شعر فدوى طوقان
السّمات الّلغوية في شِعر فدوى طوقان
دلالات الألفاظ المستخدمة في شِعر فدوى طوقان
تتميّز الألفاظ الواردة في شِعر فدوى طوقان باحتوائها على الكثير من الدّلالات والإيحاءات، وانعكس ذلك على أسماء الدّواوين الخاصّة بها، حيث جاءت تحمل طابعاً من التّدرّج والحوار مع النّفس؛ لإضفاء حالةٍ من الرّغبة باكتشافها ومعرفة معانيها، ويجب الإشارة إلى أنّ لها سبعة دواوين شِعريّة، وفيما يلي جدولٌ توضيحيّ لها:
الدّواوين الشِّعريّة السّبعة لفدوى طوقان |
---|
ترتيب الدّيوان | اسم الدّيوان | موضوعات الدّيوان |
---|---|---|
الأول | (وحدي مع الأيّام) | يتضمّن هذا الدّيوان توضيحاً لطبيعة الصّراعات التي عاشتها فدوى طوقان في وحدتها، وما لاقته من مشاعر ألمٍ واغترابٍ. |
الثّاني | (وجدُتها) | يُصوّر هذا الدّيوان حالة الفرح الشّديد الذي شعرت به فدوى حين عثرت عل نفسها. |
الثّالث | (أعطِنا حُبّاً) | يتناول هذا الدّيوان إعلان فدوى حالة الموت التي وصل إليها الحُبّ، مع إظهار "الموت" الذي جعلها تُكابد في حياتها. |
الرّابع | (أمام الباب المُغلق) | ينقل هذا الدّيوان حالتيّ الحيرة والغموض اللتين كانت تشعر بهما فدوى، وذَكَرت في هذه الحالة قولها: "ما كنت أصدّق أنّني سأنطلق يوماً خارج أبواب تلك العلاقات الكئيبة وأقفالها، كانت أبواب وراءها أبواب، وكُنتُ أقبعُ خلفاً أسيرة اليأس المُمزِّق للنّفس والرّوح". |
الخامس | (الّليل والفرسان) | يتحدّث هذا الدّيوان عن دفاع النّاس عن أوطانهم وتصدّيهم لأيّ عدوانٍ عليها، فتقوم فدوى من خِلاله بتخليد ذِكرى فُرسان الوطن، والتّغنّي بالّليل أيضاً، ويشار إلى أنّ ألفاظ هذا الدّيوان تُعبّر عن كلّ ما يُفرض من قِبل العُدوان على الوطن. |
السّادس | (على قمّة الدُّنيا وحيداً) | تستعرض فدوى في هذا الدّيوان المُعاناة التي قاساها الشّعب الفلسطينيّ مُعبّرةً عنها من خِلال عِنوان الدّيوان أوّلاً، ثمّ لتُصوّر مِن خلاله ما قاساه شعبٌ كاملٌ من ظلمٍ واضطهادٍ. |
السّابع | (تمّوز والشّيء الآخر) | يتناول هذا الدّيوان موضوع سِرّ الخُلود والبقاء، مؤكّداً حقوق الشعب الوطنية، والمُصاحب لأهميّة التّصدّي لأيّ اعتداءٍ خارجيٍّ. |
قُسِّمت الدّواوين الشِّعريّة لفدوى طوقان إلى مجموعتين، وتتميّز كلّ مجموعة منها بألفاظ مُعيّنة، وفيما يلي بيانها:
- المجموعة الأولى: تتكوّن هذه المجموعة من الدّواوين الشِّعريّة الثّلاثة الأولى لفدوى طوقان، وهي: وحدي مع الأيّام، ووجدتُها، وأعطنا حبّاً، حيث مالت إلى اعتماد على التُّراث الأدبيّ فيها بعيداً عن القديم مِنه، وبالنّسبة للمُفردات الأكثر تداولاً في هذه المجموعة، والتي شكلت قاموسها الشِّعريّ الخاصّ، وعكست الحالات النّفسيّة التي مرت بها، ففيما يلي تفصيلها:
- الحالة الأولى: هي الحالة النّفسيّة المُتضمّنة للحُزن والكآبة، والتي عبّرت فيها مستخدمةً العديد من المفردات، مِنها: توحش، ويأس، وذكريات، وتوجّع، ودموع، وكئيب، وشجيّ.
