عدد درجات الجنة
الجنّة
لقد يسرّ الله -تعالى- لعباده الحياة الدّنيا، وجعلها لهم ليعملوا فيها، ويغتنموا أعمارهم وأوقاتهم فيها بالإكثار من الأعمال الصّالحة ، فهي الطّريق إلى الدّار الآخرة، وهي الموصلة إلى الجزاء فيها، فيكون جزاء كلّ إنسانٍ بحسب عمله في الدّنيا، فمن كان صالحاً فيها مؤمناً بالله -تعالى- كان جزاؤه الجنّة وما أعدّه الله -تعالى- فيها من النّعيم الكامل والسّعادة المطْلقة، وإنّ الحياة الدّنيا مهما طالت فإنّها ستنتهي ولن تدوم، لذلك وجب على الإنسان اغتنام كلّ دقيقةٍ فيها، قال تعالى: (فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ).
عدد درجات الجنّة
إنّ الحياة الدّنيا ومنافعها لا تساوي شيئاً أمام الدّرجات العلا في الجنّة والارتقاء فيها، وهذه الدّرجات يبلغها الإنسان بحسب عمله الصّالح في حياته الدّنيا ومقداره وكيفيّته، وبحسب إيمانه واتّقائه لله تعالى، فكلّ إنسانٍ جزاؤه يوم الآخرة بحسب عمله وتقديمه، فإن عظُمت أعماله الصّالحة وكثُرت، كان نصيبه من الارتقاء في درجات الجنّة أكبر، وممّن ذكرهم القرآن الكريم ولهم بلوغ الدّرجات العليا في الجنة هم الذين جاهدوا في سبيل الله تعالى، وإنّ أعظم الدّرجات وأعلاها في الجّنة هي الفردوس الأعلى، لذلك على المسلم أن يسأل الله دائماً في دعائه أن يبلّغه هذه الدّرجة.
ويبلغ عدد درجات الجنة مئة درجة، كما هو بيّنٌ في الحديث الشّريف، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ ما بينَ كلِّ درجَتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ، والفِردوسُ أعلاها درجةً، ومنها تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعَةِ، ومِن فوقِها يكونُ العرشُ، فإذا سألتُمُ اللَّهَ فاسأَلوه الفِردوسَ)، فهذه الدّرجات هي ما علا من المراتب في الجنّة، والمائة هنا يقصد بها التّكثير من حيث عدد الدّرجات الّتي يرتقي بها الإنسان في الجنّة، فلكلٍّ درجاتٍ بحسب عمله، لأنّ النّاس في الدّنيا يتفاوتون في أعمالهم، فمنهم المكثر، ومنهم المقلّ، ومنهم من يبتغي الزّيادة في الأجور، ومنهم من يقتصر على الواجب، فمن يؤدّي الفرائض في الدنيا تختلف درجته عمن يؤدّيها مع الزّيادة عليها من النّوافل .
ودرجات الجنّة كبيرةٌ جدّاً لا يمكن تخيّل حجمها وماهيّتها، فما بين كلّ درجتين، مثل ما بين السّماء والأرض، ممّا يدلّ على عظمتها واتّساعها، وفي هذه الدّرجات نعيمٌ دائمٌ غير زائل، لا يمكن للعقل البشريّ إدراكه ولا تخيّله، ففي الجنّة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
النّعيم في الجنّة
يتعدّد النّعيم المتواجد في الجنّة، فهو لا يعدّ ولا يحصى، وهو نعيمٌ في غاية الجمال، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض أنواع هذا النّعيم:
- رؤية وجه الله تعالى، والنّظر إليه يوم القيامة : وهو أحب شيء إلى أهل الجنة.
- رضا الله -تعالى- عن عباده.
- القصور العالية: ويكون بناؤها الأساسيً من الذّهب والفضّة، وترابها من الزّعفران، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في وصفها عندما سُئل عن ذلك: (قلنا: يا رسولَ اللهِ، أخبِرْنا عن الجنَّةِ، ما بِناؤُها؟ قال: لَبِنةٌ مِن ذَهَبٍ، ولَبِنةٌ مِن فِضَّةٍ، مِلاطُها المِسْكُ الأذفَرُ، حَصباؤها الياقوتُ واللُّؤلؤُ، وتُربَتُها الوَرسُ والزَّعفَرانُ، مَن يَدخُلُها يَخلُدُ لا يَموتُ، ويَنعَمُ لا يَبأَسُ، لا يَبلى شَبابُهم، ولا تُخَرَّقُ ثِيابُهم)
- الرّائحة الزّكيّة: فهي عبارة عن رائحة طيّبة تملأ كلّ طرفٍ فيها وكل جانبٍ، ويشعر بها المؤمن من مكانٍ بعيد.
- انتشار الحدائق فيها: فتكثر فيها الأشجار بتعدّد أنواعها؛ كأشجّار النّخيل، والفاكهة، والرّمان، والأعناب، وسدرة المنتهى التي أبصرها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في رحلة الإسراء والمعراج ، وتكون ثمار هذه الأشجار كثيرة لا نهاية لها، فالتّناول منها مستمرٌّ، وتكون سيقان الأشجار مصنوعةٌ من الذّهب، وتكثُر الأشجار للمؤمن كلّما ذكر الله -تعالى- أكثر.
- كثرة وجود الأنهار والعيون فيها: ومنها عين الكافور، وعين التّسنيم، وعين السّلسبيل، كما ورد في آيات القرآن الكريم.
- وجود الحور العين: فإنّ المتزّوج في الدّنيا يصحب زوجته في الآخرة إذا كان جزاؤها الجنّة، وتكون أجمل الحور العين فيها.
- اكتساب الجمال: فإنّ من يدخل الجنّة يحظى بجمال فوق التّصور.
- احتوائها على الثّياب الجميلة: فتكون مصنوعةٌ من السّندس والإستبرق، وهي ثيابٌ لا يمسّها الخراب أو القِدم، وتكون متجدّدة على الدّوام ولا تنفد.
- تواجد الحليّ: وهو حليٌّ مصنوعٌ من الذّهب والفضّة واللّؤلؤ.
- احتوائها على الأواني المصنوعة من الذّهب والفضّة.
الطّريق إلى الجنّة
على الإنسان السّعي نحو ما يريد، مع وجود العزيمة الصّادقة والإرادة القويّة لنيل ذلك، وأعظم ما يريده الإنسان ويبتغيه هو رضا الله -تعالى- ودخول الجنّة، وهناك عدد من الأعمال التي من شأنها إيصال الإنسان إلى هدفه الأسمى، فالطّريق للجنّة يسيرٌ بفعل هذه الأعمال، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:
- الكلام الطّيب: ومنه القول الصّادق وعدم الكذب ، فالإنسان الصّادق في حياته مآله إلى الجنّة، فصدقه هو الذي ينجيه ويكون طريقة للجنّة.
- التّحلي بصفة الوفاء: فهي تساهم في بناء مجتمع سليمٍ، وفق ضوابط شرعيّة، فعندما يقوم الإنسان بإعطاء الآخر وعد عليه أن يفي به، وأن لا يُخْلفه، وإذا أعطى عهداً وجب عليه الالتزام به وعدم نقضه، ويكون الوفاء بالوعود والالتزام بالعهود في كلّ معاملات الإنسان وعلاقاته مع من حوله، وعدم الوفاء يؤدّي إلى ضياع الثّقة بين النّاس، وانعدام الأخلاقيّات في التّعامل فيما بينهم.
- الالتزام بالأمانة : وهي خلقٌ من الأخلاق الإسلاميّة المهمّة، وقد عظّم الله -تعالى- أمرها، ورفع من قدر من يؤدّيها، فقد مدحهم الله -تعالى- وأثنى عليهم، وتدلّ الأمانة على درجة إيمان الإنسان وحسنه، وتكون بأداء حقوق النّاس، وعدم العبث فيها، والحفاظ عليها، فإذا سادت في المجتمع انتظمت شؤون حياة النّاس، وساد الحبّ بينهم، وانتشرت الخيرات والبركات.
- حفظ الفروج: وذلك بأن يحفظ الإنسان نفسه، ويمنعها من ارتكاب الذّنوب والمعاصي وما حرّمه الله تعالى، فإنّ لحفظ الفروج فوائد كثيرة، منها: أنّه وسيلةٌ للمحافظة على طهارة النّسل، ووسيلةٌ للمحافظة على الأنساب من اختلاطها، وبالتّالي تماسك المجتمع ونظافاته، وحمايةٌ للنّاس من الإصابة ببعض الأمراض والآفات الخطيرة.
- غض البصر: وذلك بحفظ الإنسان بصره من النّظر إلى ما حرّم الله تعالى، وإلى ما فيه أذى للناس ومدعاةٌ للوقوع في الباطل، ولغضّ البصر ثمارٌ عديدةٌ، منها: إكساب القلب النّور والقوّة، وتزكية النّفس وتطهيرها، والمحافظة على بقائها صالحة وسليمة، والشّعور بلذّة الإيمان، والتّذوق من حلاوته، وضبط السّلوك الإنسانيّ من ارتكاب الفواحش.
- الابتعاد عن أذى النّاس: وذلك بعدم التّعرض إليهم بالضّرب أو الشتم وما شابه، فالإنسان الذي يفعل ذلك يدلّ على عدم تحلّيه بالأخلاق الحسنة ، ويدلّ على عدم تأدبّه، فعليه أن يرتقي بأخلاقه، ولا يؤذي غيره.