صحة حديث (يد الله مع الجماعة)
تخريج حديث (يدُ اللهِ مع الجماعة)
هذا الحديث رواه الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ففي الحديث: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يدُ اللهِ مع الجماعةِ)، وهو جزء من حديث رواه ابن حبان من حديث عرفجة ابن شريح -رضي الله عنه-.
ولفظ الحديث كاملاً: (عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةِ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْتَكِضُ).
الحكم على الحديث
لقد تناقل المحدّثون من المتقدمين والمتأخرين القول بثبوت هذا الحديث وقبوله والحكم بصحته:
- من السابقين: الترمذي، والحاكم، وابن حبان، و النووي ، وغيرهم.
- من المتأخرين: الشيخ أحمد شاكر، والألباني، وآخرون.
المعنى العام في الحديث
فيما يأتي بيان المعنى الذي يرشد إليه الحديث الشريف:
التمسك بالجماعة أصلٌ من أصول الإسلام
الحديث أصلٌ من أصول الإسلام الثابتة بالقرآن والسنة بأدلة كثيرة جدا، يكفي منها أن ينظر المسلم في كتاب ربه متتبعاً أوامر الله -سبحانه وتعالى- بالاعتصام بالكتاب وجماعة المسلمين، وتحذيرات القرآن الكريم من التفرق والتنازع والاختلاف وذمِّ هذا المسلك المؤدي إلى الهلاك، وكل ذلك يدعونا إلى التمسك بالجماعةِ والاعتصام بها، وعدم الذهاب في متاهات التفرقِ والشذوذِ والانعزالِ والخروجِ عن جماعة المسلمين.
وهذا الأصل العظيمُ الذي به تسلمُ المجتمعات من التفككِ والتنازعِ ما كان ليُهملَ في أصول ديننا، بل اعتنى به عناية شديدةً وأكثرَ من التنبيهِ عليه والدعوةِ إلى التمسك به، فلا يُتصوّر صلاح مجتمعٍ لا يقومُ على التماسكِ والاعتصامِ القائمين على منهاج الله -سبحانه وتعالى- متمسكين بحبله المتين، ومثل هذا ظاهر في قول الله -تعالى-: (وَأَطيعُوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ).
وقوله -سبحانه وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
الجماعة مطلب إنساني فطري
الإنسان بفطرته ميال للجماعة، فليس هناك إنسان سوي يرضى العيش وحده بعيداً عن الناس، ولا يُتصور استمرار حياة لأحدنا منفصلا عن الآخرين، والإسلام دين الله الخاتم عالمي الرسالة لا يمكن أن يغفل هذا الأمر، بل حرص على التنبيه عليه والحث على التمسك به والدعوة إليه، فهو دين الفطر السليمة ودين تحقيق سعادة الإنسان في الأرض ودين صيانة المجتمعات والأفراد من التيه والضياع والتفكك.
وهذا المنهج الرباني في صيانة المجتمعات وحفظها تكاثرت عليه الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال فقهاء الصحابة والسلف، وهو دعوة المصلحين من الناس على مر الزمان في هذا العالم.