عدد ركعات صلاة التهجد ووقتها
عدد ركعات صلاة التهجد
ليس لقيام الليلِ عددٌ مُحددٌ، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- للرجل الذي سألهُ عن قيام الليل: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى)، وقد كان أكثر فعل النبيّ في قيام الليل يصل إلى إحدى عشر ركعةٍ، أو ثلاثَ عشر ركعةٍ، فيُستحبّ ذلك لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، ولما سُئلت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- في الليل، أجابت أنّه كان يُصلي سبع ركعاتٍ، وأحياناً تسع، وأحياناً إحدى عشر، وذلك بحسب وقته وصحّته وسفره، وغير ذلك من الظُروف التي كان يمرُ بها، فالأفضل أن تكون إحدى عشر أو ثلاث عشر ركعة مع الوتر، واتَّفقَ الفُقهاء على أنّ أقل عددٍ لِركعات التَّهجُد هو ركعتين، وتعدّدت آراؤهم في أكثرها، فذهب الحنفيّة إلى أنّ أكثرها ثماني ركعاتٍ، ويرى المالكيّة أنّها عشر ركعاتٍ أو اثنتا عشرة ركعةً، وأمّا الشافعيّة والحنابلة فيرون عدم الحصر في أكثر ركعاتها.
وهذه الركعات وردت عن النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، في حين يجوز الزِّيادة عليها أو النُقصانِ منها؛ لِما ورد أنّ صلاةَ الليل ركعتان ركعتان، ثُمّ الوتر بعد ذلك، إذاً فصلاةُ الليل لا تُقدَّر بِعددٍ محدّد، فيجوز للمُسلم أن يُصلّي ما شاءَ من الركعات، ولكنَّه لا يُصلي الوتر إلا مرةً واحِدةً في الليلة، وجاء عن الإمام النوويِّ أنّ قيام الليل يتحقّق بالقليل والكثير، سواءً بقِراءة القرآن أو الصلاة، كما أنّه يتحقق بِصلاةِ ركعتين فقط.
وقت صلاة التهجد
تبدأ صلاةُ التَّهجُد بعد صلاةِ العِشاء، وأفضلهُ الثُلث الأخير، ويمتدُّ وقتُها إلى أذان الفجر الثاني، وأفضلهُ ما ورد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ)، ويكونُ ذلك في كُلِّ ليلةٍ، وأفضلُ أوقاته في جوف الليل، وهو آخره؛ لأنَّ الصلاة في هذا الوقت تكون مشهودةً من الملائكة، ولمُداومةِ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على ذلك، فقد كانت أغلب صلاته في هذا الوقت من الليل، ولقُرب العبد من ربّهِ في هذه اللحظات، لكنّ الأفضل للإنسان الذي يغلب على ظنِّه عدم القُدرة على القيام فيه أن يوتِرَ قبل نومه، وأمّا في شهرِ رمضان فالأفضل صلاتُها مع الإمام، سواءً صلاها في أول الليل أو آخِره.
ماهي صلاة التهجد
يُعرَّف التَّهجُد في اللغة: أنّه النّوم في الليل، فيُقال: هَجَدَ الرَجُل: إذا نام في الليل، كما تُطلقُ أيضاً على الصّلاةِ في اللَّيل، والمُتهجِّد: هو الذي يقومُ من نومه للصلاة، وتُطلقُ أيضاً على السَّهَر، فهي من الكلمات ذاتِ الأضداد، وفي الاصطلاح: هي صلاةُ التَّطوُّع في الليل والتي تكونُ بعد القيامِ من النوم، فالمُتهجِّد يُطلق على الشخص الذي ينام ثُمّ يقوم لأجل الصّلاة، وقيل التّهجّد أيُّ صلاةٍ تكونُ بعد العِشاء غير الفريضة، أو هيَ الصلاةُ بعد النوم، وذهب البعض إلى أنَّ التَّهجُد لا يُطلق إلا على الذي يقوم من نومه للصلاة؛ لإبعادهِ الهُجود عن نفسه، وهو النوم، وإن كان قليلاً، وأمّا صلاةُ الليل فهي أعمُّ من ذلك، فهي تشمل ما يُصلَّى من غُروبِ الشّمس إلى الفجر .
حكم صلاة التهجد
تُعدُّ صلاةُ التَّهجد من السُنن المُؤكَّدة الثابتةِ في القُرآنِ والسُنّة وإجماعُ الأُمّة، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وقال -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك)؛ ممّا يُؤكِّدُ على أنّها من النّوافل الزائدة عن الفرائض، وهي من النَّوافل للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-؛ لأنَّهُ قد غُفرت له جميعَ ذُنوبه، وأمّا لأُمتهِ فهي مُكفِّرةٌ لِخطاياهُم، وتَرفعُ درجاتِهِم، وقيام الليل أفضل صلواتِ النوافل بعد الفرائِض.
