علامات النبوة قبل نزول الوحي
علامات النبوة السابقة لمولد النبي
العلامات التي رأتها أم النبي
ظهرت مجموعة من الدلائل والعلامات على نبوّته قبل مولده، ومنها ما رَأَتْه أمّه من خروج نور منها عند ولادته، وقد روى العرباض عن رسول الله: (إنِّي عندَ اللهِ مَكتوبٌ بخاتَمِ النَّبيِّينَ وإنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ في طينتِه وسأُخبِرُكم بأوَّلِ ذلك: دعوةُ أبي إبراهيمَ وبِشارةُ عيسى ورؤيا أمِّي الَّتي رأَتْ حينَ وضَعَتْني أنَّه خرَج منها نورٌ أضاءَتْ لها منه قصورُ الشَّامِ). وتخصيص بلاد الشام هنا لثبوت الإسلام بها إلى آخر الزمان.
وفي النور إشارة إلى الهداية التي تتحصّل بنبوّته، قال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
العلامات التي وردت في الإنجيل
إنّ ممّا يدلّ على نبوّة سيّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ بشارة الأنبياء السابقين لأقومهم به، فقد عَرَف أهل الكتاب بنبوّة سيّدنا محمَّد -صلى الله عليه وسلم- حقّ المعرفة، قال -تعالى-: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
وجاء عندهم ذكره ووصفه ومكان بعثته، بالإضافة إلى خاتم النبوّة في ظهره، وهجرته، وقد بشّر به عيسى -عليه السلام- في الكتب السماوية التي سبقت القرآن الكريم، ويدلّ على ذلك قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
العلامات التي وردت في التوراة
في رسالة موسى -عليه السّلام- يقول -تعالى-: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ)، ودلائل النبوّة كثيرة لم تحصل لغيره من الأنبياء، وما ذلك إلّا لشمول رسالته وعمومها ونسخها لغيرها من الرسالات، ورغم ما تعرّضت له الرسالات السابقة من التغيّير والتبديل؛ إلّا أنّه بقي فيها مجموعة من النصوص التي تدلُّ على البشارة بنبوّة سيدنا محمد.
بالإضافة إلى أنَّ اليهود انتظروا ظهور نبيٍّ بعد موسى، وكانوا يُبشّرون به، وأجمعت الأمّة على أنّ المُراد بدعوة إبراهيم في قول الله -تعالى-: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، هو محمَّد -صلى الله عليه وسلم-.
علامات النبوة عند صبا النبي
وجود خاتم النبوة بين كتفيه
خاتم النبوّة هو لحمٌ بارزٌ يَعلوه الشعر بحجم بيضة الحمامة، ولم يكن موجوداً عند ولادته -عليه السّلام-، وإنمّا برز بعد ذلك على كتفه الأيسر، وقد كانت هذه علامة نبوّته بحسب ما ورد في الرسالات السماوية السابقة.
ويروي السائب فيقول: (ذَهَبَتْ بي خَالَتي إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَ أُخْتي وجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِي ودَعَا لي بالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِن وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إلى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ)، وتُعَدَّ هذه الصِّفة من الصفات التي اشترك بها الأنبياء جميعاً.
حادثة شق الصدر
روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- فقال: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أتاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو يَلْعَبُ مع الغِلْمانِ، فأخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عن قَلْبِهِ، فاسْتَخْرَجَ القَلْبَ، فاسْتَخْرَجَ منه عَلَقَةً، فقالَ: هذا حَظُّ الشَّيْطانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ في طَسْتٍ مِن ذَهَبٍ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أعادَهُ في مَكانِهِ، وجاءَ الغِلْمانُ يَسْعَوْنَ إلى أُمِّهِ، يَعْنِي ظِئْرَهُ، فقالوا: إنَّ مُحَمَّدًا قدْ قُتِلَ، فاسْتَقْبَلُوهُ وهو مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قالَ أنَسٌ: وقدْ كُنْتُ أرَى أثَرَ ذلكَ المِخْيَطِ في صَدْرِهِ).
