صفات عمرو بن العاص
صفات عمرو بن العاص الخَلقية
عمرو بن العاص -رضي الله عنه- هو عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي السهمي، أسلم قبل فتح مكة، وكان ذو شأن عظيم عند قومه ومن رؤساء قريش في الجاهلية، وقد كان عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أدعجاً؛ أي ذو عيون واسعة شديدة البياض والسواد، وكان طلق الوجه.
كما يتمتّع بحضورٍ عظيمٍ رغم قصر قامته، ما بين منكبيه عريض، وجبهته بارزة، وله فمٌ واسعٌ ولحيةٌ كثيفة، وقد كان عظيم الكفّين والقدمين. ذكر أحمد بن يعقوب الثقفي أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- كان يَخضِّب بالسّواد؛ ومعنى ذلك أنّه كان يُلوّن شعره المشيب بالأسود بالحنّة ونحوه.
صفات عمرو بن العاص الخُلقية
الدهاء
نقل المؤرخون كالذهبي وغيره أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- كان يتمتّع بالدّهاء والذّكاء، وكثرة حيله، وسعة فهمه، وسرعة بديهته، وسداد رأيه، وقد كان حازماً مُجيداً بإعطاء الحلول والقرارات والآراء ، وفعالاً في الحروب؛ فقد ثبت عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ علَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ).
وقد كان عمرو بن العاص من دُهاة العرب في زمانه مع معاوية والمغيرة، وكان أدهاهم في حلّ المعضلات، وكان كذلك حتى قبل إسلامه، وكان من أمراء قومه وأشرفهم، ومدحه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووصفه بالصلاح، فقد قال عمرو -رضي الله عنه-إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (يا عَمرُو، إنِّي أُريدُ أن أَبعثَك على جَيشٍ فيُغنِمَك اللهُ، وأَرغَبَ لك رغبةً منَ المالِ صالحةً، قُلتُ: إنِّي لم أُسلِمْ رغبةً في المالِ، إنَّما أَسلَمْتُ رغبةً في الإسلامِ، فَأكونَ معَ رَسولِ اللهِ، فَقال: يا عمرُو، نِعْمَ المالُ الصَّالحُ للمَرءِ الصَّالحِ).
الفصاحة والبلاغة
تميّز عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بفصاحة لسانه وطلاقتهِ، وبلاغة مفرداته وألفاظه، وقد كان قارئاً مُتقناً لكتاب الله -تعالى-، وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا رأى أحداً ركيك اللّفظ قال له: "سبحان الله، خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد".
ومن الأمثلة الدالة على فصاحته، ودقّة وصفه، وجميل كلامه؛ لمّا طلب الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- منه وصف مصر عندما كان أميراً عليها، فوصفها له بتفاصيل فريدة ودقيقة، فقال فيه عمر بن الخطاب: "لله درّك يا ابن العاص، لقد وصفت لي مصر حتى كأنّي شاهدتها".
الخبرة العسكرية والقيادة الناجحة
لاحظ النبي -صلى الله عليه وسلم- دهاء عمرو بن العاص، وذكائه، وكثرة حيله، فأرسله قائداً والياً لمعركة ذات السّلاسل؛ لحسن سياسته، وآزره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمئتين من المسلمين بقيادة أبي عبيدة، وكان من ضمنهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم جميعاً- وقد كانت هذه الغزوة بعد غزوة مؤتة، وقد أعادت للمسلمين هيبتهم وشوكتهم بين الناس.
وقد جعله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في وقت خلافته أميراً على مصر لخبرته ونجاح قيادته.
الاجتهاد في المسائل الفقهية
اجتهد عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في مسألة اشتهرت عنه؛ وهي عندما أمّ بالجيش في معركة ذات السلاسل وهو جُنب دون أن يغتسل، وكان قد اكتفى بالتّيمم خوفاُ على نفسه من الهلاك؛ لبرودة الجو، مُستدلاً بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، ووجه الدلالة من الآية أنّه لو اغتسل غُسلاً كاملاً رغم برودة الجو لهلك وقتل نفسه، وهذا مُنافي لقوله -تعالى- في الآية السابقة.
وقد سكت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وضحك ولم ينهه ولم يأمره بالإعادة، وقد نُقلت هذه الحادثة بأثرٍ صحيحٍ، فعن عمرو بن العاص أنّه قال: (إنَّ عَمرًا صلى بنا وهو جُنبٌ! فقال الرَّسولُ: يا عَمرُو، صَلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ؟ فأخبَرَهُ بالَّذي منعَهُ منَ الاغتسالِ، لقد خافَ علَى نفسِه قَسوةَ البردِ، واللهُ يقولُ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فضحِكَ الرَّسولُ ولم يقُلْ شيئًا).