صحة حديث (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين)
صحة حديث (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين)
إنّ لعلم الحديث فضلٌ عظيمٌ في الدين؛ إذ به تعرف صحة الرواية المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكما أنّه معلوم فليست كل الأحاديث صحيحة لطعن يكون في أحد رواتها، أو لسبب آخر، وقد تُجبر الرواية لمجيئها من طريق آخر، فترتقي لمرتبة الحسن.
ولقد تعدّدت أحكام أهل العلم في الحكم على حديث؛ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تَزَوَّجَ العبدُ فقدِ اسْتكمَلَ نِصْفَ الدِّينِ، فلْيَتَّقِ اللهَ في النِّصفِ الباقِي)، ولمعرفة صحة هذا الحديث من ضعفه توجب تخريج الحديث من مصادره الأصلية وعرض أقوال العلماء فيه.
تخريج حديث ( إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين)
أخرج هذا الحديث بهذه الصيغة الإمام البيهقي، وقد حسّنه الألباني رحمه الله، قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس هو الأصم، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا الخليل بن مرة، ثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تَزَوَّجَ العبدُ فقدِ اسْتكمَلَ نِصْفَ الدِّينِ، فلْيَتَّقِ اللهَ في النِّصفِ الباقِي).
وأخرجه الطبراني بطريق آخر فقال: حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ: نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ نِصْفَ الْإِيمَانِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي)؛ وحكم عليه الهيثمي بالضعف لأنّ فيه يزيد الرقاشي وجابر الجعفي وكلاهما ضعيف وقد وُثّقا.
وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بطريق آخر، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ اللَّخْمِيُّ بِتِنِّيسَ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيُّ، ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ رَزَقَهُ اللهُ امْرَأَةً صَالِحَةً، فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِي الشَّطْرِ الثَّانِي).
قال عنه الحاكم هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ الْأَزْرَقُ، مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ، مَأْمُونٌ، وقد أيده الترمذي والذهبي، وضعفه ابن حجر العسقلاني.
خلاصة الحكم على الحديث
استناداً لما تم مناقشته في ملتقى أهل الحديث فإنهم قالوا: أن يزيد الرقاشي متروك الحديث وهو من القدرية مخدوش في ضبطه والذي استدعى الإمام الألباني إلى تحسين الحديث مجيئه من طرق أخرى دعمته.
بالإضافة إلى موافقة الذهبي لتصحيح طريق الحاكم، ولأن الهيثمي قد حكم على رواية الطبراني في يزيد الرقاشي وجابر الجعفي أنهما ضعيفان وقد وُثقا فإن توثيقهما أعطى قوة للحديث في تأيد الحكم على الرواية بالحسن عند الألباني.
شرح حديث: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين)
الزواج رمز للطهارة من فتن الدنيا فهو يعف القلب عن الحرام، فالرجل مجبولٌ على حب النساء، وهذه خِلقة الله بأن فطر الرجال والنساء على التزاوج، وعُد الزواج نصف الدين لأنه يحفظ دين المرء، ويمنعه عن المحرمات فأعظم الفتن فتنة النساء؛ ولقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ).
والزواج يُعين على إحصان الفرج ويحفظ المرء من الدخول في العلاقات المحرمة التي قد تؤدي إلى الزنا والعياذ بالله، ولقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ العفاف ضمانة للجنة؛ فقال: (مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ له الجنة).
المرأة الصالحة كالجوهرة المكنونة في خضم الفتن التي تجُوب العالم اليوم، لأنها كنز للرجل يستقيم بها نصف دينه، لأنها سببٌ من أسباب الغنى وسعة الرزق، وبها يصلح الأولاد، وشرط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرأة الصالحة في رواية الحاكم؛ لأن المرء لا يلقى سعادته الأخروية مع الغير صالحة فهي قد تمنعه من الوقوع في الزنا، إلا أنها لا تكون كالصالحة التي تسوق له الخير في كل أمر، فالغير صالحة قد تسوقه إلى طريق الغواية.
وكما أنّ الزواج هو سنة الله في الكون، وسنة المرسلين -عليهم السلام- ولقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه بقوله: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ).