عذاب القبر لتارك الصلاة
هل ثبتت كيفية عذاب القبر لتارك الصلاة؟
عذاب القبر من الأمور الثابتة بالأدلة الصحيحة، ولكن مثل ما يثبت أهل السنة للجماعة عذاباً للقبر فهم يثبتون أيضاً نعيماً للقبر ، وسيتمّ الحديث عن ذلك لاحقاً؟ لكن ما يُقصد به هنا هو هل ثبتت كيفية عذاب القبر لتارك الصلاة على وجه التحديد؟
والإجابة على ذلك هي أنّ عذاب القبر ونعيمه ذُكر في النصوص الشرعية بوجهٍ عامٍ دون تخصيصه بتارك الصلاة، ولكن ثبت أنّ مرتكب الذنوب والمعاصي الذي مات دون توبة منها يُعذّب في قبره، وكذا الكافر يُعذّب في القبر، وهذا ثابتٌ في الأدلّة بوجهٍ عام دون تخصيص ذلك بذنب ترك الصلاة .
وترك الصلاة يدخل في ذلك، فتارك الصلاة إمّا أن يكون تاركاً لها جحوداً وإنكاراً، فيكون كافراً بسبب ذلك، وإما أن يتركها تهاوناً وكسلاً، فيكون مرتكباً لذنبٍ ومعصيةٍ عظيمة، أمّا الأحاديث التي تربط عذاب قبر معين لتارك الصلاة على وجه التحديد فمعظمها ضعيف أو موضوع، ولا يعلم بكيفية عذاب القبر لتارك الصلاة إلا الله -عزّ وجلّ-.
عذاب القبر لتارك الصلاة
بيّن الله -تعالى- في كتابه القرآن الكريم عِظَم شأن الصلاة ، ومكانتها بين العبادات، وبيّن الوعيد الشديد المترتب في حق من ترك الصلاة، فقال -تعالى-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)،سواء كان تركها جحوداً وإنكاراً أو تكاسلا وتهاوناً، وسيتمّ فيما يأتي بيان الأدلّة العامة التي تُثبت عذاب القبر لتارك الصلاة:
- تارك الصلاة جحوداً
يعد تارك الصلاة الجاحد بوجوبها كافراً بإجماع أهل العلم إذا مات على ذلك، وقد ثبت في القرآن أن الكافر معذب في قبره قبل أن يخلد في النار يوم القيامة، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، حيث جاءت هذه الآية في شأن الكفار من آل فرعون، وهي تدلّ عموماً على ثبوت عذاب القبر للكافر الذي يسبق عذاب النار يوم القيامة.
- تارك الصلاة تكاسلاً
لا يعد تارك الصلاة تكاسلاً كافراً عند جمهور أهل العلم، إلا أن ترك الصلاة وتضييعها من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، و المحافظة على الصلاة سبب للنجاة منه، حيث إن الصلاة تأتي في مقدمة الأعمال الصالحة التي تحفظ صاحبها من عذاب القبر.
حيث جاء في الحديث: (إنَّ الميِّتَ إذا وُضِع في قبرِه إنَّه يسمَعُ خَفْقَ نعالِهم حينَ يولُّونَ عنه فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عندَ رأسِه وكان الصِّيامُ عن يمينِه وكانتِ الزَّكاةُ عن شِمالِه وكان فعلُ الخيراتِ مِن الصَّدقةِ والصِّلةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رِجْلَيْهِ فيؤتى مِن قِبَلِ رأسِه فتقولُ الصَّلاةُ: ما قِبَلي مدخلٌ ثمَّ يؤتى عن يمينِه فيقولُ الصِّيامُ: ما قِبَلي مدخلٌ...).
فقول الصلاة ما قبلي مدخل؛ أي لا سبيل لكم إلى تعذيبه من ناحيتي؛ فهو لم يكن يقصر في الصلاة، والعكس في ذلك لمن لم يكن محافظاً على صلاته ومتهاوناً في تضييعها، فهو مستحقّ لعذاب القبر.
ثبوت عذاب القبر
أشارت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية إلى أن الإنسان بعد موته يقضي فترةً في قبره إلى حين مجيء يوم القيامة وبعثه للحساب، وهذه المرحلة التي يعيشها في قبره تعرف بحياة البرزخ، والإنسان في فترة وجوده في القبر إما أن يكون متنعِّماً بنعيم القبر، أو يكون معذّبَاً فيه.
وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تثبت وجود عذاب القبر ؛ ومنها:
- قول الله -تعالى-: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وجاء في تفسير العذاب الأدنى عند جمهور المفسرين أنه عذاب القبر.
- قوله -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، حيث ذكر المفسرون أن المقصود من قوله -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، أنه عذاب القبر، بدلالة ذكره -سبحانه- بعدها: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا).
ومن السنة النبوية فقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تثبت وجود عذاب القبر، وجاءت تُصرّح بسماعه -صلى الله عليه وسلم- لعذاب القبر ومَن يعذب فيه، ومن ذلك ما أخرجه الإمام البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَائِطٍ مِن حِيطَانِ المَدِينَةِ، أوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ).