صفات عباد الرحمن في سيدنا عمر بن الخطاب
صفات عِباد الرحمن في سيدنا عمر بن الخطاب
ذَكر الله -تعالى- في كتابه الكريم الكثير من صفات عباد الرحمن في أكثر من موضع، وقد جاء ذكر هذه الصفات في بداية سورة المؤمنين وفي أواخر سورة الفرقان، ومن هذه الصفات العظيمة: التواضع، والإكثار من قيام الليل، والإعراض عن الجاهلين، والعدل، والخوف من الله ومن عذابه، والإعراض عن اللغو من الكلام، والدعاء لغيرهم بإخلاص، والإنصات لآيات القرآن الكريم والتأثّر بها، وغير ذلك الكثير من الصفات، وفيما يأتي في المقال بيان أهمّ صفات عباد الرحمن التي ذكرها الله في كتابه في شخصيّة أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-.
صفة الزهد
عُرِف عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- بين الناس بصفة الزُّهد، وفيما يأتي بيان صفة الزّهد في عباد الرحمن الذين ذَكَر الله صفاتهم في القرآن، وبيانها في شخصية الفاروق -رضي الله عنه-:
- صفة الزهد في عباد الرحمن: ذكر الله -تعالى- صفة الزُّهد في صفات عباد الرحمن في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، و يعني ذلك أن يعتَدِلَ المُسلم في إنفاقهِ على نفسهِ وعلى الآخرين بقدرِ الحاجة، سواء كان ذلك في المباحات أو ضمن الحقوق والواجبات، بحيث لا يُسرِف فيضيِّع ثَروته ولا يَبخَلُ ويُضيِّع حقوقَ أهلِه ومن يُعيل، وقد امتدح الله -تعالى- الاعتدال في الإنفاق في قوله: (وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلومًا مَحسورًا)، والمقصود في الآية الإنفاق في المباحات، أمَّا الإنفاق في الطاعات فإنَّه لا يُعدّ إسرافاً مهما بلغ، بعكس الإنفاق في السوء والفحشاء الذي يُعدّ إسرافاً وارتكاباً لأمرٍ مُحرّمٍ.
- أمَّا الإنفاق على المشاريع؛ كتربية الأغنام والماشية والذي يؤدي إلى تنمية المال وزيادته فلا يعتبر إسرافاً أيضاً، وهو ليس كالإسراف في الإنفاق على الأكل والشرب المَنهي عنه في قوله -تعالى-: (وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ)، ومعياره هو مجاوزة حدِّ الشَّبَعِ بحيث لا يستطيع الإنسان القيام بالواجبات الموكلة إليه بسبب ثِقَلٍ في بدنهِ. فنجد أنّ الشريعة حثّت على الاعتدال في الإنفاق في الكثير من الأمور؛ كالإنفاق في الأكل والشرب، والملبس والمسكن، وهي من صفات عباد الرَّحمن.
- وتُعتبر صفة الإنفاق في سبيل الله -تعالى- علامةً على صدق العبد وقوَّةِ إيمانهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّدقةُ برهانٌ)، وذلك لأنَّ الإنسان يحبُّ المال في طبيعته، وبالتالي لا يبذله إلا مقابل منفعةٍ أو خدمةٍ أو شيءٍ مادي محسوس يحصل عليه؛ لكنَّ المسلم وبسبب إيمانه بالغيب يُنفق ماله مقابل أجرٍ أخروي ودنيوي يعلم أنَّ الله -تعالى- سيعطيه إياه، ويوقن به كما يوقن بالمحسوس المشاهد أمامه، قال -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ).
- الزُّهد عند عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-: عُرِفَ عمر -رضي الله عنه- بأنَّه كان زاهداً، كثير التصدّق، فقيهاً، ورعاً، عالماً، ومجاهداً، وكان يقف خطيباً أمام النَّاس وثوبه مرقَّع، وكان يأكلُ الزَيت والخُبز، ويقول بعد أن يربط على بطنه الحجر والحجرين: "قرقري كما تريدين، والله لا تأكلين إلَّا هذا الطعام، زيت وخبز"، وقد مات وعليه ديون كلَّف ابنه بسدِّها بعد موته، ومن مواقفه في الإنفاق ما يأتي:
- الإنفاق في سبيل الله: فعندما استنفر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصَّحابة للبذل والإنفاق في سبيل الله جاء عمر بنصف ماله.
