طرق عمل الخير في رمضان
طرق عمل الخير في رمضان
الصدقة في رمضان
للصدقة فضلٌ عظيمٌ عند الله؛ إذ تُعدّ من أجلّ الأعمال عنده -سبحانه-، ويُمكن للمسلم أداء الصدقة بالعديد من الطرق والصور، بيان البعض منها فيما يأتي:
- إطعام الطعام: فإطعام الطعام من الصدقة التي يُؤجَر عليها المسلم، ولا يُشترَط أن يكون المَدعُوّ إلى الطعام فقيراً، وإنّما يجوز الإطعام لأيّ أحدٍ، وقد رُوي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه كان يُفطر مع اليتامى والمساكين، كما رُوي أنّ ابن المبارك والحسن كانا يُطعمان الطعام، ويقومان على خدمة الصائمين، ومن شأن إطعام الطعام تحقيق الأُلفة والمودّة بين المسلمين.
- تفطير الصائمين: ويترتّب على ذلك الأجر العظيم؛ بدليل قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ، غيرَ أنَّهُ لا ينقُصُ من أجرِ الصَّائمِ شيئًا).
العمل التطوعيّ في رمضان
يُعدّ التطوُّع من أعمال الخير التي يُؤدّيها المسلم اختياراً دون إلزامٍ، بنيّة نَيل الأجر العظيم من الله -سبحانه-، وقد يُقدَّم العمل التطوعيّ من المسلم لأخيه المسلم، أو للمجتمع كلّه، وتترتّب على تلك الأعمال التطوعيّة العديد من الثمرات على الفرد والمجتمع؛ فالمتطوّع يستغلّ أوقاته بالأعمال النافعة، ويسخّر طاقاته في خدمة مجتمعه وإعانته؛ ولذلك دعا الله عباده المؤمنين إلى البذل والعطاء مُرتِّباً الأجر المُضاعَف لهم، قال الله -تعالى-: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، ومن أشكال العمل التطوعيّ: المساعدة في إعداد الموائد التي يجتمع عليها الفقراء والمحتاجين، وتنظيم زياراتٍ لعيادة المرضى، ودُور الأيتام، والعاجزين، واتّباع الجنائز، وتعليم المسلمين، ونشر الثقافة بينهم، والعناية بالمساجد ، وتنظيف مرافقها وساحاتها، وجَمْع ما يفيض عن حاجة الناس؛ من ملابس، وكتبٍ، وأدويةٍ؛ لتوزيعها على المحتاجين، والمساهمة في إعداد طرود الغذاء، وتوزيعها على محتاجيها.
إدخال السرور على الآخرين
يُعَدّ إدخال السرور على قلوب الآخرين من أفضل العبادات والقُربات إلى الله -سبحانه-، وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذلك فيما رواه عنه الصحابيّ عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ)، وقد أكّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على أهميّة التبسُّم في تحقيق الألفة والمودّة؛ فكان -عليه الصلاة والسلام- أكثر الناس تبسُّماً، كما عدّ تبسُّم المسلم في وجه أخيه المسلم من أنواع الصدقات التي يتحقّق الأجر العظيم بسببها.
حضور مجالس العلم في رمضان
حثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على حضور مجالس العلم ، وحلقات الذِّكر، وخاصّةً في شهر رمضان؛ اقتداءً به، إذ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ، كانَ أجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)؛ لِما يترتّب على تلك المجالس والحلقات من الثمرات العظيمة، كما أنّها تُعين المسلم على الخير والبِرّ، والاستزادة من الأعمال الصالحة.
