علاج النفس الأمارة بالسوء
النفس الإنسانيّة وأقسامها
امتحن الله الإنسان بالنفس الأمارة واللوامة، وأكرمه بالنفس المطمئنة ، وصلاح القلب يكون بمحاسبة النفس، وفسادها بالاسترسال معها، فمن لم تلمه نفسه يسود قلبه ويموت، فإنّما يموت القلب بكثرة درنات المعاصي؛ فإن لم يجد له واعظاً أو مانعًا يردعه عن الهوى صار في حضيض البهائم، وينسلخ عن الفضائل الإنسانيّة، فهو لا يشارك الإنسان إلّا بشكله وهيئته، وهذه النفس هي الأمارة بالسوء، فالنفس واحدةٌ؛ أولاً تكون أمَّارةً، ثمّ لوَّامةً، ثمّ مطمئنةً، وبها يصل المرء إلى غاية الكمال والصلاح.
علاج النفس الأمّارة بالسوء
النفس الأمارة مذمومةٌ؛ فهي التي تأمر بكلّ سوءٍ، وتقود إلى كلّ قبيحٍ وكلّ مكروهٍ، وهذه طبيعتها، فالشيطان قرين النفس الأمارة بالسوء، فإذا فتحت لهم النفس باب الهوى، دخلوها فجاسوا خلال الديار، فعاثوا وأفسدوا، وفتكوا ودمّروها تدميرًا، فإن لم يخلص المرء من شرّها بمناجاة الله، ومحاسبة نفسه وردعها بالتقوى، فما تخلّص أحدٌ من شرّ نفسه إلّا بتقوى الله ، وطرق الوقاية من سلطة النفس الأمارة كثيرةٌ، وفيما يأتي ذكر جملةٍ منها.
ردع الجهل بالعلم
النفس الأمارة جاهلةٌ ظالمةٌ، يجب تهذيبها بالإدراك والوعي؛ فالجهل يصدر عنه كلّ أمرٍ وقولٍ قبيحٍ؛ فتهذيبها يكون بحضور المجالس الدينية، والدروس التي تقوي الوازع الديني، وتزيد معرفة الإنسان، وتوسّع مداركه؛ فقال الله-تعالى-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا).
تحكيم العقل
الحكمة فضيلةٌ للقوَّة العقليَّة؛ فعلى المرء أن يردع هواه بالتعقّل وردعه يكون بالسيطرة على النفس، وتحكيم العقل بصدّ باب الشهوات، وتوطينها على تقوى الله، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند الخطبة: (الحمدُ لله، نستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفسِنا وسيئات أعمالِنا، من يَهدِ اللهُ فلا مُضلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هاديَ لَهُ).
سدّ شهوة البطن وشهوة الفرج
إنّ للإفراط في الشهوات وإشباعها أثرًا على التحكّم بالنفس الأمّارة؛ لأنّها أصعب إصلاحًا من سائر القوى، فإن أشبع المرء هواه؛ استحكمت نفسه الأمّارة، وشدّت قيودها، وعظمت سيطرتها على الجسد، فتزيد بذلك طلباتها في تغذية شهواتها ويفقد المرء توازنه على قوّة الشهوة، فعليه أن يؤدّب النفس بالاعتدال في المأكل والمشرب، ويجب جهاد النفس وترويضها على الصبر والاستقامة بالجهاد فأصعب جهاد نهي النفس عن الهوى. قال -تعالى- حاكيًا عن امرأة العزيز: (ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).
السيطرة على الغضب
إنّ الغضب سببٌ للشرّ والحقد والحسد، فيجب على المسلم أن يسيطر عليه ويكبح جماحه؛ ليمنعه، والسيطرة عليه تكون بالثبات والشهامة والوقار، وعلى المرء أن يطفئ غضبَه في تسليطها على قمع الشهوة، والتحلّي بالصبر والهدوء والحِلم.
ردع هواجس النفس بذكر الله
إنّ النفس تتملكها الهواجس إذا ابتعدت عن ذكر اللّه، فعلى المرء أن يملأ وقته بالطاعة، وردع النفس الأمارة يكون أعظم بذكر اللّه ، والصلاة، وقراءة القرآن، حتى تكسو النفس طمأنينة القلب؛ لأنّها لا تطيب إلّا بذكر الله.
تهذيب النفس بالصيام
إنّ مواجهة النفس الأمارة بالصيام أمرٌ عظيمٌ، فهو يقوّي مناعة المرء، ويخلّصه من التمسّك بالشهوات، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ).