طريقة لختم القرآن في شهر
طريقة خَتْم القرآن في شهرٍ
حَثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على خَتْم القرآن الكريم مرّةً واحدةً في الشهر؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (اقْرَأِ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ)، ويُمكن خَتم القرآن الكريم مرّةً واحدةً في الشهر بعدّة طُرقٍ، تفصيل البعض منها آتياً:
- الطريقة الأولى: تقسيم عدد صفحات القرآن الكريم على عدد أيّام السنة؛ إذ إنّ المصحف مُقسَّمٌ إلى ثلاثين جزءاً، وفي كلّ جزءٍ عشر صفحاتٍ، وفي كلّ صفحةٍ وجهان، فيكون مجموع الأوجه في الجزء الواحد عشرين وَجْهاً، ومن المعلوم أنّ بعض الأشهر تتكوّن من ثلاثين يوماً، وبعضها الآخر يتكوّن من تسعة وعشرين يوماً؛ فإن كان الشهر ثلاثين يوماً، فلا بدّ من قراءة عشرين وجهاً يوميّاً، ويمكن توزيعها خلال اليوم على الصلوات الخمس؛ بقراءة أربعة أوجهٍ قبل كلّ صلاةٍ، أو بَعدها، وبذلك يتمّ خَتم القرآن الكريم كلّ شهرٍ بسهولةٍ ويُسرٍ، وإن كان الشهر تسعةً وعشرين يوماً، فإنّه يمكن توزيع صفحات اليوم الثلاثين الناقص على كلّ يوم جمعةٍ في الشهر؛ وذلك بتوزيع عشر صفحاتٍ على أربعة أيّامٍ (أيّام الجمعة)، ليصبح مجموع الأوجه المطلوب قراءتها يوم الجمعة ؛ خمسةً وعشرين، فيُقرَأ وجهٌ إضافيٌّ من القرآن الكريم بعد كلّ صلاةٍ في كلّ يوم جمعةٍ من الشهر، وبذلك يتمّ تعويض الجزء الأخير الذي كان يجب أن يُقرَأ في اليوم الثلاثين.
- الطريقة الثانية: وتكون بخَتْم القرآن الكريم مع تفسيره في شهرٍ، وللاستفادة من هذه الطريقة على أتمّ وجهٍ؛ لا بُدّ من تنظيم الوقت؛ إذ تنبغي قراءة جزءٍ كاملٍ مع تفسيره كلّ يومٍ، ويُنصَح بالرجوع إلى أحد كُتُب التفسير، كالمصباح المُنير لابن كثير، أو تفسير أبي بكر الجزائري، أو تفسير عمر الأشقر، أو تفسير الجلالَين، ويمكن تقسيم اليوم إلى أربع فترات؛ الأولى: بعد صلاة الفجر ، وتجب خلالها قراءة خمسة أوجهٍ من القرآن مع تفسيرها، والثانية: بعد الظهر، أو العصر، وتجب خلالها قراءة خمسة أوجهٍ من القرآن مع تفسيرها، والثالثة: بعد المغرب، وتُقرَأ فيها خمسة أوجهٍ أخرى مع تفسيرها، والرابعة: بعد العشاء، وتنبغي فيها قراءة خمسة أوجهٍ مع تفسيرها، وهكذا يتمّ خَتْم القرآن الكريم مع تفسيره خلال شهرٍ.
هَدْي السلف في خَتْم القرآن الكريم
ضربَ السَّلَف الصالح -رحمهم الله- أروع الأمثلة في حُبّ تلاوة القرآن الكريم؛ فقد ورد عن ابن أبي داود أنّ بعض السَّلَف -رحمهم الله- كانوا يختمون القرآن الكريم كلّ شهرَين مرّةً واحدةً، ومنهم مَن كان يختم القرآن مرّةً كلّ شهرٍ، ومنهم من كان يختمه في الشهر ثلاث مرّاتٍ، ورُوِي أنّهم كانوا يختمون القرآن الكريم في كلّ ثمان ليالٍ مرّةً، ومنهم مَن كان يختم القرآن كلّ سبع ليالٍ، ومنهم من كان يختمه كلّ خمس ليالٍ، ومنهم مَن كان يختم كلّ أربع ليالٍ، كما رُوي أنّ بعضهم كانوا يختمون القرآن كلّ ثلاث ليالٍ، وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وتميم الداريّ، وسعيد بن جُبير، والشافعيّ، ومجاهد، وأبو العباس بن عطاء -رحمهم الله-، وغيرهم يختمون القرآن الكريم كلّ ليلةٍ، ورُوِي أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة -رحمهما الله- كانا يختمان القرآن الكريم في رمضان ستّين مرّةً، وكان أبو القاسم صاحب مالك يختمه في رمضان تسعين مرّةً، وابن عبّاس مئة مرّة.
فَضْل خَتم القرآن الكريم
تُعَدّ المُواظبة على قراءة القرآن الكريم، وخَتمه مراراً وتكراراً من الأعمال العظيمة التي يجزي الله -تعالى- فاعلَها خيرَ الجزاء في الدُّنيا والآخرة؛ إذ ينشرح صدره، وتُزكّى نفسه، ويزداد إيمانه ويقينه بالله -تعالى-، وينال الشفاعة والدرجات العظيمة، ويفوز بالجنّة يوم الحساب، وقد وردت الكثير من الآيات والأحاديث التي تدلّ على عِظَم فَضْل خَتم القرآن الكريم، ومنها: ما ورد عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)، بالإضافة إلى قَوْل الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ).
وممّا يدلّ على أهميّة قراءة القرآن الكريم ما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَثَلُ المُؤْمِنِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ المُؤْمِنِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لا رِيحَ لها وطَعْمُها حُلْوٌ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحانَةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، ليسَ لها رِيحٌ وطَعْمُها مُرٌّ)، والأصل البَدء بتلاوة القرآن الكريم من أوّله؛ أي من سورة الفاتحة، إلى سورة الناس، كما دلّت السنّة النبوية على فَضْل خَتم القرآن الكريم، ثمّ افتتاحه بأوّله؛ فقد شبَّهَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مَن يختم القرآن بالمسافر الذي يصل إلى منزله، فيحلّ، ثمّ يفتتح سَيره مُجدَّداً، وقد أشار أهل العلم إلى نزول الرحمة والسكينة على الحضور عند خَتم القرآن الكريم؛ لِما ورد عن الحكم بن عُتيبة أنّه قال: (كانَ مجاهدٌ وعبدَةُ بنُ أبي لبابةَ وناسٌ يعرِضونَ المصاحفَ فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي أرادوا أن يختِموا فيهِ أرسلوا إليَّ وإلى سلمةَ بنِ كُهَيلٍ فقالوا إنَّا كنَّا نعرِضُ المصاحفَ وإنَّ أردنا أن نختِمَ فأحببنا أن تشهدوا وأنَّهُ كانَ يقالُ إذا خُتِمَ القرآنُ نزلتِ الرَّحمةُ عندَ خاتمتِهِ أوقالَ حضرتِ الرَّحمةُ عندَ خاتِمِهِ).