طرائف جرير والفرزدق
أبرز الطرائف التي وقعت بين جرير والفرزدق
يُعدُّ جرير والفرزدق من أشهر شعراء النقائض في العصر العباسي ، فقد عاشا ما يُقارب الأربعين عامًا يهجوان بعضهما دائمًا، وتقع بينهما الكثير من الطرائف، وفيما يأتي أشهرها:
جرير والفرزدق في حضرة عبد الملك بن مروان
دخلَ رجلٌ من بني عُذرة على عبد الملك بن مروان حتى يمدحه بقصيدة وعنده جرير والفرزدق والأخطل، ولم يعرف الرجل أحدًا منهم، فسأله عبد الملك بن مروان عن أهجى بيت قالته العرب في الإسلام، فأجابه الرجل: نعم أعرفه، وهو قول جرير:
فغضِّ الطرفَ إنَّك من نُمير
- فلا كعبًا بلغتَ ولا كلابا
فقال له: أحسنت، وهل تعرف ما هو أمدح بيت قالته العرب في الإسلام؟ فقال له الرجل: نعم، وهو قول جرير أيضًا:
ألستم خيرَ من ركب المطايا
- وأندى العالمين بطونَ راح
فقال له الخليفة: أصبتَ وأحسنتَ، فهل تعرف ما هو أرقُّ بيت قالته العرب في الإسلام؟ فقال الرجل: نعم، هو قول جرير:
إنَّ العيون التي في طرفها مرض
- قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فقال له الخليفة: أحسنت، ثمَّ سأله: هل تعرف جرير؟ فقال له: لا، والله لا أعرفه، وإنّي مشتاق لرؤيته، فقال له: هذا هو جرير، وهذا الفرزدق، وهذا هو الأخطل، فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيَّا الإله أبا حرزة
- وأرغم أنفك يا أخطلُ
وجدُّ الفرزدق أتعس به
- ورق خياشيمه الجندلُ
عند ذلك هجا الفرزدق ذلكَ الرجل، ثمَّ هجاه الأخطل أيضًا غَضَبًا على ما بدرَ منه تجاههما، فانتفضَ جرير مُدافعًا عنه، وأنشدَ بيتين هجا فيهما الفرزدق والأخطل، وقال فيهما:
أتشتمانِ سفاهًا خيركم حسبًا
- ففيكما -وإلهي- الزور والخطلُ
شتمتاهُ على رفعِي ووضعكما
- لا زلتما في سفالٍ أيها السفلُ
ثمَّ قام جرير إلى الرجل وقبَّل رأسه، وطلب من أمير المؤمنين أن يهبه جائزته من المال، فأعطاه عبد الملك إيّاها مُضاعفةً، فأخذ الأعرابي المال كلَّه وخرج فرحًا.
جرير والفرزدق يلتقيان في الحج
يُروى أنَّه التقى جرير والفرزدق في أحد مواسم الحج في مِنى في مكة المكرمة، فقال الفرزدق لجرير:
فإنك لاقٍ بالمشاعر من منى
- فخارًا فخبِّرني بمن أنت فاخر
فأجابه جرير عند ذلك بقوله: لبيكَ اللهمَّ لبيك، وكان أبو عبيدة يقول في هذه القصة: "فكان أصحابنا يستحسنون هذا الجواب من جرير ويُعجبون به".
سخرية جرير من توعّد الفرزدق مربعا
وُجِد في زمن الفرزدق وجرير رجلٌ يُدعى مَربعًا، وهو رجل من بني جعفر بن كلاب، وكان مَربع يروي أشعار جرير دائمًا، فيغتاظ الفرزدق من ذلك، فتوعده بالقتل ونذرَ دمَه، ولمَّا بلغ هذا الوعيد جريرًا، سخرَ من تهديد الفرزدق، وقال فيه مُتهكمًا:
زعم الفرزدق أن سيقتل مَربعًا
- أبشر بطول سلامة يا مَربعُ
إنّ الفرزدق قد تبين لؤمه
- حيث التقى حششاؤه والأخدعُ
جرير والفرزدق على ناقة واحدة إلى هشام بن عبد الملك
خرج جرير مع الفرزدق ذات يوم على ناقة واحدة متوجِّهين إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وكان الخليفة في ذلك الوقت في الرصافة، وفي الطريق نزل جرير لقضاء حاجة، فصارت الناقة تُكثِر من التلفت، فضربها الفرزدق عند ذلك وأنشد قائلًا:
إلام تلفَّتين وأنتِ تحتي
- وخيرُ الناس كلِّهم أمامي
متى تردي الرصافةَ تستريحي
- من التهجير والدبرِ الدوامي
ثمَّ قال بينه وبين نفسه، إذا جاء جرير سأُنشده هذين البيتين، وسيردُّ عليًّ بقوله:
تلفَّت أنَّها تحت ابن قينٍ
- إلى الكيرينِ والفاس الكهامِ
متى تردِ الرصافة تخزَ فيها
- كخِزيك في المواسم كلَّ عام
فعندما رجعَ جرير وجدَ الفرزدق يضحك، فسأله: ما الذي يُضحكك يا أبا فراس؟ فقرأ عليه الفرزدق البيتين الأولين، فأجابه جرير بالبيتين الآخرين نفسهما، فقال له الفرزدق: والله لقد قلتُ هذا، فأجابه جرير: أمَّا علمتَ أنَّ شيطاننا واحد يا أبا فراس.
اعتراف جرير بعجزه عن رد بيت قاله الفرزدق
يُروى من الطرائف التي حدثت بين جرير والفرزدق، اعتراف جرير للفرزدق بالغَلبة، ولذلك أُطلق عليه لقب "العزيز"، فقد قال جرير يومًا: ما قال لي ابن القين -يقصد الفرزدق- بيتًا إلا قلبته عليه ورددته عليه، إلا بيتًا واحدًا وهو قوله:
ليس الكِرامُ بناحليك أباهم
- حتى يرد إلى عطية تعتلُ
ثمَّ يقول جرير بعد البيت: فإنَّني والله لا أدري كيف أقول في هذه.