فقد جاء جبريل إلى النبيّ وهو يلعب مع الصبيان، فطرحه أرضاً، وشقّ صدره، وأخرج منه قطعة من الدّم وقال هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسل قلبه بماء زمزم موضوع بوعاء من ذهب، ثمّ بعد ذلك أغلق الشّقّ، فأسرع الصِّبية إلى حليمة السّعدية يخبرونها أنَّ محمداً قد قُتل، ففزع القوم إليه وإذا بلون وجهه قد تغيّر، ويروي أنس -رضي الله عنه- أنَّه كان يرى أثر المخيط في صدره، وإنّما أراد الله ذلك ليُهيِّئ رسول لاستقبال الوحي، وليطهّر قلبه، ولا يتحصّل ذلك إلا بإخراج حظِّ الشيطان منه، وقد كانت هذه الحادثة أثناء وجود رسول الله في بادية بني سعد عند مرضعته حليمة السعدية.
تظليله بالغمام وهو في الرحلة التجارية
كان ذلك قبل أن يُوحى الله إليه، حيث خرج رسول الله في يومٍ من الأيام مع عمّه أبي طالب إلى الشام في تجارة، وعندما وصلوا إلى مكانٍ يوجد فيه بحيرا الراهب؛ خرج لهم على غير عادته وأخذ بيد النبيّ وقال: "هذا سيّد العالمين، هذا رسول ربّ العالمين"، فسأل سادة قريش عن ذلك، فأخبرهم برؤيته لغمامةٍ تظلّه أينما ذهب، وأنّ ذلك مكتوبٌ عندهم في كتبهم.
علامات النبوة قبل بعثة النبي
الرؤيا الصادقة
الرؤيا الصادقة في المنام، وهي أوَّل ما بُدئ به الوحي، فقد روت عائشة -رضي الله عنها-: (أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ)، وكما في رؤيا إبراهيم وهو يذبح ابنه، ورؤيا يوسف حين رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، ورؤيا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أنَّه سيدخل مكة فاتحاً، فإن رؤيا الأنبياء حقّ. وهي أمر مشترك بين جميع الأنبياء، وتُعَدُّ نوع من الوحي، وجزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة كما ذُكر في الأحاديث.
سلام الحجر عليه
فقد قال -عليه الصلاة والسّلام-: (إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُبْعَثَ إنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ)، فيَردُّ عليه السلام، ويدلّ التكلمّ من قبل الحجرعلى أنَّ الله قد أنطق الحجر فعلاً، أو المقصود من ذلك أنّ الله -سبحانه- لو أنطقه؛ لنطق بالشهادة واعترف بنبوّته، والبشر أولى بذلك.
اشتهاره بالصدق والأمانة
لقّب الناس النبي بالصادق الأمين، وشهد له المشركين بذلك، وعندما أُوحي للنبيّ أن يدعو عشيرته، أراد اختبارهم فقال لهم: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا).
صفات النبي الدالة على نبوته
اتّصف النبيّ بالعديد من الصفات التي دلّت على نبوّته، وكذلك اتّصف بها الأنبياء من قبله، ومنها:
- شَرَفُ نسب الرسول محمَّد، وكرامة أصله، فقد جعله الله من خَير خلقه لمّا خلقهم، ومن خَير قبيلة، وأحسن بيت.
- العدل، وصدق المنطق، والهيبة والوقار، والزهد في الدنيا، وحبُّ العمل وتجنّب الرّاحة، وكثرة التعرُّض للابتلاءات التي تزيده إيماناً ويقيناً، والوقوف مع الحقِّ دون ابتغاء شيئا من الدنيا على ذلك.
- التخلّي عن نهج الأقوام السابقة في اتّباعهم لآبائهم، ومعاداة أعداء الله حتى لو كانوا من ذوي الرحم.
- ترك الشهوات التي تؤدي بصاحبها إلى العذاب الأليم، وذلك من شدّة الخوف من عذاب الله.
- العصمة من الوقوع في الخطأ في أمور الدين، والاتصاف بأعلى صفات الكمال البشري، ولن يبلغ هذه المرتبة من البشر سوى الرسل -عليهم السّلام-.
- الاتّصاف بمكارم الأخلاق، والدلالة على طريق الصراط المستقيم، والقوّة في الحقِّ، وسماحة النّفس، وإن تكلّم تجنَّب في كلامه السّبّ واللّعن وفحش الكلام، وكان -عليه الصلاة والسلام- شُجاعاً، عفوّاً كريماً، أجود الناس بالخير، وما طُلب منه شيئاً إلّا أعطاه.
- حِلمه على جَهل مَنْ أمامه، وكلَّما اشتدّ جهل خصمه ازداد حِلمه وصبره -عليه الصلاة والسلام-.