صفات عباد الرحمن في الصحابة
جيل الصحابة
لم يكن جيل الصحابة -رضوان الله عليهم- جيلاً عادياً كغيره من الأجيال، بل كان خير القرون وأفضل الأجيال بما توافر في شخصياته من التقوى والورع، وملازمة الفضائل والخصال والأخلاق الحسنة؛ التي ترجمت واقعاً عملياً في سلوكياتهم ومواقفهم في الحياة، ولقد سُئل -صلى الله عليه وسلم-: (أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ).
صفات عباد الرحمن في الصحابة
وصف الله -جل وعلا- جيل الصحابة في كتابه العزيز بصفات عدة منها ما جاء في قوله -تعالى-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)، كما جاء في كتاب الله -تعالى- أوصاف للمؤمنين المفلحين، وعباد الرحمن الصادقين التي انطبقت على هذا الجيل العظيم، ومنها:
صفة الخشية والورع
تمثلت صفة الخشية والورع إلى حد بعيد في صحابة رسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث كانوا يرجون رحمة الله ورضوانه بالعمل الصالح، والاجتهاد بالعبادة، فكانوا يدعون ربهم رغباً ورهباً، يرغبون فيما عند الله من الثواب والأجر العظيم، ويخشون بطشه وعذابه، ومن المواقف الكثيرة التي دلت على هذه الصفة في الصحابة:
- بكاء الصدّيق -رضي الله عنه-
الذي كان رجلاً أسيفاً شديد البكاء؛ لا يكاد يسمع صوته إذا أمّ بالناس؛ فقد ثبت في الصحيحين أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمّا مرض أمر بأن يصلي أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بالناس؛ فقالت عائشة -رضي الله عنها-: (يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لا يَسْتَطِعْ أنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فَقالَ: مُرِي أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ فإنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ).
- بكاء عمر الفاروق -رضي الله عنه-
عندما كان يمر ببعض الآيات في كتاب الله، فيظل يبكي حتى يسقط مغشياً عليه، فيظل يُعاد في بيته كالمريض وما به من مرض، كما كان بكاؤه -رضي الله عنه- يُسمع من آخر لصفوف؛ فقد ثبت عن عبد الله بن شداد أنّه قال: (سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ، وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، يَقْرَأُ: "إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إلى الله").
صفة التواضع
كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيلاً متواضعاً لا يعرف الكبر والزهو، فمن ذلك:
- تواضع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-
الذي داوم على حلب الشاة لفتياتٍ يتيمات حتى بعد أن صار خليفة للمسلمين؛ كما دلّ على ذلك ما حدث بينه وبين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ حيث ثبت أنّ محاورة ما حدثت بين الصحابيين الجليلين؛ فغضب عمر بن الخطاب، وأغلق بابه في وجه الصدّيق.
ولمّا علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخبر؛ اشتد كلامه مع عمر؛ فأقبل الصدّيق مسرعا يقول: (واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أظْلَمَ)؛ كل ذلك رأفة ورحمة وإنقاذاً لأخيه عمر من هذا الموقف الحرج.
- تواضع عمر -رضي الله عنه-
على الرغم من كونه خليفة للمسلمين، وتأتي إليه كنوز كسرى وقيصر، إلا أنّه كان يرقع ثوبه، ويحمل قربة الماء على ظهره، ويخرج إلى بيت المقدس حينما يستدعيه قادتها على بعيرٍ يخوض به في الماء، ولا تضرب له الخيام في سفره وترحاله كما يفعل ملوك الأرض.
- تواضع عثمان -رضي الله عنه-
كان عثمان -رضي الله عنه- إذا سار مع غلام له؛ يتركه يصعد على البغلة، ويسير هو ماشياً وهو خليفة المسلمين؛ كما كان إذا استيقظ لوضوء الليل توضأ لوحده ولم يُوقظ أحداً من أهله، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن قال: "رأيت عثمان -رضي الله عنه- نائماً في المسجد في مِلْحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين".
- تواضع علي -رضي الله عنه-
الذي كان يحمل التمر في ملحفة وهو خليفة، فيقال له: "هلمّ فلنحمل عنك يا أمير المؤمنين"، فيقول: "صاحب العيال أحق أن يحمل"، وعن عمرو بن قيس الملائي عن رجل منهم قال: "رئي على علي بن أبي طالب إزار مرقوع؛ فقيل له تلبس المرقوع، فقال: يقتدي به المؤمن، ويخشع به القلب".
صفة الشجاعة
تمثلت صفة الشجاعة في كثيرٍ من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا أسوداً في ساحات الوغى، ومعارك الدفاع عن الأمة، ومن الأمثلة عليهم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الذي قاتل في مئة معركة، ولم يهزم في أي منها.
كما أنّ البراء بن مالك -رضي الله عنه- كانت له مواقف بطولية كثيرة في معارك المسلمين، ومنها: معركة اليمامة حينما طلب من الصحابة أن يحملوه على أسنة الرماح، ويلقوه داخل حديقة الموت، حتى يفتح للمسلمين باب الحديقة، فتمكن من ذلك -رضي الله عنه-، فكان سبباً من أسباب انتصار المسلمين بعد مشيئة الله وأمره.