علامات قبول التوبة من الكبائر
علامات قبول التوبة من الكبائر
يغفر الله -تعالى- لعباده جميع الذنوب مهما عَظُمت، والدليل على ذلك قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، والآيات السابقة تدلّ دلالةً واضحةً على أنّ الله -تعالى- يغفر الذنوب جميعاً، ويُبَدِّل السيئات حسناتٍ، ولو اقترف العبد عدداً من الكبائر تنفعه توبةً عامةً مكتملة الشروط عنها جميعاً دون اختصاص كلّ ذنبٍ بتوبةٍ على حدة، وتُعرف التوبة الصحيحة بعددٍ من العلامات، يُذكر منها:
- أن يكون حال العبد بعد التوبة أفضل من حاله قبلها.
- مداومة التائب على الشعور بالخوف من العودة إلى الذنب مرةً أخرى.
- الندم الشديد على الذنوب التي ارتُكبت.
- الانكسار بين يدي الله -تعالى- بشكلٍ كاملٍ، فيغدو العبد خاشعاً ذليلاً يرجو رحمة ربه.
- الإخلاص لله -تعالى- في التوبة إليه من الذنوب والمعاصي.
- العزم على الإقلاع عن الذنوب وعدم العودة إليها، ولا يُمكن عذر النفس بقول: "إنّ الله غفورٌ رحيمٌ"، فلا بدّ للمسلم أن يحرص على عدم اقتراف الذنوب بحُجّة مغفرة الله لها، وما ذلك إلّا سبيلاً من سُبل الشيطان لإغواء العبد ليقترف المعاصي.
- التوبة قبل الوصول إلى مرحلة الغرغرة* التي تسبق الموت .
- ردّ الحقوق إلى أصحابها إن تعلّقت الذنوب بالعباد.
- الإنابة والتوبة إلى الله على الفور، فتأخير التوبة معصيةٌ، والتوبة تكون حينها من المعصية ومن التأخير، ويُمكن للعبد أن يتوب توبةً عامةً عن ذنوبه التي يعلمها والتي لا يعلمها.
- محبّة الله -تعالى- ومحبة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- والمؤمنين، والإتيان بما يُظهر تلك المحبة.
مصير من مات دون توبةٍ من الكبائر
إن أصحاب الكبائر الذين ماتوا دون توبةٍ منها أمرُهم إلى الله -عز وجل-؛ إن أراد أن يُعذِّبهم عذّبهم بدخول النار والمكوث فيها، ثمّ يُخرج الله -تعالى- من النار من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ ويدخله الجنة، وإن شاء عفا عنهم من بداية الأمر، وذلك إن كانت الذنوب متعلّقةً بحقّ الله تعالى، أمّا الذنوب التي يدخل بها حقّ العباد فلا بدّ فيها من ردّ كلّ حقٍّ إلى صاحبه، والتوبة في حقيقتها عملٌ قلبيٌ لا يتطلّب المشقة والمعاناة، وإنّما يحصل مع التوبة الشعور بالراحة في النفس والسكينة في القلب، وبالتوبة تمحو الملائكة ذنوب العباد، وتصبح كأنّها لم تكن، والتوبة تُقبَل من جميع الذنوب، فليس هناك ذنبٌ لا تمحوهُ التوبة الصادقة.
التوبة من الذنوب
إنّ الثبات على طريق الحق لا يتحقّق إلّا بالتوبة وفعل الخير، قال تعالى: (فاستَقِم كَما أُمِرتَ وَمَن تابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ)، فالاستقامة مرتبطةٌ بالتوبة، ولا يمكن أن يكون المرء مستقيماً وهو مُثقلٌ بالذنوب والمعاصي، والقدوة في ذلك النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرةً وقد غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وتجدر الإشارة إلى أنّ التائبين من الذنوب على ثلاث طبقاتٍ؛ أعلاها التوبة من الغفلة*، وأوسطها التوبة من المعاصي، وأدناها التوبة من الكُفر.
تعريف التوبة
بيّن العلماء المقصود بالتوبة في اللغة والاصطلاح، وبيان ذلك فيما يأتي:
- التوبة لغةً: الأصل فيها تَوَبَ، ويدلّ على الرجوع، فإن قيل: "تاب وأناب" أي رجع عن ذنبه، أمّا التوبة فيُقصد بها الرجوع والإنابة إلى الله -تعالى-، وأداء كلّ ما له من الحقوق على عباده التائبين، مع العزم والصدق وعدم إصرار القلب على ارتكاب الذنوب.
