علاج قسوة القلب
علاج قسوة القلب
تُعد قسوة القلب من الأمراض التي يبتلى بها الإنسان، وقد توعد الله -تعالى- القاسية قلوبهم بقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾، وقسوة القلب تكون بترك التوبة وعدم التأثر بالموعظة، وعدم الخوف من العقاب، والجرأة على المعاصي والآثام، كما وتكون قسوة القلب بترك اللين في الكلام والخشوع في العبادة والرحمة للخلق.
وقسوة القلب هي أعظم عقوبة تقع على العبد الغافل ومن رحمة الله -تعالى- أن جعل لقسوة القلب علاجاً، ترق به القلوب ويعود به الخشوع إلى القلب وإلى كل الجوارح، وهذا العلاج حسب ما يأتي:
ذكر الله تعالى
إن لين القلب يحصل للعبد إذا أدام طرق قلبه بذكر الله -تعالى- حتى يرجع القلب القاسي للين والخشوع، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، فذكر الله -تعالى- فيه طمأنينةٌ للقلب وحياةٌ للقلب القاسي.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ)، فذكر الله حياة للقلب الذي مات بقسوته، وجاء رجلٌ إلى الحسن البصري يشكو له قسوة قلبه ويسأل عن علاج ذلك فأجابه الحسن البصري بقوله: " ألنه بذكر الله -تعالى-" فذكر الله -تعالى- دواءٌ لكل داء.
قراءة القرآن وتدبر آياته
يتضمن القرآن الكريم آيات الرحمة ، وآيات العذاب، وآيات تصف النار وما فيها من عذاب، وآيات تصف الجنة وما فيها من نعيم، وصاحب القلب القاسي يجب أن يلين قلبه عند آيات الرحمة والجنة، أو يخاف من آيات العذاب في النار، قال -تعالى-: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾.
فالجبال على عظيم خلقها تتصدع وتخشع من آيات الله -تعالى- فالقلب القاسي إذا قرأ القرآن وتتدبر آياته يجب أن يخشع ويذل ويخضع لله -تعالى-، قال -تعالى-: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، فالقرآن الكريم لمن حافظ على تلاوته ومذاكرته يُذهب قسوة القلب.
الاستغفار والتوبة
إن ارتكاب المعاصي، وتكرارها مع ترك التوبة والاستغفار يُورث قسوة القلب، فقسوة القلب هنا عقوبةٌ ونتيجةٌ لترك الرجوع إلى الله -تعالى-، يقول الله -تعالى-: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، فمهما عظمت الذنوب التي كانت سبباً في قسوة القلب فإن الله يغفرها للتائب المستغفر.
وإذا كانت قسوة القلب عقوبة فإن الله -تعالى- يرفعها عن العبد التائب المستغفر لقوله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، فالذنوب التي هي سبب قسوة القلب داء، والاستغفار لها دواء.
وفي الحديث بشرى لصاحب القلب القاسي حيث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي يرويه عن ربه: (يا ابن آدمَ لو بلغَتْ ذنوبكَ عَنَانَ السماءِ ثم استغفرتَنِي غفرتُ لكَ ولا أبالي).
إطعام المسكين والمسح على رأس اليتيم
يجب على من يستشعر القسوة في قلبه أن يلجأ إلى العلاج الذي وصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إنْ أردتَ أنْ يَلينَ قلبُكَ، فأطعِمْ المسكينَ، وامسحْ رأسَ اليتيمِ)، فإطعام الطعام فيه بذلٌ للمال، كما إن تفقد حاجات الفقراء والمساكين مما يرقق القلب فيحنو عليهم وينعكس ذلك على قلبه رقةً وليناً.
وعند مسح رأس اليتيم يطمع قاسي القلب بأن يكون رفيقاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئاً)، وهي دلالةٌ على قرب منزلة كافل اليتيم من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وهي كرامةٌ تُلين القلب القاسي، وترجع به إلى الله -تعالى-.
ذكر الموت وزيارة القبور
إنّ قسوة القلب تأتي بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، فلو أن العبد أكثر من ذكر الموت في يومه ما أقدم على كل ما يجعل قلبه قاسياً، قال -عليه الصلاة والسلام-: (أكثِرُوا ذكرَ هادِمِ اللذَّاتِ)، فذكر الموت سببٌ في الإسراع بالتوبة إلى الله -تعالى-، وبذكر الموت يتذكر القلب أنه سوف يُلاقي الله -تعالى- فينشط في الطاعات والقربات.
ومما يساعد على لين القلوب ورقتها زيارة القبور، والتفكر في حالهم، وأن العبد لا بد أن يموت يوماً والله -تعالى- أعلم بحاله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (كنتُ نَهَيتُكم عن زيارةِ القُبورِ، ألَا فزُورُوها؛ فإنَّها تُرِقُّ القلبَ، وتُدمِعُ العَينَ، وتُذَكِّرُ الآخِرةَ).