علم التفسير نشأته وتطوره
نشأة علم التفسير وتطوُّره
مرّ علم التفسيرِ في نشأته وتطوره بمجموعةٍ من المراحلِ، وبيانُ هذه المراحلِ كالآتي:
التفسير في عصر النبيّ والصحابة
بدأ التفسير في عهد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ كان القرآن ينزل على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مُفرَّقاً حسب الحوادث، والوقائع، وكان -عليه الصلاة والسلام- يُفسّر للصحابة، ويُبيّن لهم ما أُشكِل عليهم من معاني الآيات المُنزَلة.
وهو -عليه الصلاة والسلام- أعلم الناس بالقرآن الكريم، ومعانيه، وهو المصدر الأوّل في تفسير القرآن على الإطلاق، ومن أمثلة تفسيره -صلّى الله عليه وسلّم- آياتِ القرآن، تفسيرُه قولَ الله -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)؛ إذ قال: (فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ).
وقد أخذ بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- العلم بالقرآن الكريم، وببيان معانيه وألفاظه عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فكان منهم ستّة عشر صحابيّاً من أئمّة التفسير، ومن بينهم عائشة -رضي الله عنها-، ومنهم من كانت آراؤه في التفسير يسيرة، ولم يرِد عنه سوى القليل.
ومنهم من أكثر منه، وأصبح عَلَماً فيه؛ فأكثروا من الرواية عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، واجتهدوا في تفسير ما لم يَرد فيه شيء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهم أربعة:
- عبدالله بن عباس -رضي الله عنه-
- عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-
- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
- أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-
ومع توسُّع المسلمين في الأمصار، وانتشار الصحابة، نشأت في كلّ بلد ذهبوا إليها مدرسة للتفسير؛ فكان ابن عبّاس في مكّة، وأبيُّ بن كعب في المدينة، وعبدالله بن مسعود في الكوفة، ومن هنا انتشر علم التفسير من الصحابة إلى تابعيهم، ومنهم إلى تابعيهم، وهكذا، وكانت الوسيلة الأولى لحِفظ هذا العلم حِفظه في الصدور؛ بوصفها الوسيلة الأهمّ؛ لحِفظ العِلم.
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- قليلي الاختلاف فيما يخصّ فَهم معاني القرآن، وتلك إحدى مُميّزات التفسير في عصرهم، كما أنّهم كانوا يكتَفون في تفسير الآية بالمعنى الإجماليّ لها، كما أنّ الخلاف المَذهبي حول الآيات كان قليلاً، وكان التفسير يأخذ شكل رواية الحديث، ولم يُدوّن في عصرهم، وإّنما كان يُحفَظ سماعاً، وكانوا -رضي الله عنهم- قليلي الأخذ من أهل الكتاب.
التفسير في عصر التابعين
يُعَدّ عصر الصحابة المرحلة الأولى من مراحل التفسير، وقد بدأت مع انتهاء عصرهم المرحلةُ الثانية من مراحل نشوء علم التفسير وتطوُّره؛ وهي مرحلة التابعين من تلاميذ الصحابة -رضوان الله عليهم-، وكان القرآن الكريم مصدرهم الأوّل للتفسير في تلك الفترة؛ إذ كان يُفسّر بعضَه بعضاً.
ثمّ سُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والتي وصلت إليهم عن طريق الصحابة، ثمّ ما فسَّرَه الصحابة أنفسهم، وما أُخِذَ من أهل الكتاب، وإن لم يجدوا في ذلك كلّه، اجتهدوا برأيهم وبنَظَرهم في كتاب الله -تعالى-.
وقد قامت في تلك الحِقبة عدّة مدارس للتفسير في البلاد المفتوحة، والأمصار المختلفة، وبيان هذه المدارس كالآتي:
- أوُلى هذه المدارس وأشهرها مدرسة مكّة المُكرَّمة التي كان على رأسها الصحابيّ عبدالله بن عبّاس -رضي الله عنه-، ومن بَعده تلاميذه: سعيد بن جبير، وعِكرمة، وطاووس بن كيسان، ومُجاهد، وعطاء بن أبي رباح.
- وثانيها مدرسة المدينة، وأشهر المُفسِّرين من التابعين فيها: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم.
- وثالثها مدرسة العراق، والتي تتلمذَ المُفسِّرون فيها على يد الصحابيّ عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، وأشهرهم: مسروق بن الأجدع الكوفيّ، وقتادة بن دعامة السدوسيّ البصريّ، والحسن البصريّ، ومرّة الهمذانيّ.