- إنفاق سهم خيبر: فعندما أصاب عمر سهم خيبر ذهب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطلب منه أن يضعه فيما يشاء، فاقترح عليه أن يوقفه في سبيل الله، فأوقفه عمر في اليتامى والمساكين وذوي القربى.
- زهد عمر في الطعام: وقد قال سعد بن أبي وقاص عن عمر -رضي الله عنه-: "كان أزهدنا في الدنيا"؛ وذلك لأنَّ الدنيا كانت بين يديه، ولم ينظر إليها طرفة عين، وكانت سعادته في إبراز دين الله -تعالى- ودحض شوكة المشركين، وقال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "تَقَرْقَر بطن عمر عام الرمادة فيأكل الزيت، وكان قد حرَّم على نفسه السَّمن فيُقَرْقِر بطنه. قال: فنقر بطنه بإصبيعيه وقال: تَقَرْقَر إنَّه ليس عندنا غيره حتى يحيا النَّاس".
التأثر بآيات القرآن
كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- شديد التأثر بآيات القرآن الكريم، وفيما يأتي بيان هذه الصفة في عباد الرحمن الذين ذكر الله صفاتهم في القرآن، وبيانها في شخصية عمر -رضي الله عنه-:
- صفة التأثر بآيات القرآن الكريم في عباد الرحمن: هي من صفات عباد الرَّحمن التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)، بمعنى أنَّهم إذا ذكَّرهم مذكِّرٌ ونبَّهَهُم ووعظهم بآيات ربِّهم التي أنزلها على نبيّهم -صلى الله عليه وسلم- فإنهم يُقبِلون عليها، ويحاولون فهمها وفهم الكون من حولهم، ولا يَخِرُّونَ؛ أي لا يسقطون، ويستقبلونها كالأصمِّ الذي لا يسمع، أو الذي لا يتدبّر آيات القرآن عند سماعها، أو كالأعمى الذي لا يُبصر فلا ينتفع ولا يعتبر بما يرى، أو الذي عُمِيَت بصيرته فلا يُدرك بقلبه ما ينفعه.
- التأثُّر بالقرآن الكريم عند عمر بن الخطاَّب -رضي الله عنه-: هناك عِدَّةُ مواقف تدلُّ على تأثُّر عمر بن الخطَّاب بالقرآن الكريم، منها ما يأتي:
- قصة تأثر عمر بقراءة عبد الله بن السائب: روى عبد الله أنَّ عمر -رضي الله عنه- قد أخَّر صلاة العشاء في يومٍ من الأيام، ودخل عبد الله بن السائب -رضي الله عنه- يُصلّي وكان خلفه عمر، فقرأ من سورة الذاريات قوله -تعالى-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)، فأخذ عمر يقول بصوتٍ مرتفعٍ: "أَشْهد، أَشْهد".
- قصَّة إسلام عمر -رضي الله عنه-: كان السَّبب في إسلام عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- تأثُّره بالقرآن الكريم، فعندما سمع أخته فاطمة وزوجها يقرآن القرآن تأثَّر به، وطلب من أخته أن تعطيه الصحيفة التي كانت تقرأ بها، ووعدها أن يردّها لها، فطمعت في إسلامه وطلبت منه أن يغتسل؛ لأنَّ القرآن الكريم لا يَمسَّه إلا المطهّرون، ففعل عمر -رضي الله عنه وقرأ قوله -تعالى-: (طه* ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى* إِلّا تَذكِرَةً لِمَن يَخشى* تَنزيلًا مِمَّن خَلَقَ الأَرضَ وَالسَّماواتِ العُلَى* الرَّحمـنُ عَلَى العَرشِ استَوى)، إلى قوله -تعالى-: (إِنَّني أَنَا اللَّـهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري)، فرقَّ قلبه لِما سَمِعَ، وعَرَفَ أنَّ هذا كلامٌ حسنٌ وكريمٌ ولا ينبغي لمن يسمعه أن يعبد مع الله غيره، وهذا ما قاله.
