عوامل النهضة الأدبية في العصر الحديث
الحملات الاستعمارية والحركات التبشيرية
يعتبر الكثير من الباحثين أنّ الصدمة التي خلّفتها الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م بكلّ ما مثّلته من قوة وتحضّر للمجتمع الغربي، أنّها كانت الشرارة التي أشعلت الرغبة بالبعث والنهوض من جديد في نفوس العرب، هذا بالإضافة إلى ما جلبته هذه الحملة من مظاهر تقدّم وتطوّر، فأحضرت الأطباء والعلماء إلى مصر، وأقامت المطابع، والمدارس، والمكتبات.
عملت الحملات الاستعمارية على مرّ التاريخ على تصدير ثقافتها إلى الشعوب العربية الواقعة في قبضتها، إلّا أنّ هذا التصدير بدأ يأخذ شكلاً أكثر تنظيماً متمثّلاً بالحركات التبشيرية التي قدمت إلى الوطن العربي حاملة معها العلوم، والآداب ، والفنون، إضافةً إلى دورها في إنشاء مؤسسات تعليمية كالمدارس والجمعيات التي تهدف إلى النهوض بالمستوى الثقافي والمعرفي للمجتمعات، كالجمعية السورية التي أسستها البعثة الأمريكية عام 1847م، الأمر الذي أدى إلى تشبّع الشرق العربي بالحضارة الغربية الوافدة والنهل من علومها.
إنشاء المدارس والجامعات
كانت صفوف التعليم قبل ظهور النهضة الأدبية مقتصرة على الكتاتيب، وحلقات العلم المنعقدة في المساجد الكبرى في العواصم العربية كالمسجد الأقصى في القدس وجامع الأزهر بالقاهرة، وقد اتّخذ العلم في الأزهر منحى جديد في التنظيم والتصنيف، فقُسّمت صفوفه إلى مراحل تمثّلت بالابتدائية، والثانوية، والعليا، ووُزّع طلاب المرحلة العليا آنذاك على ثلاث كليات، وهنّ: كلية الآداب، وكلية الشريعة، بالإضافة إلى كلية أصول الدين، ثمّ سرعان ما أقيمت الجامعات في مصر فأُنشئت جامعة الملك فؤاد المعروفة حالياً باسم جامعة القاهرة.
ظهور المسارح
اتّفق المؤرخون أنّ العرب لم يعرفوا المسرح كفنّ قائم بحدّ ذاته إلّا في منتصف القرن التاسع عشر على يد الفنان المسرحي اللبناني مارون النقاش الذي مثّل مسرحية البخيل لموليير، وأتبعها فيما بعد بمجموعة من المسرحيات التي ألّفها بنفسه، وسرعان ما نهج المؤلف السوري أحمد أبو خليل القباني بنهج مارون فأخذ بكتابة المسرحيات المستلهمة من الثقافة العربية والإسلامية، ولم يكتفي عند هذا الحدّ بل أخذ بتطويرها وإدخال فنون جديدة عليها فدمج بين التمثيل، والرقص، والشعر.
أمّا في مصر فيرجع الفضل في ظهور الفن المسرحي إلى يعقوب صنوع الذي اتّخذ من خشبة المسرح منبراً لطرح ومعالجة قضايا اجتماعية حساسة بأسلوب نقدي رافض، الأمر الذي أثار حفيظة الخديوي إسماعيل وجعله يصدر قراراً بإغلاق المسرح، إلّا أنّ ذلك لم يوقف المسرحيين العرب خاصة أولئك العائدين بأفكار ورؤىً أوروبية مغايرة من إنشاء مسارح جديدة وجعلها منصات لمناقشة مواضيع تهمّ الناس والمجتمع.