- الحالة الثّانية: هي الحالة النّفسيّة التي تمثّل مشاعر الوِحدة والوحشة، والتي تناولتها فدوى ببعض المُفردات، مِثل: غربة، ووحشة، ووحيد، ومنفرد، ومتوحّد، واغتراب، وضياع، وتوحّش، وضائع، ووحدي.
- الحالة الثّالثة: هي الحالة النّفسيّة التي تناولت فيها فدوى الصّراعات والانكسارت النّفسيّة، والفجوات الدّاخليّة التي تركت أثراً بالغاً في نفسها، ومن المُفردات التي استخدمتها للتّعبير عن هذه الحالة: قلق، وكبت، ومحرّم، ومكبوت، وصراع، وذعر، وخوف، ورعب، واختناق.
- الحالة الرّابعة: هي الحالة النّفسيّة المُعبّرة عن الاحتجاز، والتضييق، وقد عبّرت فدوى عن هذه الحالة بالمفردات الآتية: حدود، وسجن، وطوق، وسجين، وقفل، ووثاق، وأصفاد، وحبيس وغيرها من الكلمات.
- الحالة الخامسة: هي الحالة النّفسيّة التي حملت معاني الحيرة والاضّطراب المُصاحبة للضياع والتّيه، وعليه فاستخدمت فدوى مُفردات تحمل معاني الغموض تجاه الأشياء، ومنها: حائرة، وتائهة، ومستبهم، وغامض، وتوهان، وغيهب، وغموض، وخفاء، وجهل، ومجهول، ولغز، وسرّ، ومُبهم، ويختفي، ويغيب، ويتوارى.
- الحالة السّادسة: هي الحالة النّفسيّة الحاملة لمشاعر الفراق والبُعد، والتي تناولتها فدوى ببعض المفردات، منها: صدى، وهناك، والصّحاري، وبعيد، وتباعد، والشّواسع، وعودة، وبُعد).
- الحالة السّابعة: هي الحالة النّفسيّة التي تناولت المشاعر النّفسيّة التي لا تخلو من تفكير الإنسان، وهو شعور الخوف تجاه الموت والفناء، وعلى ذلك صوّرت فدوى هذه المشاعر بعاطفة رقيقة، مستخدمةً المفردات الآتية: الموت، والكبرى، وتلاشي، وتناهي، وعدم، وفراغ، ويموت، وينتهي.
- المجموعة الثانية: تتناول هذه المجموعة الدّواوين الشِّعريّة المُتبقيّة من الدّواوين السّبعة، وهي: أمام الباب المُغلق، والّليل والفرسان، وعلى قمّة الدُّنيا وحيداً، وتمّوز والشّيء الآخر، وتتميّز باحتوائها على المُفرادات المُستخدمة في الحياة اليوميّة؛ لتكون ألفاظ قصائدها مبنيّة على لُغة قريبة من لُغة الشّعب، ولتكون مُشتركة مع جميع الشُّعراء الفلسطينيّين في هذا الباب، وتجب الإشارة إلى أنّ عمليّة إدخال ما يتمّ تداوله من المُفرادت في الكلام العاديّ مع الّلهجة المحليّة تُوجِِد مُعجماً شِعريّاً خاصّاً، كذلك ممّا اشتهرت به فدوى في هذه المجموعة استخدامها للمُفردات التي تتعلّق بالوطن على صورة رمزيّة، وأخرى مُباشرة؛ للتّعبير عن العلاقة القويّة بين الإنسان ووطنه، كذلك لتصوير معاني (التّضحية، والشّهادة، والفداء، بالإضافة إلى الصّمود والنّصر)، ويمكن تقسيم هذه المجموعة بحسب ما تُعبّر عنه كما يلي:
- الحالة الأولى: تتضمّن هذه الحالة التّعبير عن مظاهر الطّبيعة، حيث استخدمت فدوى ما يُعبّر عنها بمفردات، مِثل: شمس، وسماء، ورعد، ومطر، وعاصفة، وريح، وعنان، ودُخان، وصاعقة، وطُوفان.