- التوبة اصطلاحاً: هي ترك الذنوب خوفاً من الله –تعالى-، وطلباً لرضاه ورحمته، مع إدراك قُبح الذنوب والحرص على عدم العودة إليها، والندم على ارتكابها، وإدراك ما يُمكن إدراكه من العبادات، والتزام الطاعة.
تعريف الذنوب
الذنوب جمع ذنب، ويطلق على كلّ فعلٍ أو تركٍ خالف أمر الله -تعالى- أو أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وتتفرّع الذنوب إلى:
- الكبائر: والمفرد منها كبيرة، ويقصد بها في اللغة الأمر أو الشيء العظيم، يقال: فلان أكبر الشيء؛ أي أنّه استعظمه، ومن ذلك التكبير الذي يقصد به التعظيم، ويقصد به في الاصطلاح الأفعال التي رتّب الله على فعلها الغضب أو الطرد من رحمته أو الوعيد منه على مرتكبها، وقد اختلف العلماء في عددها، فقيل إنّها أربعة، وسبعة، وتسعة، وسبعمئة، وورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: "هي إلى السبعين أقرب منهم إلى السبع"، والصحيح في العدد أنّه لم يرد أي دليلٍ في القرآن أو السنة يحصرها بعددٍ معينٍ، ومثالها: الزنا، والربا، وقول الزور، والسرقة، وقتل النفس، وعقوق الوالدين ، واللواط، وأكل مال اليتيم، وشرب الخمر، والقمار، وقذف المُحصنات، والظلم.
- الصغائر: جمع صغيرة، وهي الذنوب التي لم يرتّب الله -تعالى- على ارتكابها حدّاً في الحياة الدنيا أو وعيداً في الحياة الآخرة، وتأتي الصغائر في مرتبةٍ دون الكبائر، وقد تتحول إلى كبائر بحسب النية وتكرار القيام بها.
أمورٌ تعين على التوبة
فتح الله -تعالى- لعباده باب التوبة؛ ليجعلهم من أهل رحمته ومحبته، ومن الأمور التي تُعين العبد على التوبة الصادقة:
- استشعار عظمة الله -تعالى- وأنّه المُتفضّل على خلقه بالنعم التي تستوجب الشُكر، ويكون كُفران النعم باستخدامها فيما يُغضب الله، وتكون التوبة بالشُكر.
- استحضار خُطورة الذنوب، وما تتسبّب به من غضب الله وإنزال سخطه.
- إدراك أهمية التوبة وضرورة المبادرة إليها قبل لقاء الله -تعالى- والوقوف بين يديه والحساب على كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.
- حفظ القرآن الكريم بإخلاص النية وتجريد القصد لله -تعالى- مع اتّباع ما ورد فيه.
- مرافقة الصالحين الذين يُعينون على الثبات على طريق الحق.
- مجاهدة النفس بإتيان كلّ ما أمر به الله -تعالى- والابتعاد عن كلِّ ما نهى عنه.
- الإكثار من تذكّر الموت ممّا يدفع القلب إلى تجديد التوبة والرجوع إلى الله، فقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (أكثِروا ذِكْرَ هاذمِ اللَّذاتِ الموتِ).
- ذكر الجنة ونعيمها؛ فذلك يُعين على فعل الطاعة؛ لنيل رضى الله -تعالى- والفوز بجنته.
- الالتزام بالفرائض من العبادات وأهمّها الصلاة، والحرص على التقرّب من الله -تعالى- بالنوافل ، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ).
- الدُعاء وطلب الثبات على الحق من الله -تعالى-، وفي ذلك يروي الصحابي أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يُكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ).
- المداومة على ترديد الأذكار والحرص على الاستغفار.
- الخشية والخوف من الله تعالى، وما أعدّ من جزاءٍ وعقابٍ للعُصاة، وتذكّر الآخرة وما فيها من الحساب والجنة والنار وغيرها من الأمور، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَـئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).
