صفات الأنبياء في القرآن
صفات الأنبياء في القرآن
الأنبياء هم بشر يتّصفون بصفات معيّنة، أوحى إليهم الله -سبحانه وتعالى- بشرع، وجعل منهم رسلًا مأمورين بتبليغ الشرع الذي أوحى إليهم به إلى الناس، ومن الصفات الأساسيّة في الأنبياء ما يأتي:
- البشريّة
البشريّة هي الصفة الأولى من صفات الرسل عليهم السلام؛ فقد جعل الله -تعالى- رسله بشرًا حتى يتمكّنوا من التعامل مع الناس، ومخالطتهم ومخاطبتهم، ولأنّ البشر قادرون على التوجيه والإرشاد، ولغير ذلك.
وقد كثر الاعتراض على بعث الأنبياء من البشر من قبل أعداء الرّسل، فقد ورد في القرآن الكريم: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً) ،واحتجّوا بأنّ الرسل ليسوا من الملائكة ؛ على أنّ ذلك كان لحكمة من الله -سبحانه وتعالى-.
- الحريّة
وذلك لأنّ الرقّ صفة نقص تُنافي الكمال البشري التي يتّصف بها الأنبياء،فالرقيق لا يملك أمر نفسه فكيف يكون له أمر الأمة، لا سيّما أنّ الرقيق يباع ويشترى.
- الذكورة
الرجل أقدر من المرأة على إبلاغ الدعوة، لا سيّما أن الرّسول مأمور بتبليغ الناس، وهذا يتطلّب منه الاختلاط بهم، والاختلاط قد يعرّض المرأة لسفاهة السفهاء فاقتضى ذلك أن يكون الرسول رجلًا.قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) .
- كمال العقل وقوّة الرأي
العقل هو سلاح الأنبياء والرّسل ، فهم مطالبون بتبليغ الرسالة ومناقشة الكفّار بالحجّة والبرهان، وقد كان الكفّار يتهمون الرسل بالجنون، فردّ الله -سبحانه وتعالى- على مزاعمهم في أكثر من موضع في القرآن الكريم،منها قوله -تعالى-: (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) .
- كمال الصورة الخلقية
لأن الرّسل يخالطون النّاس، ويتعاملون معهم؛ فاقتضى ذلك أن لا يكون فيهم من العيوب الخلقيّة ما ينفّر الناس منهم، على أنّ الأنبياء قد يصابوا بالأمراض والأسقام كسائر البشر؛ لكنّها لا تكون من الأمراض التي تنفّر الطباع السليمة، وبناءً على ذلك يجب الرد على مزاعم بني إسرائيل، في أن بعض الأنبياء أصيبوا بأمراض منفّرة.
وقد ردّ الله -تعالى- على من اتهم موسى -عليه السلام- ، ونسب إليه بعض العيوب وأنكر عليهم،فقد قال في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) .
الصفات الواجبة في حقّ الرسل
يتصف الرّسل بمجموعة من الصفات التي تعدّ واجبة في حقّهم، وعلى المكلّفين معرفتها والإيمان بها، وهي كما يأتي:
- الأمانة
تشير صفة الأمانة إلى أن الله -تعالى- قد حفظ ظواهر الأنبياء وبواطنهم، قبل النبوّة وبعدها، حال صغرهم وكبرهم، فهم معصومون عن كلّ ما هو منهيّ عنه، ولو كان النهي فيه على وجه الكراهة. حيث إنّ الرسول لو فعل أمرًا منهيًا عنه؛ لكان فعله مأمور به شرعًا، والله -تعالى- لا ينهى عن شيء ويأمر به لأن هذا مستحيل، والعبد لا يكلّف بالمستحيل، وقد قال -تعالى-: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) .
- الصدق
وعكسه الكذب ، والكذب معصية، وبالتالي فإن من مقتضيات العصمة عدم الكذب، فتكون صفة الصدق واجبة على الأنبياء لعصمتهم، ودليل صدق الأنبياء قول الله -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) .
وقد جعل العلماء صفة الصدق صفة منفردة لأهميتها، فالرسل يبلغون عن ربّهم جلّ في علاه، ويجب الاعتقاد بأنهم صادقون بما يخبرونه ويبلّغونه.
- الفطانة
المقصود بالفطانة الذكاء، فالرسل يدعون الناس إلى دين الحقّ بالحجة والموعظة الحسنة، ويبطلون شبه المخالفين، وهذه الصفة تنطبق على جميع الأنبياء، قال تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .
- التبليغ
الرسول مأمور بأن يبلّغ ما أمره الله -تعالى- بتبليغه، وإن لم يبلّغ يكن بذلك عاصيًا، وبما أنّ الرسول معصوم فالمعصية مستحيلة في حقّه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) .أمّا الأمور التي لم يؤمر بأن يبلغها كالغيبيّات فقد لا يبلّغها.
الصفات المستحيلة في حقّ الرسل
الصفات المستحيلة في حقّ الرسل، هي ضدّ الصفات الواجبة في حقّهم، فتكون كما يأتي:
- الخيانة.
- الكذب.
- كتمان شيء مما أمروا أن يبلغوه.
- الجنون؛ سواء القليل منه أو الكثير.
- الغفلة والبلاهة.
- السهو في الأمور البلاغيّة وغيرها، والنسيان في الأمور البلاغيّة قبل التبليغ.
الصفات الجائزة في حقّ الرسل
هناك صفّات جائزة في حقّ الرّسل؛ يمكن تعريفها بأنها صفات البشر، التي لا تشير إلى نقص في مكانتهم، حيث إنّ الرسل تجوز عليهم الأمور الغريزيّة والعاطفيّة، والتي تجوز على البشر عمومًا ضمن حدود منزلتهم، ومكانتهم عند الله -تعالى-،والدّليل على ذلك من القرآن الكريم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ).
والرسل بشر يأكلون ويشربون، ويقومون بجماع زوجاتهم، كما أنّهم يشعرون بعواطف البشر المختلفة؛ كالخوف والفرح والحزن والغضب، فضلًا عن ذلك، فإن الرسل يمرضون كسائر البشر، على أنّ أمراضهم لا تكون من النوع المنفّر للطباع؛ فالرسل يخالطون البشر، ومنزّهون عن العيوب المنفّرة، وما قيل عن مرض سيدنا أيوب -عليه السلام- من أنّه منفّر هو محض افتراء.