- فطلب منهم أن يدلُّوه على محمد -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره خباب بأنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويقول: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام)، وعندما طرق باب دار الأرقم بن أبي الأرقم وهو يحمل سيفه، خاف الصحابة لكنَّ حمزة فتح له الباب، وأمسكه رسول الله وشدَّه من ثوبه، فوقع عمر على ركبتيه على الأرض، فسأله -صلى الله عليه وسلم- عن سبب مجيئه؛ أخبره عمربأنَّه جاء ليؤمن بالله ورسوله.
التواضع
كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يتّصف بالتواضع، وفيما يأتي بيان هذه الصفة في عباد الرحمن الذين ذكر الله صفاتهم في القرآن، وبيانها في شخصية الخليفة عمر:
- صفة التواضع في عباد الرحمن: هي من صفات عباد الرَّحمن التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، بمعنى أنَّهم يمشون بهداوةٍ؛ لأنهم يعرفون مصيرهم الموَّحد، وهو الموت الذي يتساوون أمامه، وقال علماء التفسير إنَّ الذي يمشي هوناً هو العالم بالله، الخائف منه؛ لأنَّه يعرف أحكامه فيخشى عقابه وعذابه، فالمؤمنون يعيشون بتؤدةٍ وسكينةٍ وطمأنينةٍ، حتى أنَّ انتقالهم من مكانٍ إلى مكانٍ يكون بتواضعٍ؛ لأنَّ أنفسهم قد هانت عليهم بسبب عبادتهم لله -تعالى-.
- كما يمشون بحلمٍ وتواضعٍ وتؤدةٍ وحُسن سَمْتٍ، وقدوتهم في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يمشي كأنَّما ينزل من مكانٍ مرتفع وبشكل سريع، وهذا بطبيعة خلقته وليس تكلّفاً منه، لكن في نفس الوقت يمشي بتواضعٍ وسكونٍ وطمأنينةٍ دون تكبرٍ أو استعلاءٍ على خلق الله، وذلك لا يتعارض مع الإسراع، وكذلك كانت مشية عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-، كيف لا وأنَّ الإنسان كلَّما ارتفعت منزلته زاد تواضعه لله -تعالى- وللناس.
- التواضع عند عمر بن الخطَّاب: هناك عدّة مواقف تدلُّ على تواضع عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-، منها ما يأتي:
- روى عبد الله بن عامر أنّه خرج للحجِّ مع عمر بن الخطَّاب -رضيَّ الله عنه-، وفي طريقه لم ينصب لنفسه خيمةً تحميه حرَّ الشمس أو بساطاً يجلسُ عليه، بل كان يجلسُ على التراب وتحته ردائه وهو أمير المؤمنين.
- كان عمر بن الخطاب ينفخ تحت القِدْر حتى إن الدخان ليخرج من تحت لحيته.
الحِلم
اتّصف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رغم قوّته وشدّته بالحلم، وفيما يأتي بيان هذه الصفة في عباد الرحمن الذين ذكر الله صفاتهم في القرآن، وبيانها في شخصية عمر -رضي الله عنه-:
- صفة الحِلم في عباد الرحمن: الحِلم من صفات عباد الرَّحمن التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، بمعنى إذا سَفِهَ عليهم أحد الجاهلين بالقول لم يعاملوه بالمثل، وإنَّما يتحمّلوا ويعفوا ويصفحوا، ويتكلّموا بخيرٍ من غير أن يغضبوا، والمقصود بالجاهلون السفهاء، وقيل: المشركين، أمَّا قولهم سلاماً فقيل إنَّ المقصود به سداداً، وقيل: أي قولهم وعليك السلام، وقال الضحاك: إنَّهم طلبوا المسالمة بعدم ردّهم على الجاهلين، والسَّلام هنا يشمل سلامة العِرض، والدين، والجسم، والمال، وكل ما يهمُّ المسلم سلامته، تأسِّياً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ).
