صناعة الغزل والنسيج في مصر
صناعة الغزل والنسيج في مصر
تشتهر مصر بصناعة الغزل والنسيج والأقمشة، حيث تُعتبر من الصناعات الرئيسيّة فيها، إذ يُمثّل قطاع المنسوجات والملابس ثاني أكبر القطاعات الصناعية فيها بعد الصناعات الغذائية؛ لذلك تُعدُّ مصر محور صناعة النسيج المتكاملة عمودياً في الشرق الأوسط، وعلى مستوى القارة الأفريقية، بمعنى أنَّ عملية الإنتاج تتمّ كاملةً داخل الدولة بدءاً من زراعة القطن إلى الغزل وصناعة الأقمشة والألبسة؛ لذا تلعب هذه الصناعة دوراً رئيسيّاً في بناء الاقتصاد المصري.
تعود جذور صناعة الغزل والنسيج في مصر إلى عهد الفراعنة، وقد تقدّمت هذه الصناعة وتطوّرت عبر الزمن حتّى وصلت إلى ما هي عليه في العصر الحديث، كما يُعتَبر العمل في مجال غزل الكتّان والقطن حرفةً مصريّةً قديمة، ويُشار إلى أنَّ القطاع يشمل استخدام أنواع مختلفة من المواد الأوليّة؛ كالقطن، والصوف، والحرير ، والكتّان.
تُستخدَم المواد الأولية سابقة الذكر لإنتاج الأقمشة القطنية الفاخرة، وأقمشة البناطيل، والجينز، والمنسوجات الصوفية، وغيرها الكثير، كما يشتمل قطاع إنتاج الملابس على إنتاج الملابس الرياضيّة، والملابس الخارجية، والبدلات، والجوارب، وملابس الأطفال، بالإضافة إلى إنتاج مجموعة متنوعة من المستلزمات التكميليّة من القماش؛ كأغطيّة الأَسرّة، وأغطيّة الطاولات، ومناشف الحمام، واكسسوارات المطبخ.
أهمية صناعة الغزل والنسيج في مصر
تُعدُّ صناعة الغزل والنسيج إحدى قطاعات الصناعة الحيويّة في الاقتصاد المصري؛ إذ تُساهم بشكلٍ كبير في الصادرات المصريّة، حيث يُمثّل القطاع أحد أكبر الصناعات المساهمة في الإنتاج المحليّ، إلى جانب ذلك يحتّل القطاع المرتبة الخامسة في إمداد الدولة بالعملات الأجنبيّة، من بعد البترول، وتحويلات المغتربين، والسياحة، وعائدات قناة السويس.
يوفّر قطاع الغزل والنسيج العديد من الفُرص الوظيفيّة للقوى العاملة المصريّة، الأمر الذي يُساهم في حلّ مشكلة البطالة في مصر؛ وذلك لإنَّ صناعة الغزل والنسيج تحتاج إلى عدد كبير من الأيدي العاملة، كما أنَّ هذه الصناعة مرتبطة بالعديد من الصناعات التكميليّة التي تزوّدها بالمواد الخام المختلفة، حيث يصل عدد الفرص الوظيفية في المنشآت الصغيرة منها إلى 8 فرص، فيما تُقدّم واحدة من المجمّعات العملاقة المُختصّة بالغزل أو النسيج أو الحياكة ما يزيد عن 10,000 فرصة عمل.
يجدر الإشارة إلى أنَّ عدد الشركات المساهمة في قطاع الصناعات النسيجيّة في مصر يبلغ حوالي 3,000 شركة موزعةً ما بين القطاعات العام والخاص والاستثماري، 31 شركة ضخمة منها تتبع للقطاع العام وتُشرف على صناعة الغزل والنسيج وكلّ ما يتعلّق به، إلى جانب ذلك يتواجد حوالي 3,000 مصنع تابع للقطاع الخاص المُمثّل بأعضاء الاتحاد المصري للنسيج.
عوامل نجاح قطاع الغزل والنسيج في مصر
تكمن عوامل نجاح قطاع صناعة النسيج والغزل في مصر بدايةً في توافر المواد الخام وأهمُّها القطن المصري، حتّى أنَّه يتمُّ تصدير كميّات منه لعِدّة دول مثل تركيا والهند لإنتاج منتجات مصنوعة بالكامل من القطن المصري تلبيةً للطلب العالمي عليه، حيث تُعدُّ مصر أكبر مُنتِج للقطن طويل التيلة في إفريقيا إلى جانب توفر القوى العاملة المُدرَّبة؛ حيث إنَّ الحكومة المصرية تُقدّم عِدّة برامج تدريبيّة ومستمرة من أجل تطوير ورفع مستوى مهارات القوى العاملة وتحرص على منحهم أجور مستقرة وتنافسيّة.