- تذكّر رحمة الله -تعالى- الواسعة بعباده التي تشمل مغفرة جميع الذنوب والمعاصي، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
معنى التوبة النصوح
إن للتوبة منزلةً عظيمةً؛ إذ تتعلّق ببداية العباد السائرين إلى الله -تعالى- ونهايتهم، كما أنّ حاجتهم إليها ضرورية، قال الله -تعالى-: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فمن لم يتب فقد ظلم نفسه لعدم معرفته بربّه ولما اقترف على نفسه من العيب وما أدت إليه أعماله من الآفات، وتتفرّع التوبة إلى ثلاثة أنواع؛ أولها: أن يُذنب العبد ذنباً ثمّ يُلحقه بتوبةٍ صادقةٍ عاجلاً، وهي ما تسمّى بالتوبة الصحيحة، وثانيها: التوبة الأصح من الأولى، وهي ما تسمّى بالتوبة النصوح التي يكره فيها العبد المعصية فلا تخطر له، وثالثها: التوبة الفاسدة وتكون بتوبة اللسان فقط دون توبة الجوارح، فيتلفّظ اللسان بالتوبة دون أن يعزم العبد على هجر المعصية التي تُغضب الله مع بقاء لذّتها في خاطره، ويُلحق بالأنواع السابقة توبة الإنابة التي يخاف بها العبد من قدرة الله عليه، وتوبة الاستجابة التي يستشعر بها العبد قُرب الله منه، فيستحيي من الله أن يراه على معصيةٍ.
حقيقة التوبة
إن على التائب أن يُحدّد مقصده من التوبة، فيكون دافعه للتوبة رجاء تقوى الله -تعالى- والخوف من عذابه والالتزام بأمره، ولا يكون القصد تحصيل عزة الطاعة وعزة التوبة دون النظر إلى حق الله، ويُحكم على التوبة بالوجوب أو الاستحباب بناءً على حقيقتها، ومن أتى بالتوبيتن كان من المقرّبين، ومن اقتصر على التوبة الواجبة كان من المقتصدين، وبيان النوعين فيما يأتي:
- التوبة الواجبة: وهي التوبة من عدم أداء الواجبات وإتيان المنكرات، وتتحقّق بترك النواهي وأداء الأوامر، وسمّيت واجبةً بسبب وجوبها على كلّ مكلفٍ كما ورد الأمر بها في نصوص القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
- التوبة المُستحبة: وتتحقق بفعل الأمور المُستحبة وترك الأمور المكروهة.
فضل التوبة إلى الله
فتح الله -تعالى- لعباده أبواب الرحمة والمغفرة بقبول توبتهم، وتظهر أهمية التوبة في العديد من الأمور، يُذكر منها:
- امتدح الله -تعالى- عباده المداومين على الاستغفار والتوبة.
- أنعم الله -سبحانه- على التائب بالثواب العظيم والجزيل في الدنيا والآخرة.
- ينال العبد بالاستغفار والتوبة بركاتٍ لا يُمكن حصرها، منها: تكثير الخيرات وسعة الرزق.
- تعدّ التوبة من أسباب نيل محبة الله -تعالى-، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، كما أنّها من أسباب الفلاح وقبول الأعمال الصالحة.
- تُعين التوبة على دخول الجنة والنجاة من عذاب النار في الحياة الآخرة.
أهمية معرفة الكبائر
وجب على كلّ مسلمٍ معرفة كبائر الذنوب ؛ لخطرها العظيم وشرّها الجسيم، فيَسلموا من شرّها الذي يلحق بمرتكبها في الدنيا والآخرة، فهي من أسباب حلول العقوبة والهلاك، فمخالفة أوامر الله واتّباع طريق الذنوب كان سبب هلاك الأمم السابقة ونزول العذاب بهم، فأغرق الله قوم نوح -عليه السلام- جزاء تكذيبهم وكفرهم به، وألقى الريح على قوم عاد وماتوا زمن هود -عليه السلام-، وأرسل الله الصيحة المميتة على قوم ثمود زمن رسوله صالح -عليه السلام-، قال -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
للمزيد من التفاصيل عن التوبة الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( كيف تكون التوبة من الكبائر )).
- (( ما الفرق بين التوبة والاستغفار )).
_____________________________________________________________________________
الهامش
*الغرغرة: تردّد الروح في الحلق حين حلول الموت.
*الغفلة: السهو والإهمال لعبادة وطاعة الله -تعالى-، وعدم الإعداد للقائه.