كيفية صلاة التهجد
تبدأ صلاةُ التَّهجد بالنِّية في قيامِ الليل قبل النوم، وهي سُنَّةٌ، فإن لم يستطع المسلم الذي نوى وعَزَم على القيام كُتبَ لهُ ما نوى، فإذا قام؛ فيبدأ بمسحِ النوم عن وجههِ، ثُمّ يقرأ العشر الأواخر من سورةِ آلِ عمران، ثُمّ يتسوَّك، ويتوضّأ، ويبدأ قيامهُ بركعتين خفيفتين، لِحديث النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، ثُمّ يُصلّي ركعتين ركعتين، ويجوزُ له أن يُصلّي أربعَ ركعاتٍ بِسلامٍ واحِدٍ، ويُسنّ أن يُصلّي في البيت؛ حتى يوقظَ أهله لِلصلاةِ بِهِم، ويجوزُ صلاتُها سراً أو جهراً، ويسألُ العبدُ اللهَ -تعالى- الرَّحمة عند آياتِ الرَّحمة، ويستجيرُ من النار عند آياتِ العذاب وهكذا، ثُمّ يختم قيامهُ بِصلاةِ الوِتر، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا).
فضل صلاة التهجد
إنّ لِصلاةِ التَّهجُد الكثير من الفضائل، ومنها ما يأتي:
- تُساعدُ على الإخلاص؛ لما فيها من ظُلمة الليل، بالإضافةِ إلى التدبُرِ والفهم؛ لِقلة المشاغل في ذلك الوقت.
- الطَّمع في الثوابِ من الله -تعالى-، والخوف من عذابه، لِقولهِ -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، والتّجافي هو الارتفاع والابتعاد عن الفِراش، وهي المضاجع. كما أنّ التهجّد سببٌ لِتكفير السيئاتِ والخطايا.
- مدْح الله -تعالى- وثناؤه على من ينامُ قليلاً ثُمّ يستيقظ للصلاة، ووصفُه لهم بالمُحسنين، في قولهِ -تعالى-: (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
- صفةٌ من صفات الصالحين، وعلامةٌ من علاماتهم التي تدلُّ عليهم، والبُعد عن الإثم، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (عليكُم بقيامِ اللَّيلِ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم، و قُربةٌ إلى اللهِ تعالى ومَنهاةٌ عن الإثمِ و تَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عن الجسَدِ)، وسببٌ لِرفع الدرجات.
- صلاة التَّهجد أفضل الصلوات بعد الصلاة المكتوبة، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ).
- الزيادةِ في الإيمان، والرغبة في مُناجاة الله -تعالى-، والتلذُّذ في عبادتهِ، ودليلٌ على صدق الإيمان، ومحبةِ الإنسانِ لِخالقه، وأبلغ في الثوابِ والأجر؛ لِما يُعانيهِ من مشقّةِ القيام؛ لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
- صفةٌ من صفاتِ عِباد الرَّحمن، لِقولهِ -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وهمُ الذين يُصلّون ويقرأون القُرآن في صلاتهم في الليل.
- صفةٌ من صفات المُتَّقين، حيثُ يهجعون وينامون قليلاً في الليل، ومما يُؤكدُ فضله؛ عِناية النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- به واجتهاده فيه، حتى تتفطّر قدماه الشّريفتان.
- وقتُ قيام الليل من أوقات مظنة استجابةُ الدُعاء ، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).
أسباب مُعِينة على قيام الليل
توجد العديد من الأمور التي تُعينُ على قيام الليل، ومنها ما يأتي:
- معرفة الفضل والأجر المُترتّب على قيام الليل، وقد تم ذكرُ بعضها في الفقرة السابقة.
- النوم مُبكّراً؛ ليأخُذ الجسم القدر الكافي من النوم والذي يُعينُه على القيام بنشاطٍ وتركيزٍ، وكذلك المُحافظة على آداب النوم كالطهارة؛ حتى يكون الإنسان في حفظ الله -تعالى-، بعيداً عن الشيطان ومكائِدهِ، بالإضافةِ إلى عدم المُبالغة في تنعُّم الفِراش، الأمر الذي يؤدّي به إلى الكسل والثّقل في النوم.
- معرفة أهوال يوم القيامة ؛ كالبَعث، والحِساب، وعبورِ الصِّراط، بالإضافة معرفة الله -تعالى- ومحبَّته، مع الحِفاظ على سلامة النِّية وصدقِها والإخلاص في الرّغبة في القيام.
- اغتنام الصِّحة والفراغ؛ ليُكتب له الأجر في حال مرضهِ وسفره، لحديث النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- :(إذا مرض العبدُ أو سافر، كتب اللهُ تعالى له من الأجرِ مثلَ ما كان يعملُ صحيحًا مُقيمًا).
- الابتعاد عن الشَّبَع في الأكل والشُرب قبل النوم، وكذلك العمل المُتعب خلال النهار، بالإضافةِ إلى المُحافظة على قيلولةِ النهار، والبُعد عن المعاصي والذُنوب، فقد سُئل أحدُ العُلماء عن كيفيّة الاستعانة على قيام الليل، فقال: لا تعصِه بالنهار يُقِمك بالليل.