وقد اعتمد المُفسِّرون في هذه المرحلة على التلقّي، والرواية، بالإضافة إلى الاختصاص الذي اتَّسمَت به مدرسة التفسير من حيث تبعيّة كلّ واحدة منها لصحابيّ.
التفسير منذ عصر التدوين الى اليوم
بدأ عصر تدوين التفسير في بداية القرن الثاني الهجريّ مع بَدء تدوين الحديث الشريف ؛ إذ كانت تُفرَد للتفسير أبوابٌ خاصّةٌ ضمن كُتب الحديث، وكان التدوين في هذه المرحلة يأخذ شكل التدوين بالإسناد؛ أي بذِكر سَنَد الأحاديث، والأقوال المذكورة.
ومع استقلال العلم، وانتشار الكتابة والتدوين، أصبحَت للتفسير كُتبٌ خاصّةٌ مُستقِلّةٌ عن كُتب الحديث، فبدأت هذه الكُتُب تُورد الأقوالَ دون إسنادها إلى أصحابها؛ وهو ما يُطلَق عليه (اختصار الأسانيد)، ويُعَدّ هذا الأمر سلبيّاً فيها، وهذا ما أدّى إلى ورود العديد من الأقوال الموضوعة، وكثرة النَّقْل من الإسرائيليّات.
وكان استقلال هذا العلم على أيدي عدد من العلماء، كابن جرير الطبريّ، وابن ماجة، وكان التفسير مُعتمِداً على التفسير بالمَأثور، وفي العصر العبّاسي بدأ التفسير العقليّ؛ أي بالفَهم الشخصيّ، والرأي، والنَّظَر، ودخل في ذلك علم اللغة العربيّة، والفِقه، كما دخلت في ذلك النَّزْعة العقليّة المَذهبيّة.
وقد اتّخذ التفسير في العصر الحديث مَنحىً جديداً؛ فانتشرت المَطابع، ونَشَطت حركات التأليف في العلوم الإسلاميّة، وظهرت نزعات تفسيريّة جديدة؛ إذ أثّرَت الأحداث، والوقائع، والاتِّجاهات في طريقة التفسير؛ فظهرت النزعة العِلميّة بإدخال النظريّات العِلميّة في تفسير القرآن، إلّا أنّ التفسيرات الحديثة تميَّزَت بسهولة العبارة، والوصول إلى شريحة أكبر، ومنها: تفسير المنار لمحمد رشيد رضا، وتفسير المراغي، والتفسير الحديث.
علم التفسير
التفسير في اللغة:
هو مصدر الفعل الثلاثي (فَسَرَ)، والجمع منه (تفسيرات)، و(تفاسير)، ونقول: فسَّر: يُفسِّر، تفسيراً، وهو يعني: الشرح، والبيان، والتأويل، والإيضاح، وتفسير القرآن يعني: توضيح معانيه، وبيان وجوه البلاغة، والإعجاز فيه، وبيان ما انطوَت عليه الآيات من أسباب النزول، والأحكام، والعقائد، والحِكم.
وقد تعدّدت تعريفاته عند العلماء المُفسِّرين:
- بَيَّن الأصفهانيّ أنّ التفسير يعني: إظهار المعنى المعقول.
- وذهب السيوطيّ إلى أنّ تفسير القرآن هو: العلم ب أسباب نزول الآيات، والوقائع، والقصص، والأحداث التي نزلت فيها، والعلم بالمُتشابِه، والمُحكَم منها، والمكّي والمدنيّ، والناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والحلال والحرام، والمُجمَل والمُفسَّر، والوعد والوعيد المذكور فيها، وأمثالها، وعِبَرها.
- ومن العلماء من قال غير ذلك؛ إذ رأى أبو حيّان أنّ التفسير هو: البحث في الكيفيّة التي تُنطَق بها كلمات القرآن الكريم، وتراكيبه، وما تُشير إليه من مَدلولات.
- ومن هذه التعريفات أيضاً ما أورده الزركشيّ، إذ قال إنّ التفسير هو: العلم الذي يُفهَم من خلاله المُراد من كتاب الله -تعالى- الذي أنزله على نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وبه تتبيّن معانيه، وتُستنبَط أحكامه، ويُعرَف الناسخ والمَنسوخ، وتُستخرَج منه أصول الفقه، وعلم القراءات، ونحو ذلك.