يُمثّل السوق المصري سوقاً استهلاكيّاً جيداً وواعدًا، كما تمتاز مصر بقربها من الأسواق الأوروبيّة، حيث تتمكّن بفضل موقعها من تصدير البضائع بسهولة وسرعة إلى عِدّة دول في أوروبا وأفريقيا وآسيا، كما تمتاز مصر بوجود بنية تحتية متطورة من حيث الطُّرق وشبكات الكهرباء والريّ والموانىء، حيث يتواجد على أراضيها 15 ميناء بحري، كما أنَّ مصانع الألبسة المصريّة تُمثّل مركزاً مُصدّراً لمجموعة كبيرة ومتنوّعة من منتجات الملابس، حيث تخدم المنطقة المحيطة بها بمنتجات من الألبسة متوافقة مع الثقافات والمعايير الأخلاقية والاجتماعية لتلك المجتمعات.
صناعة الغزل والنسيج في مصر عبر الزمن
شهدت صناعة الغزل والنسيج في مصر تطوّراً خلال كافة الحقب التاريخيّة التي مرّت فيها مصر، وهي كالآتي:
- في العصر الفرعوني: صنع الفراعنة الأقمشة والملابس والمنسوجات التي تسّد احتياجاتهم اليومية من النباتات ذات الألياف الخشنة، ومن أهمّها الكتان وألياف النخيل والحلفاء، كما استخدموا الصبغات النباتية لتلوين الأقمشة وتثبيت لونها باستخدام الشبّة، في حين لم يستخدموا الألياف الحيوانية مُطلقًا؛ وذلك لعدم صلاحية صوف الأغنام التي كانت موجودةً في تلك الفترة لعملية الغزل، ولاعتقادهم أيضاً في عدم طهارة صوفها.
- في العصر البطلمي: أشرف حُكّام البطالمة في فترة عهدهم المُمتدّة مابين 305 قبل الميلاد إلى 30 قبل الميلاد على صناعة النسيج، وساهموا في تطوّرها من خلال إنشاء ورش العمل الخاصّة بالغزل والنسيج في مناطق مختلفة في مصر، بالإضافة إلى استخدام الصوف كمادة مُهمّة في هذه الصناعة.
- في العصر القبطي: أصبحت صناعة النسيج والغزل كيانًا مُهمّاً في المجتمع الصناعي المصري في العصر القبطيّ الممتدّ مابين 30 قبل الميلاد إلى 461م، حيث انتشرت ورش العمل الخاصة بالنسيج والغزل في جميع أنحاء مصر.
- في العصر الإسلامي: ازدهرت صناعة النسيج والغزل في كافة البلاد الإسلامية بعد الفتوحات الإسلاميّة، خاصةً في مصر نظراً إلى ما تتمتّع به المنسوجات المصريّة بشهرة واسعة ودقة فائقة، وممّا ساهم أيضًا في تطوّر صناعة النسيج آنذاك صُنع الكسوة الخاصة بالكعبة المشرّفة قديماً قبل الإسلام وبعده، وكذلك نظام منح الخلع المنسوجة، أيّ إعطاء الثوب للآخرين والذي يُمثّل إحدى التقاليد المُتبعة في البلاد الإسلامية.
تطوير صناعة الغزل والنسيج في مصر
تولي الحكومة المصريّة قطاع الغزل والنسيج اهتماماً كبيراً، وتشمل جهود الدولة في تطوير القطاع توفير كافة التسهيلات التي يحتاجها القطاع، إلى جانب تشجيع الاستثمار فيه وتقديم جميع التسهيلات والحوافز لجذب أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، وذلك عن طريق الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المسؤولة عن تنظيم قطاع الاستثمار بموجب قانون الاستثمار الذي يمنح المستثمرين الأجانب الحصول على ملكية تامة لاستثماراتهم، وبالتالي الحصول على أرباح استثماراتهم بالكامل.
تواكب الشركة المصريّة القابضة للغزل والنسيج - إحدى الشركات الحكومية - التقدُّم العلمي في مجال صناعة النسيج من خلال السعي المستمر لتحسين أساليب الإنتاج وتحديث الآلات واستخدام أحدث التقنيات المتاحة، كما ترسل الأيدي العاملة المصريّة إلى كُبرى الشركات الدوليّة المُختصة بالنسيج والغزل من أجل تدريبهم، إلى جانب دعوةالخبراء في هذا المجال إلى مصر من عِدّة دول مُختلفة للاستفادة من خبراتهم.