- الحالة الثّانية: تناولت هذه الحالة المُفردات المُرتبطة بالإنسان وما يرتبط به، كذلك ما يُحدِّد شخصيّته، مِثل: الأمّ، والأبّ، والرّجل، والمرأة، والطّفل، والصبيّ، والبشر، والإنسان، والفلسطينيّ، والعربيّ، والشعب، والأمّة.
- الحالة الثّالثة: تتعلّق هذه الحالة بما يرتبط بالزّمان، مِثل: الّليل، والعام، والنّهار، واليوم، والأسبوع، والشّهر، والسّنة، والقرن، والصّباح، والمساء، والخريف، والرّبيع، والشّتاء، والصّيف.
- الحالة الرّابعة: تحتوي هذه الحالة على المُفردات التي تتعلّق بطبيعة الأرض، مِثل: الورد، وبِذار، وشجر، وحصاد، وزهر، وقمح، وزيت، وبرتقال، وبيرة، وجذور.
ظهور الّلغة الرّافضة في شِعر فدوى طوقان
يُعدّ استخدام الّلغة المُتناوِلة لأسلوب الرّفض -بحيث تكون لغة مُتمرّدة- من الأحوال الواقعة في الفنّ بشكل عامّ، والأدب بشكل خاصّ، كما تختلف في وُرودها بشكل إبداعيّ يتّسم بالوُضوح، أو بشكل خفيّ لا يَبيْن، وذلك باختلاف الأديب الذي يستخدمها، وأسلوبه، بالإضافة إلى منهجه الفِكريّ والفنيّ، ويجب الإشارة إلى أنّ البيئة الحياتيّة والمُلابسات الواقعة في حياة الأديب من العوامل التي تُحدِّد ظهور لُغة الرّفض في أدب الشّاعر، وهذا كحال الشّاعرة فدوى طوقان؛ فقد نشأت في بيئة يمكن وصفها بالذُكوريّة، بحيث ترفض وجود المرأة الحُرّة، وتضعها تحت تقييد اجتماعيّ يقوم على تضييق حُريّتها في التّعبير عن آرائها، والمشاعر الخاصّة بها، ورغباتها الخفيّة، هذا إلى جانب ما أوجده الواقع السياسي المعاش من محن نفسيّة، وفِكريّة، وثقافيّة، ممّا أثار عاطفة الشّاعرة الداعية إلى الرّفض والتّمرّد بكلّ ما تحويه هذه المُفردات من المعاني، أمّا بالنّسبة لأشكال الرّفض في شِعر فدوى فقد تمثّل في عدّة أشكال، هي:
- الرّفض الميتافيزيقيّ: هو الرّفض الذي يميل إلى كونه رفض "التّأمل" وليس الرّفض القائم على "المواجهة"، كما يُمكن وصفه بأنّه رفضٌ تأمُليّ للظّواهر الوُجوديّة من خلال طرح العديد من الأسئلة المُتاضدّة، وهذا لا يجعل منه رفضاً سلبيّاً أو عبثياً أو يائساً، ويجب الإشارة إلى أنّ شِعر فدوى المتافيزيقيّ يحمل في ثناياه مفهوم "الانفصال" عن الواقع في موضوعه، مع مُصاحبته لسؤال مُهمّ في باطنه عند ذِكره؛ لتصف فدوى من خلاله أحاسيسها ومشاعرها التي تحمل معاني الحيرة والتّمرّد، ويتمثّل كذلك باحتوائه على التّضاد مع المُجتمع والحالة الماديّة فيه، وكأنّ حالها يصف ما يهدم وما يبني في الكون، ويُلاحظ على فدوى استخدام الدّلالات التي تُوحي إلى حدوث صراعيْن، إمّا صراع الدّاخل مع الدّاخل، أو صراع الخارج مع الدّاخل، ومن هذه المُفردات: (يُزعزعني، وتتضارب، يلوب، ولجلجت، ويتنازعات). وفيما يلي مِثال من شِعر فدوى طوقان، بحيث تتناول هذا النّوع من الرّفض الذي يبعث العديد من الأسئلة الخفيّة التي تحمل مُختلف المشاعر التي تُعبّر عن التّمرّد:
