك إذا حصل فيها ناسخٌ ومنسوخٌ فيكون فيه فائدة".
وقد ذكر بعض العلماء عدة فوائد للعلم بالمكيِّ والمدنيِّ من الآيات، ومنها ما يأتي:
- معرفة الناسخ والمنسوخ
فالمدنيِّ ينسخ المكيِّ؛ إذ إنّ المتأخر ينسخ المتقدم.
- الاستعانة به في تفسير القرآن الكريم
إذ إنّ معرفة مكان نزول الآية يُعينُ على فهم المُرادِ بالآية، ومعرفة مدلولاتِها، وما يراد منها من أحكام.
- معرفة تاريخ التَّشريع وتدَرَّجُه الحكيم بوجهٍ عام
ويترتب على ذلك الإيمان بسمو الشريعة الإسلاميَّة في تربية الشعوب والأفراد.
- استخراج سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
وذلك بمتابعة أحواله في مكة المكرمة، ومواقفه في الدعوة، ثم أحواله في المدينة، وسيرته في الدعوة إلى الله فيها.
- بيان عناية المسلمين بالقرآن الكريم واهتمامهم به
حيث إنهم لم يكتفوا بحفظ النص القرآني فحسب، بل تتبعوا أماكن نزوله؛ ما كان ينزل قبل الهجرة وما كان ينزل بعدها، وما نزل بالليل وما نزل بالنهار، وما نزل في الصيف وما نزل في الشتاء، إلى غير ذلك من الأحوال.
- معرفة أسباب النزول
إذ إنّ معرفة مكان نزول الآية توقفنا على الأحوال والملابسات التي احتفت بنزول الآية.
تعريف المكيِّ والمدنيِّ
للعلماء في تعيين المكيِّ والمدنيِّ ثلاثة آراء بُنيَّ كل واحد منها على اعتبار خاص، فهناك من عرَّفها باعتبار مكان النزول، والبعض الآخر عرفها باعتبار المخاطب، وآخرون جعلوا الهجرة أو زمن النزول هو معيار التعيين.
والمعتمد عند معظم العلماء هو اعتبار الهجرة ، وهو أنسب الاعتبارات للتفريق بين العهدين، فيكون تعريف المكي والمدني بناءً على هذا الاعتبار؛ وبيانه كما يأتي:
- المكي
هو ما نزل قبل الهجرة، وإن كان خارج مكة المكرمة.
- المدني
هو ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة المنورة، قريباً منها أو بعيداً، حتى وإن كان في مكة، فالمعتبر في ذلك هو زمن النزول.
نموذج تطبيقي لفائدة معرفة المكيِّ والمدنيِّ من الآيات
قيل إنَّ جُل فائدة معرفة المكي والمدني تظهر في علم الناسخ والمنسوخ؛ بسبب معرفة المتقدم والمتأخر من الآيات، ومثال ذلك في قوله -تعالى-: (وَأَوفوا بِعَهدِ اللَّهِ إِذا عاهَدتُم وَلا تَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها وَقَد جَعَلتُمُ اللَّهَ عَلَيكُم كَفيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما تَفعَلونَ).
وفي هذه الآية أمر الله عباده ألا يحنثوا في يمين أكدوها بالحلف، وكان هذا قبل نزول آية الكفارة في سورة المائدة، في قوله -تعالى-: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ).
وفي آية حلف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أيماناً ألا يعطي مالاً أبداً؛ لمن تحدث عن عائشة -رضي الله عنها- في أمر الإفك، فنسخ الله ذلك، ومنع نقض الأيمان بالكفارة المذكورة في سورة المائدة، وبما أمر به أبا بكر الصديق في قوله -تعالى-: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ) .
وبقوله -تعالى-: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا) ، والنحل سورة مكيَّة، والمائدة والبقرة والنور سور مدنية ، فنسخت آيات السور المدنيِّة في هذا الحكم ما جاء في آيات السور المكيَّة.