صفات عبد الرحمن بن عوف
الصفات الخَلقيّة لعبد الرحمن بن عوف
كان الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أبيض الوجه، مع حُمرة في خديه، واسع العينين حسنة مع رموش طويلة، له نابان طويلان، وشعره طويل يجتمع خلف أذنيه، ولم يصبغه حين شاب، ولم يكن يُغيّر لون لحيته، وكان عنقه طويلا، وهو طويل القامة، ضخم الكتفين، حَسَنُ الوجه، بشرته رقيقة، وكان أعسر؛ أي أنّ أكثر اعتماده على يده اليسرى وليس اليمنى، أصيب يوم أُحد بأكثر من عشرين إصابة منها كسر ثناياه العلوييّن، وأصبح بعدها أعرج، وقد كانت يداه ضخمتان وأصابعه كبيرة.
الصفات الأخلاقية لعبد الرحمن بن عوف
كان الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، غنيّاً، كريماً، كثير الصدقة؛ فقد صح من رواية عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن كرم عبد الرحمن بن عوف أنّها قالت: (أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عَوفٍ باعَ أرضًا له من عُثمانَ بنِ عفَّانَ بأربعينَ ألفَ دينارٍ، فقسَّمَ في فُقراءِ بَني زُهرةَ، وفي ذي الحاجةِ منَ الناسِ، وفي أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، قال المِسوَرُ: فدخَلْتُ على عائشةَ بنَصيبِها من ذلك، فقالت: مَن أرسَلَ بهذا؟ قُلْتُ: عبدُ الرحمنِ بنُ عَوفٍ، فقالت: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: لا يَحِنُّ عليكُنَّ بَعْدي إلَّا الصابِرونَ، سَقى اللهُ ابنَ عَوفٍ من سَلسَبيلِ الجَنَّةِ]، إلَّا أنَّه قال: قالت: أمَا إنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يَحِنُّ عليكُنَّ بَعْدي إلَّا الصابِرونَ)، ولم يكن الصحابي عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- غنياً فقط، بل كان من أغنى الصحابة وأكثرهم مالاً، ولمّا سمع حديث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يا مَعْشَرَ الفقراءِ ! أَلَا أُبَشِّرُكم ؟ إنَّ فقراءَ المؤمنينَ يَدْخُلُونَ الجنةَ قبلَ أغنيائِهم بنِصْفِ يومٍ : خَمْسِمَائةِ عامٍ)، أسرع في إخراج كلّ ماله في سبيل الله -تعالى- خوفاً من أن يتأخر في دخول الجنة.
قال جعفر بن برقان بأنّ عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قد أعتق خلال حياته ثلاثين ألف نفس، وكان دائماً ما يستذكر الآخرة خوفاً من أن يكون ماله حسرة عليه، فقد صح في صحيح البخاري عن إبراهيم يحدث عن أبيه عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- حيث قال: (أُتِيَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه يَوْمًا بطَعَامِهِ، فَقالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وكانَ خَيْرًا مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ له ما يُكَفَّنُ فيه إلَّا بُرْدَةٌ، وقُتِلَ حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ له ما يُكَفَّنُ فيه إلَّا بُرْدَةٌ، لقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكونَ قدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا في حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي)، وكان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- زاهداً عابداً متواضعاً، لا تستطيع التفريق بينه وبين خدمه، فقد كان يلبس مثلهم، ويأكل مثلهم، ويعمل كما يعملون، ومشيته كلّها تواضع لا كبر فيها.
كان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- كثير الإنفاق في سبيل الله -تعالى-، فقد جهّز جيوش المسلمين، وأعتق رقاب العبيد، وأنفق الآلاف على مساكين وفقراء المسلمين، ولم ينس أبداً أمهات المؤمنين ، وقد قال عنه مرّة عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-: (أنّ مال عبد الرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة)، وقد قيل في كرمه: (أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلثٌ يقرضهم، وثُلثٌ يقضي عنهم ديونهم، وثلثٌ يصِلَهم ويُعطيهم)، وقد جاء عنه أنه عزل نفسه حين تشاورت الأمة في الخليفة القادم بعد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فلم يقبل أن يكون في هذا المقام فعزل نفسه، وقال فيه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه سمع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول لعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: (إنك أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض)، وقد جاءه مرسال يوماً من عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يقول له فيه أنّه سيوليه الأمة بعده، فدعا الله -تعالى- إن كان سيحدث هذا أن يميته قبل موت عثمان، فمات بعد هذا الدعاء بستة أشهر.
التعريف بالصحابيّ عبد الرحمن بن عوف
عبد الرحمن بن عوف، بن عبد الحارث، أبو محمد، بن زهرة، يلتقي نسبه مع والدة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، أي أنه من أخوال النبي، وهو من كبار الصحابة، السابقين في الإسلام، فقد أسلم في السنة الثالثة للبعثة، وذلك قبل أن يدخل النبي ليدعوا في دار الأرقم، حيث كان الشخص الثامن الذي يعتنق الإسلام، وهو ممّن بشرهم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وكان يسمى قبل الإسلام بعبد الكعبة أو عبد عمرو، وبعد الإسلام سمّاه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن.
وُلِد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- بعد عشرة أعوام من عام الفيل، أي أنّه أصغر من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنوات، وقد شهد كل الغزوات مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان كثير الصدقة وعتق الرقاب ، تاجراً ذكياً، عرفت أمه باسم الشفاء بنت عوف، وقد أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وقُتل والده أثناء التجارة قبل بزوغ الإسلام، وأخذ بثأره عبد الرحمن بن عوف حين دلّه عثمان بن عفان على مكان قاتل أبيه فقتله.
توفّي عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- في السنة 32 أو 33 للهجرة، وقد تراوح عمره بين 75 و 78 مع اختلاف الروايات، ودفن بمقبرة البقيع في المدينة المنورة، وقد عرضت عليه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن يدفن بمنزلها بجانب النبي وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فرفض خوفاً من أن يُضَيِّقَ عليها منزلها، وأوصى بأن يدفن بجانب عثمان بن مظعون؛ لأنه له فيه أُسوة حسنة، وقد اختلف بمن صلّى عليه من الصحابة، وكان عبد الرحمن بن عوف أحد الذين توفّي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنهم، وأحد الذين صلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- وراءهم، وهو أمين النبي -صلى الله عليه وسلم- على نسائه، وهو ممّن هاجر الهجرتين، ومن الذين بايعوا تحت الشجرة.