عقوبة الزنا
عقوبة الزنا
حرَّم الله -تعالى- جريمة الزِّنا، وذلك لا خلاف فيه بين المسلمين، فحرمته ثابتةٌ في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة وإجماع العلماء، كما رتَّب الله -تعالى- على فعل الزنا عقوباتٍ شديدةٍ في الدُّنيا والآخرة، بل جعل للزنا حدّاً خاصّاً يُقام على فاعله جزاءً على فعلته، وهذا الحدُّ يختلف باختلاف حال الزاني أو الزانية، وفيما يأتي بيان تفصيل حدِّ الزنا:
عقوبة الزاني المحصن
المحُصن هو من سبق له الزَّواج بعقد نكاحٍ صحيحٍ، والزَّاني أو الزَّانية المحصنين إذا ارتكبا جريمة الزِّنا فإنَّ عقوبتمهما مغلَّظةٌ وشديدةٌ، وهي الرَّجم حتّى الموت، وقد ثبت حكم الرَّجم على الزَّاني المحصن؛ لأنَّ الأخبار التي تنقل ذلك جميعها متواترةٌ وثبتت صحَّتها عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، ومن ذلك أنَّه رجم رجلاً كان متزوِّجاً ثمَّ زنا يقال له ماعزاً ومعه امرأةٌ من بني غامد، وعلى ذلك أجمع كبار الصَّحابة وفقهاؤهم، فثبت بذلك حكم رجم الزَّاني المُحصن حتّى الموت.
عقوبة الزاني غير المحصن
إن كان الزاني أو الزانية غير محصن؛ أي لم يسبق له الزَّواج، فإنَّ عقوبته في الدُّنيا تكون الجلد مئة جلدةٍ، مع التَّغريب ونفيه من بلده لمدَّة عامٍ عند بعض الفقهاء، وقد ثبتت عقوبة الجلد ونصَّ عليها الله -تعالى- في القرآن الكريم، حيث قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ).
كيفية ثبوت عقوبة الزنا
يُشترط لثبوت حدِّ الزِّنا على من قام بذلك، وإقامته عليه، مجموعةٌ من الشروط، وهي على النحو الآتي:
- التّكليف: وهوأن يكون الزَّاني بالغاً، عاقلاً، فلا حدَّ على الصّبيِّ الذي لم يصل سنَّ البلوغ، ولا حدَّ على المجنون؛ لأنّهما غير مكلَّفين، ورُفع عنهما القلم.
- حصول الزِّنا الحقيقي بدخول حشفة الرجل في قُبل المرأة.
- معرفة الزَّاني بحرمة الزِّنا، فلا يثبت عليه الحدُّ بحكمٍ يجهله.
- عدم وجود شبهةٍ في الوطء، كمن دخل بامرأة ظنّ أنَّها زوجته، فهذا لا يقام عليه الحدُّ؛ لوجود الشُّبهة.
- القيام بالذنب بإرادة الزاني واختياره، فلا تُقام عقوبة الزّنا على المُكْره.
- إثبات واقعة الزنا من خلال أربعة شهود مسلمين رأوا ذلك رأي العين، لِقولهِ -تعالى-: (لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
- اعتراف الشخص بالزنا، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أَتَى رَجُلٌ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في المَسْجِدِ، فَنَادَاهُ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْتُ، فأعْرَضَ عنْه حتَّى رَدَّدَ عليه أرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ علَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: أبِكَ جُنُونٌ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَهلْ أحْصَنْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اذْهَبُوا به فَارْجُمُوهُ).
خصائص عقوبة الزنا
إنَّ النَّاظر في تشريع الله -تعالى- لعقوبة الوقوع في الزِّنا، يرى أنَّ وراء هذا التَّشريع حِكَمٌ جليلةٌ أرادها الله -تعالى-، وهي كما يأتي:
- زيادة عقوبة الزِّنا للزَّاني المحصن عن الزَّاني غير المُحصن؛ وذلك لأنَّ المتزوِّج سخَّر الله -تعالى- سبيل المتعة بالحلال، فحاد عنها ومارس الرَّذيلة، فزيد له في العقوبة.
- تنوُّع عقوبة الزِّنا ليكون جزءاً منها عقوبةً جسديةً وهي الجلد، والجزء الآخر منها ما يلامس قلبه وهو نفيه عن وطنه، وكلاهما عقوبةٌ تأديبيةٌ رادعةٌ.
- النّهي بعدم رأفة المؤمنين بالزُّناة، ما يدلُّ على أنَّ رحمة الله -تعالى- بعباده أوسع من رحمة العباد ببعضهم بعضاً.
- اشتراط حضور جماعةً من المسلمين وقت تنفيذ العقاب بالزُّناة، وذلك ليرتدع ويتأدَّب كلُّ من تسوِّل له نفسه أن يمارس هذه الرَّذيلة.
ملخّص المقال: فرض الله -تعالى- عقوباتٍ رادعةٍ لكلِّ من يمارس كبيرة الزِّنا، سواء كان ذكراً أو أنثى، وتختلف عقوبته باختلاف حاله؛ فمن سبق له الزَّواج يعاقب بالرَّجم، وإن كان غير متزوِّجٍ فيعاقب بالجلد مئة جلدةٍ، مع التّغريب من وطنه، ويُقام هذا الحدُّ على من توفَّرت فيه شروطٌ معيَّنةٌ وردت في المقال.