- الحِلم عند عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-: هناك عدة مواقف تدل على حِلم عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- منها ما يأتي:
- حِلم عمر على حُصين بن عيينة: طلب الحُصين بن عيينة من ابن أخيه الحر بن قيس أن يُدخله عند عمر بن الخطَّاب؛ لأنَّه كان من المقرّبين عنده، فدخل وشتم عمر بكلامٍ واتَّهمه بالبُخل والظُلم، فغضب عمر -رضي الله عنه- وهمَّ أن يوقع به، لكن سرعان ما تذكَّر وأعرض عنه وهدأت ثأرته عندما ذَكَّرَّه الحر بن قيس بقوله -تعالى-: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ).
- قول عمر -رضي الله عنه- في الحِلم: نقل ابن سابط عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- انَّه قال: "ليس شيء أحب إلى الله عز وجل، ولا أعم نفعاً من حلم إمامٍ ورفقه، وليس شيء أبغض إلى الله ولا أعم ضرراً من جهل إمامٍ وخرقه".
العبادة
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شديد العبادة لله -عز وجل-، وفيما يأتي بيان هذه الصفة في عباد الرحمن الذين ذكر الله صفاتهم في القرآن، وبيانها في شخصية عمر رضي الله عنه-:
- صفة العبادة في عباد الرحمن: العبادة من الصِّفات التي ذكرها الله -تعالى- في صفات عباد الرَّحمن في قوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، فقد اختصَّ الله -تعالى- عبادة الصَّلاة من بين العبادات ليجعلها من صفات عباد الرَّحمن الذين يكثرون من الصَّلاة وقيام الليل ، كما كان النبيّ -صلوات الله عليه- يذكر الله كلما استيقظ بالليل، ومن رحمة الله -تعالى- بالمسلمين أن جعل من هَمَّ على فعل سيئةٍ وتركها؛ كُتبت له حسنةً إن تركها لله -تعالى-، لكن إن تركها لأنَّه لم يتيسر له فعلها كُتبت له سيئة؛ لأنَّ الأعمال بالنيات، أمَّا الحسنة فإن همَّ بها ولم يعملها كُتبت له حسنة، وإن عملها كُتبت له عشر حسناتٍ، وقد تتضاعف إلى سبعمئة ضعف.
- والتهجّد ليلاً هو دليل صدق المؤمن وإخلاصه وحبِّه لربِّه، والذي يظهر من خلال خلوته ومناجاته لله ليلاً، وهذه الصفة امتدحها الله -تعالى- في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)، ويتَّصِفُ عباد الرَّحمن بحرصهم على إحياء الليل. وقد امتدح الله -تعالى- أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنَّهم كانوا كثيري التهجُّد بقوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)، وقيام الليل تتربّى فيه النُّفوس على القيام بأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه وتحقيق التقوى التي يسعى لها كلُّ مسلمٍ.
- كثرة التَّعبُّد والاجتهاد في الطاعة عند عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-: هناك عدَّة مواقف تدلُّ على كثرة العبادة والطاعة عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، منها ما يأتي:
- حب عمر -رضي الله عنه- للصَّلاة في جوف الليل: فقد ذكر سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطَّاب حبّه الشديد للصَّلاة في وسط الليل، وكان -رضي الله عنه- يوقظ أهله للصلاة في جوف الليل ويعِظهم.
- محافظة عمر -رضي الله عنه- على الصلاة: كان عمر -رضي الله عنه- يحافظ على الصَّلاة ويدعو النَّاس إليها، وقد روى عنه المسور بن مخرمة أنَّه قام إلى الصَّلاة في الليلة التي طُعِن بها، وصلَّى وجُرحه يسيل دماً، وعندما حُمِل إلى بيته بعدما طُعن في المسجد كان يسأل: هل صلى الناس؟ وطلب ماءً وتوضّأ وصلَّى. وقال أبو رافع إنَّ عمر كان يقرأ في الصلاة بمئة آية من سورة البقرة أو من سورة آل عمران ، ويُتبعها بسورة من المُفَصَّل أو من المثاني.
