صلاة الضحى
صلاة الضحى لغة واصطلاحًا
تُعرّف صلاة الضحى لغة واصطلاحاً كما يأتي:
- الضحى لغة: مفرده ضحوة، وهو انبساط الشمس وامتداد النهار إلى أن يصفو ضوؤها، ويتبعه الضَحاء، وهو ارتفاع الشمس إلى ربع السماء فما بعده.
- صلاة الضحى اصطلاحاً: بأنها الصلاة التي تؤدّى في أول النهار، فيما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها ، ويُقصد بزوال الشمس: أي ميلها عن وسط السماء نحو الغرب.
وقت صلاة الضحى
إن موعد صلاة الضحى يبدأ بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، أي بعد خمس عشرة دقيقة تقريباً، وينتهي قبيل الزوال، وأفضل وقتٍ لأدائها وهو وقت الاستحباب عند علوّ الشمس واشتداد حرّها، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةُ الأوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ). أي حينَ تَحترِقُ أخفافُ الفِصالِ مِن شِدَّة حرِّ الرِّمالِ، فتَبْرُكُ مِن أجلِ ذَلكَ، والفصال هي أولاد الإبل.
ويُعلم من ذلك أن آخر وقتها قبيل الزوال، ويسمّى بقائم الظهيرة، وهو الوقت الذي نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فيه لأنه وقت كراهة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ)، وقد قدّره بعض العلماء بنحو عشر دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر.
حكم صلاة الضحى
إن صلاة الضحى نافلةٌ مستحبّةٌ، وهذا ما اتّفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة: الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة، واستدلوا على قولهم بما رواه الصحابي أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى).
عدد ركعات صلاة الضحى
اتّفق الفقهاء على أن أقل عددٍ لركعات صلاة الضحى ركعتين، واستدلوا على ذلك بالحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- والذي سبق ذكره، كما أنه لم يُنقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه صلّى الضحى أقل من ركعتين، بالإضافة إلى أنّ أقل ما يشرع في الصلاة ركعتين باستثناء صلاة الوتر، ولذلك فلا يجوز التطوّع بركعةٍ واحدةٍ، وتعددت آراء الفقهاء في تحديد أكثر عددٍ لركعات صلاة الضحى، وفيما يأتي بيان أقوالهم:
- القول الأول (جماعة من السلف الصالح): أكثر عددٍ لصلاة الضحى أربع ركعات.
- القول الثاني (المالكية والحنابلة والشافعية على المعتمد): ثماني ركعات؛ حيث استدلوا على قولهم بما رُوي عن أم هانئ -رضي الله عنها- أنها قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم يومَ الفَتْحِ صلّى سبحة الضحى ثمانِي ركعاتٍ يسلّمُ من كل ركعتينِ)، والحديث يدل على أن أكثر ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثماني ركعات، والأصل في العبادة التوقّف، وقد صرّح المالكية بكراهة ما زاد عن ثماني ركعات، إلا في حال كانت نية المُصلّي النفل المطلق.
- القول الثالث (الحنفية): اثنتا عشرة ركعة، واستدلوا على قولهم بما رواه الترمذي والنسائي بسندٍ ضعيفٍ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن صلَّى الضُّحى ثنتي عشرةَ ركعةً بنى اللهُ لهُ قصرًا من ذهبٍ في الجنَّةِ)، وقد بيّن ابن عابدين نقلاً عن شرح المنيّة جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، وذكر الحصكفي من الحنفية أن أوسط صلاة الضحى وأفضلها ثماني ركعات، وقد ثبت ذلك بفعل وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أكثرها فقد ثبت بقوله فقط.
- القول الرابع (ابن جرير الطبري وابن عثيمين وابن باز): لا حدّ لأكثر صلاة الضحى، واستدلوا على قولهم بما رُوي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بسندٍ صحيحٍ أنها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ ما شَاءَ اللَّهُ).
كيفية أداء صلاة الضحى
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طريقة صلاة الضحى؛ أنّها تؤدى مثنى مثنى؛ والمقصود؛ أي أن يسلّم المصلي بعد كل ركعتين، واستدلوا بذلك لما جاء في حديث أم هانئ -رضي الله عنها- حيث قالت: (يسلّمُ من كل ركعتينِ).