إحياء السُّنن المهجورة
يُعَدّ إحياء السُّنن المهجورة والمأثورة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من أعمال الخير التي يتقرّب بها العبد من ربّه؛ فإحياء تلك السُّنن يدلّ على محبّة العبد لنبيّه، وحُسن اتّباعه له؛ في أقواله، وأفعاله، وسِمَته، ومنهجه؛ إذ إنّ الاتّباع دليلٌ على محبّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ومن السُّنن التي يُمكن إحياؤها: استحباب التسحُّر على تمرٍ، والحرص على ترديد الاستغفار ، والسجود لله شُكراً وحَمْداً عند حصول النِّعم، واندفاع النِّقم، وتهنئة المسلم لأخيه المسلم، وغيرها.
صِلة الرَّحِم
تُعدّ صِلة الأرحام من أعظم الطاعات التي يتقرّب بها العباد من ربّهم، وهي من أحبّ الأعمال إلى الله بعد الإيمان به، بينما تُعدّ قطيعتها من أقبح الذنوب وأعظمها، وتتجلّى أهميّة صِلة الأرحام في أَمْر الله بها، قال الله -تعالى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)، وصِلة الأرحام من أسباب تحقيق وزيادة المحبّة والأُلفة بين الأهل والأقارب، وسببٌ لدفع الخِزي عن العبد، واستحقاقه الجنّة، ونجاته من العقوبة، وهي وصيّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ قال: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ)، كما أنّ صِلة الرَّحِم صفةٌ من صفات عباد الله المؤمنين بالله واليوم الآخر.
وتتأكّد صِلة الأرحام في شهر رمضان ؛ إذ إنّه شهر التراحُم والخير، فلا بدّ للمسلم من المُسارعة في أداء الأعمال الصالحة؛ تحصيلاً للأجر، وابتغاء مرضاة الله، وتتحقّق تلك الصِلة؛ بتفقُّد الأرحام وزيارتهم، والتصدُّق على الفقير منهم، وإصلاح ذات البَيْن، والرحمة بصغيرهم، وتوقير كبيرهم؛ ذلك أنّ الصدقة على الأرحام من الأمور التي خصّها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالذِّكر، فقال: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ)، وبذلك ينال المسلم رضا الله -سبحانه-، والأجر العظيم منه.
كفالة اليتيم
حثّت الشريعة الإسلاميّة على كفالة اليتيم؛ باعتبارها من أفضل أعمال البِرّ، وممّا يدلّ على أهميّتها وفَضْلها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ)، ومن السنّة النبويّة ما أخرجه البخاريّ عن سهل بن سعد الساعديّ -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى)؛ فقد جعل الله -تعالى- منزلة كافل اليتيم في الجنّة إلى جانب رسول الله؛ لِما قدّمه كافل اليتيم من الرعاية، والنفقة، والإحسان لمَن كان محتاجاً إلى ذلك؛ فكان بمثابة المُرشد لِمَن لا يعقل، أو لا يُحسن التدبير، وتتحقّق كفالة اليتيم بطريقتَين؛ الأولى: ضمّ اليتيم إلى الكافل؛ يعيش مع عياله، ويُنفق عليه من ماله، ويؤدّبه، ويرعاه حتى يبلغ الحُلم، وذلك من أعلى درجات كفالة اليتيم، وأعظمها، وهي الطريقة التي سادت في عصر الصحابة -رضي الله عنهم-، والثانية: كفالة اليتيم؛ بالإنفاق عليه، أو المشاركة في كفالته دون ضمّه إلى بيت الكافل، والطريقة الثانية أقلّ درجةً من الأولى.
الدعاء للمسلمين
تتأكّد أهميّة الدعاء في شهر رمضان؛ لأنّه شهر الرحمة والمغفرة، وقد حثّ الله عباده على الدعاء بعد أن أمرهم بالصيام؛ لتتأكّد الرابطة بين الصيام والدعاء؛ فالله قريبٌ من العبد العابد له، والمثطيع لأمره، ويستجيب دعاءه، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ويجدر بالمسلم أن يحبّ الخير لأخيه المسلم كما يُحبّه لنفسه؛ فيدعو الله له بأن يُفرّج همّه، ويزيل كربه، ويوفّقه في أمره، ويُعينه على الخير، ويدعو له بعد مماته كما دعا له في حياته؛ بأن يرحمه الله، ويغفر له.
كما يجدر بالمسلم أن يدعو لإخوانه المسلمين بجوامع الدعاء التي تشتمل على الخير كلّه، وبأن يدفع عنهم الكرب والشرور، ويشفي سقيمهم، ويُطعم جائعهم، ويُبعدهم عن المعاصي والمنكرات، ويوفّقهم إلى طاعة الله، والتزام أوامره، وغير ذلك من الأدعية الشاملة؛ فالمسلمون كالجسد الواحد في تعاملهم مع بعضهم البعض، ومن الجدير بالذكر أنّ دعاء المسلم لأخيه المسلم قد لا يُستجاب في الحال؛ فقد يدّخر الله أجر دعاء المسلم لنفسه أو لأخيه إلى يوم القيامة، وقد يدفع عنه سوءاً وشرّاً بمِثْل ما دعا به، ويكفي المسلم أن ينال فضيلة دعاء الملائكة له كلّما دعا لأخيه؛ فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن دَعَا لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ، وَلَكَ بمِثْلٍ).
عمل الخير في الإسلام
بيّنت العديد من نصوص الوحي أهميّة عمل الخير، ومنها قول الله -تعالى- في مُحكم التنزيل: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)، فالآية السابقة بيّنت أهميّة العمل في رُجحان ميزان الأعمال يوم القيامة ، وهي دعوةٌ للرسول -عليه الصلاة والسلام- بأن يحثّ أمّته على العمل والمثابرة؛ لأنّ الله -تعالى- مُطّلعٌ على أعمال العباد؛ ما خفي منها، وما ظهر، وسيضعها في ميزان الإيمان ، فيُجازي كلّ إنسانٍ بأعماله؛ صغيرها، وكبيرها.
أهميّة عمل الخير
تتجلّى أهميّة الأعمال الصالحة فيما أعدّه الله لصاحبها من الأجر العظيم، والمنزلة الرفيعة، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، ومن الشهور التي تُغتنَم فيها أعمال الخير، وتُعدّ موسماً للطاعات شهر رمضان المبارك؛ فقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره من الشُّهور؛ فكان يَشدّ مِئزَرَه؛ كنايةً عن اشتغاله وتفرُّغه للعبادة بعيداً عن الراحة، ويُحيي ليله؛ أي أنّ طاعته وعبادته مُستغرقةٌ لأوقاته كلّها، بالإضافة إلى أنّه كان يُشجّع أهله على الطاعة، ويحثّهم على أدائها؛ ولذلك لا بدّ للمسلم من المبادرة في شهر رمضان إلى البِرّ والإحسان إلى الناس، وبَذْل الصدقة للفقراء والمحتاجين، وتفقُّد أحوال اليتامى، والأرامل، والمساكين، وكفّ اللسان عن آفاته، وحِفظ الوقت عن مُضيّعاته، وتطهير القلب، وإطابة الكلام، وقيام الليل، وصيانة النفس عن الذنوب والمُوبِقات، والتوبة إلى الله عمّا اقترفَته النفس من الخطايا.
وقد أكّدت الشريعة الإسلاميّة على أهميّة الوقت، والسَّعي إلى استغلاله في أعمال الخير؛ فقد أقسم الله -سبحانه- به في عدّة مواضع، منها قوله -عزّ وجلّ-: (وَالْعَصْر*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، كما بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أهميّة الوقت بوصفه نِعمةٌ يَمُنّ بها الله -سبحانه- على الإنسان، إذ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-، أنّ النبيّ قال: (نعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ)، ولذلك يجدر بالمسلم استغلال أوقاته في الأعمال الصالحة، وخاصّةً في شهر رمضان المبارك؛ بدءاً من الإمساك، وصولاً إلى وقت الغروب، وما بعده.