- وعن عبد الرحمن بن حاطب أنَّ عمر -رضي الله عنه- صلَّى العشاء بمئة آية من سورة آل عمران في الرَّكعة الأولى، والباقي في الرَّكعة الثانية، ونقل عنه عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أنَّه تصدَّق بحائطٍ له؛ لأنَّه ذهبت عليه صلاة الجماعة بسببه، وعن أبي مسلم الأزدي أنَّه أعتق رقبتين؛ لأنّه أخَّر صلاة المغرب دون خروج وقتها. وكان شعاره -رضي الله عنه- قوله: "إذا نِمت بالنهار ضيَّعت رعيتي، وإذا نمت بالليل ضيَّعت أمر ربي".
الخشية من الله تعالى
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شديد الخشية من الله -تعالى-، وفيما يأتي بيان هذه الصفة في عباد الرحمن الذين ذكر الله صفاتهم في القرآن، وبيانها في شخصية عمر رضي الله عنه-:
- صفة الخشية من الله في عباد الرحمن: هي من الصِّفات التي ذكرها الله -تعالى- في صفات عباد الرَّحمن في قوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)، فبالرغم من حسن سلوكهم وأخلاقهم، واجتهادهم في عبادة الله -تعالى-، إلا أنَّهم لم يعتمدوا على عملهم ويعتزون به للنَّجاة من النَِّار؛ بل جمعوا مع عملهم الصالح خوفهم واعتمادهم على الله -تعالى- في النجاة من النَّار التي وصفوها بأنَّها مكان إقامةٍ سيّءٍ، وثقيلٍ، وشديدٍ، وهذا معنى كلمة غراماً؛ أي الهلاك الملازم، والعذاب والشر.
- وما يُميّز عباد الرَّحمن معرفتهم أنَّ الجنَّة لا ينالها الإنسان بعمله وإنما بفضل الله -تعالى-، وكذلك النَّار لا تكفي الأعمال لتجنّبها، لذلك تضرّعوا إلى الله -تعالى- ليصرفها عنهم، وليرضى عنهم ويتقبّل ما عملوه من الأعمال التي يظنّون تقصيرهم فيها، ويخشون عدم قبولها. فهم يدعون الله -تعالى- في أدبار صلواتهم وفي تهجُّدهم وفي جميع أحوالهم بأن يقيَهُم عذاب جهنَّم، لأنَّ عذابها غراماً؛ أي شرٌ دائمٌ، وهلاكٌ لازمٌ.
- الخشية من الله عند عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- : هناك عدة مواقف تدلُّ على الخشية من الله -تعالى- عند عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- منها ما يأتي:
- كان عمر -رضي الله عنه- إذا ظنَّ أنَّه أخذ حقَّ أحدِ النَّاس استدعاه وطلب أن يقتصَّ منه، وكان يُعاتب نفسه عتاباً شديداً.
- قال عمر -رضي الله عنه-: "والله لو مات جِدْيٌ بالفرات لخشيت أن يُحاسب الله به عمر".
إخلاص العبودية لله تعالى وحده
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شديد الإخلاص في عبادته لله -تعالى-، وإخلاص العبوديَّة لله -تعالى- من الصِّفات التي ذكرها الله -تعالى- في صفات عباد الرَّحمن في قوله: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ)، فعبادتهم ودعائهم في سبيل الله -تعالى- وحده، لا يُشركون به شيئاً، ولا يدعون معه أحداً، بل عبادتهم خالصةٌ له -سبحانه-، لأنَّهم عرفوا أنَّه المتصرِّف في الكون فهو الخالق ، الرازق، المحيي، المميت، فآمنوا به إيماناً صادقاً، وعلّقوا قلوبهم بهِ وحده، وهناك عدَّة مواقف تُبين صفة الإخلاص عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، منها ما يأتي:
- كتمان عمر -رضي الله عنه- العبادة والعمل: قال نافع: كنّا لا نعرف عن عمر -رضي الله عنه- وابنه أعمال البرّ إلا إذا قالا أو فعلا.