ما يقرأ في صلاة الضحى
أما بالنسبة لما يُقرأ فيها؛ فيقرأ المصلّي ما تيسّر من سور القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، سواء أكانت سورة قصيرة أم طويلة أم آيات من القرآن الكريم، فلا يلزم تخصيص سور بعينها، فقراءة ما بعد الفاتحة سنة من السنن، أما الفاتحة فواجبة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب قراءة سور معينة فيها:
- القول الأول: ذهب الشافعية إلى استحباب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص، لأن الإخلاص تعدل نصف القرآن، والكافرون تعدل ربعه.
- القول الثاني: ذهب بعض أهل العلم؛ كالحاكم والزرقاني وغيرهم، إلى مشروعية قراءة سورتي الشمس والضحى في صلاة الضحى، واستدلوا بالحديث الذي رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسندٍ ضعيفٍ أنه قال: (صلُّوا رَكعتيِ الضُّحى بسورتَيهِما والشَّمسِ وضُحاها والضُّحى).
ومن صفة صلاة الضحى أنها صلاةٌ سرّية لا يُجهر بالقراءة فيها، لأن الصلاة النهاريّة سرية، ولا يوجد دليلٍ على الجهر فيها، لا سيّما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجهر فيها.
فضل صلاة الضحى
وردت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على عِظم فضل صلاة الضحى ومكانتها، منها ما يأتي:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلَاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وصَلَاةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ علَى وِتْرٍ).
- عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنّه رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقالَ: (أَما لقَدْ عَلِمُوا أنَّ الصَّلَاةَ في غيرِ هذِه السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: صَلَاةُ الأوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ).
- عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى)، والسّلامى هي العظام والمفاصل في جسم الإنسان، وقوله في الحديث: "ويجزئ عن ذلك"؛ أي يسدّ عن ذلك ويقوم مقامه أداء ركعتي صلاة الضحى.
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلَّى الغداةَ في جماعةٍ ثم قعد يذكرُ اللهَ حتى تطلعَ الشمسُ ثم صلَّى ركعتيْنِ كانت لهُ كأجرِ حجَّةٍ وعمرةٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ)، قال المباركفوري رحمه الله: "قوله: (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، أي: بعد طلوع الشمس".
- وصلاة الضحى صلاةٌ تشهدها الملائكة، يدلّ على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن عبسة رضي الله عنه: (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتَّى تَرْتَفِعَ... فإنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ).
حكم قضاء صلاة الضحى
تنوعت أقوال الفقهاء في تعلّق القضاء في النوافل كما تتعلق في الفرائض، على النحو الآتي:
- الشافعية والحنابلة: ذهبوا إلى أن المندوب من الأعمال يُقضى إذا فات وقته المحدّد، ففي حال فوات نافلةٍ مؤقتةٍ فإنها تُقضى مطلقاً، وبيّنوا أن قضاء السنّة سنّة كما إن قضاء الواجب واجب، واستدلوا على قولهم بالقياس على الواجب، واستدلوا على رأيهم بما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فليصلِّها إذا ذَكرَها، فإنَّ ذلِكَ وقتُها).
- الحنفية والمالكية: قالوا أن القضاء لا يتعلّق بالمندوب، لأن القضاء محصورٌ بالواجب، واستثنى بعض علماء الحنفية السنّة المؤكّدة كسنة الفجر، واستدلوا على رأيهم بذلك لعدم وجود الدليل، ولأن السنن لا تقضى إلا في حال ورود دليلٍ على القضاء.
أسماء صلاة الضحى
- صلاة الأوّابين ، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (صَلَاةُ الأوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ)، وأوّاب بمعنى طائع لله سبحانه وتعالى، كثير الرجوع له.
- صلاة الأبرار.
- صلاة الشروق؛ إذا صُلّيت بعد الشروق ، أي بعد ارتفاع الشمس بمقدار رمح، وهو يقدّر بنحو ربع ساعة تقريباً، أو أكثر أو أقل بقليل.