قفي، أين تمضين؟ فيم اندفاعك، من ذا ترين بأفق الشّرود
وما هذه؟ رجفة في كيانك ممّا تشدّ عليه القيود
تمرّد روحك في سجنه يريد تحطيم تلك السّدود
ليسمو طليقاً خفيف الجناح وراء الزّمان، وراء الحدود
- الرّفض الاجتماعيّ: هو الرّفض الذي يدعو إلى رفض العادات والقيم الاجتماعيّة الموجودة في المُجتمع سواء كلّها أو مُعظمها، مع عدم الاستسلام لها، أمّا بالنّسبة لِشِعر فدوى طوقان فقد تناول هذا النّوع من الرّفض لِما قاسته المرأة من القيود الاجتماعيّة، وفيما يلي مِثال على هذا الرّفض من شِعرها:
وقفت بجدرانه العابسات
وقد عفّرت بتراب القرون
وصحت بها: يا بنات الظّلام
لعنت؛ احجبي نور حريتي
وسدّي عليّ رحاب الفضاء
ولكن قلبي هذا المغرّد
لن تطفئي فيه روح الغناء
ويا بدعه الظّلم والظّالمين
- الرّفض السّياسيّ: هو الرّفض لكلّ الأحداث والنكبات التي تمسّ الوطن ، وقد ظهر في شعر فدوى طوقان الحديث عن مأساة الشّعب الفلسطينيّ، فمُعظم القصائد التي نظّمتها تحمل الكثير من الإشارات الدّاعية لرفض الطُّغيان والعُدوان، هذا بالإضافة إلى دفاعها عن الأنثى الفلسطيينة على وجه الخصوص، ومن الأمثلة الشعرية على هذا النوع من الرفض ما قالته في قصيدة (أمام شُبّاك التّصاريح):
حنظلاً صرت، مذاقي قاتلٌ
حقدي رهيب، موغلٌ حتى القرارْ
صخرةٌ قلبي وكبريتٌ وفوَّارةُ نارْ
ألف (هند) تحت جلدي
جوع حقدي
فاغرٌ فاه، سوى أكبادهم لا
يُشبعُ الجوعَ الذي استوطن جلدي
السّمات التّركيبيّة في شِعر فدوى طوقان
التّكرار
يُعدّ التِّكرار من الخواصّ الشِّعريّة التي تقع في أشكال عديدة ومُعيّنة، وتتنوّع معاني التّكرار بحسب الشّكل الوارد فيه؛ فالتّام منه يقوم بالتّركيز على معنى مُعيّن ويجعل منه جوهرة النّص الشِّعريّ، أمّا إذا أُضيفت له ألفاظ أخرى، فتستعمل للزّيادة على المعنى الأوّل؛ ليُصبح أكثر شموليّة، ويجب الإشارة هُنا إلى أنّ أهميّة التِّكرار تكمُن في تحريك النّص، وكشف مقاصده، وتأويلاته التي لا يتمّ إدراكها إلّا من خِلاله، مع مُناسبة التِّكرار للألفاظ الشِّعرية الواردة، هذا ويشار إلى أنّ التِّكرار في شِعر فدوى طوقان ينقسّم إلى أربعة أقسام، هي:
- التّكرار الصّوتيّ: يُعتبر هذا الشّكل من أشكال التِّكرار الأكثر انتشاراً في شِعر فدوى طوقان، وهو إيراد الصّوت (الحرف) وترديده خِلال فتراتٍ زمنيّةٍ قريبةٍ من بعضها، ليُحدِث نوعاً من التّناسق في الإيقاع والإيحاء، أمّا إذا تمّ إيراده كتكرار عاديّ أي؛ كصوت عشوائيّ غير مدروس في أماكن تواجده، سينُتج حالة فيزيولوجيّة دون إضفاء أيّ قيمة للنّص الشِّعريّ، ومِثال التِّكرار الصّوتي في شِعر فدوى طوقان، تِكرار صوت "الفاء" في مطلع الأبيات في قصيدة (أنشودة الصّيرورة)، إذ قالت فيها:
ترنو وتحدّق في الأشياءْ
في قمر يسطع، في شعلهْ
في رش رذاذ تنعفه نافورة ماء
في قطّ يربص.. في عصفور ينفض أجنحةً مبتلّهْ
يتلفت، يجفل، يخطف ظلّهْ
ويطير إلى ذروة نخلهْ!