- قول عمر-رضي الله عنه- في الإخلاص: بيَّن عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- في كتابه إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أهميَّة الإخلاص في الحصول على عون الله -تعالى- ووقايته، وجاء فيه: "من خلصت نيته؛ كفاه الله -تعالى- ما بينه وبين الناس".
- دعاء عمر -رضي الله عنه- بالإخلاص: كان من دعاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً".
جزاء عباد الرحمن
وَرَدَ ذكرُ جزاء عباد الرَّحمن في القرآن الكريم باسم الغرفة في قوله -تعالى-: (أُولَـئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)، ونذكر فيما يأتي بيان معناها عند المفسّرين:
- تفسير الطبري: الغرفة: هي منزلةٌ رفيعةٌ من منازلِ الجنَّة، ينالها عبادُ الرَّحمن التي وردت أوصافهم في سورةِ الفرقان، وتُلقي الملائكةُ عليهم التَّحيَّة، وهي خيرُ مقامٍ ومستقرٍ لهم يلبثون فيها للأبد.
- تفسير الشربيني: الغرفة: هي ليست واحدةً، وإنَّما غُرَفٌ كما ورد في آيات أخرى، وهي منزلةٌ عاليةٌ في الجنَّة ينالها عباد الله -تعالى- المتَّقين جزاءً على الأعمال والأحوال الصَّالحة التي وُفِّقوا لها في الدُنيا، وقيل: إنَّ الغرفة هو اسمٌ من أسماء الجنَّة، والسَّلام هو حالها؛ لأنَّ العيش لا يطيب إلا بالسَّلامة والكرامة، ويَلقى عباد الرَّحمن في الغرفة ملائكةً يَدعون لهم بالمُلك والبقاء الدائم بالجنَّة، وسلاماً من الله -تعالى-، ومن كل آفةٍ أصابتهم في الدنيا، ولا يموتون ولا يَخرجون منها، وهي خيرُ مكانٍ لهم.
- تفسير الميداني: استخدام الله -تعالى- لاسم الإشارة (أولئك) هو دليل على علوِّ منزلة عباد الرَّحمن، وارتفاع درجاتهم على سائر المتَّقين؛ وذلك بسبب ما قدَّموه وخاصةً صفة الصَّبر التي قدَّمها الله في بدايةِ الآية، والغرفة عند العرب: هي مكانٌ في القصر يُخصَّص لسيِّد القصر، ويصعد لها بدرجٍ مرتفعٍ عادةً. وعباد الرحمن يتلقَّون فيها التَّحيَّة من الملائكة والوِلدان المُخَلَّدون وحور العين.
- أمَّا الجمع بين التَّحيَّة والسَّلام لهم؛ لأنَّ المعنى هنا مغايرٌ؛ فالتَّحيَّة: تعني بقاء الحياةِ، والمُلك، ومطلق السَّلام، أمَّا السَّلام: فهو العافية والأمن، والبراءة من كلِّ نقصٍ ومكروه، أمَّا الحُسن: فهو وصفٌ ملازمٌ لها، سواءً كانت مُستَقَراً لأصحابها، أو مكان زيارةٍ لأصحاب الدرجات الأخرى من الجنَّة.
- تفسير الكتَّاني: قال إنَّ الغُرفة هي أعلى منازل الجنَّة في الفردوس الأعلى ، وعباد الرَّحمن استحقُّوها بسببِ صبرهم على فعل الطَّاعات، وترك المحرَّمات، وسيتلقَّوْن بها السَّلام من الله -تعالى- وملائكته.
- تفسير حطيبة: عباد الرَّحمن سَيُخَلَّدون في الجنَّة بلا خوفٍ من المستقبلِ، ولا حزنٍ على الماضي؛ فيكونون آمنين مستقرّين لا يخرجون من الجنَّة أبداً.
- تفسير ابن باديس: إنَّ الله -تعالى- بيَّن لعباده المتَّقين جزاءهم في الجنَّة وهو الغرفة؛ لِيحُثَّهم على العمل الموصِل إليه في الدنيا، ويجعلهم يسعون لتحقيقه ويتمسّكون به.