- التّكرار الّلفظيّ: يُعدّ هذا التِكرار الأبسط من بين الأنواع الأخرى، كما أنّه الأكثر انتشاراً عند أهل الشِّعر القديم ، والحداثيّة كذلك، أمّا بالنّسبة لمعناه، فيكمُن في التّركيز على "لفظة" مُعيّنة، واستخدامها لإيجاد حالةٍ بيانيّةٍ وجماليّةٍ ونفسيّةٍ، تُضفي على النّص أبعاداً درامية بتكرارها، ومِثال التكرار اللفظي في شِعر فدوى طوقان:
حريّتي!
حريّتي!
حريّتي!
صوتٌ أرددهُ بملء فم الغضبِ
تحت الرّصاص وفي الّلهبِ
وأظلُّ رغم القيد أعدو خلفها
وأظلُّ رغم الّليل أقفو خطوها
وأظلُّ محمولاً على مدّ الغضب
وأنا أناضل داعيًا حريّتي!
حريّتي!
حريّتي!
- تكرار العبارة: يتمثّل هذا النّوع من التِّكرار بكونه الأكثر أهميّة وقيمة لدى أهل النّقد والشِّعر؛ لِما يحمله من قدرة بالغة على إيراد القصيدة كوحدة واحدة، مع جذب انتباه قارئ القصيدة ومُتابعته لها، ويكون هذا التّكرار بإعادة ترديد الجُملة في أكثر من موقع في النّص الشِّعريّ، ليكون التّوزيع لهذا التّكرار مقصوداً ومُنظّماً؛ فيتمّ وضعها في البدايات، والنّهايات، وبينهما كذلك؛ لتظهر القصيدة ذات طابع ونسيج واحد، أمّا بالنّسبة لوُجود هذا التِّكرار في شِعر فدوى طوقان، فقد أوردت تِكراراً لجُملة (وحياتي تستمرّ) في المقطع الشِّعريّ الأخير من قصيدة (إلى الوجه الذي ضاع في التّيه)، إذا قامت بتكرارها في مواضع مُعيّنة، وفيما يلي الأبيات:
آه: عشرون قمر
مرَّ عشرون قمر
وحياتي تستمرّ
وغيابك
كحياتي يستمرُّ
ومعي ذاكرةٌ واحدة إلّا: وجه بلادي
وجهها الحلو يغطّي كلّ قلبي
......
وحياتي تستمرُّ
وتلفُّ الرّيح أيامي على الدّرب العصيّ
مع شعبي، ويلاقينا على حافاتِهِ -
صخرٌ وأشواكٌ وصَلْبُ
وحياتي مع شعبي تستمرُّ
- التّكرار المقطعيّ: هو التِّكرار الذي يعتمد على إيراد مقطعٍ مُعيّنٍ في مواضع مختلفة في النّص الشِّعريّ ؛ لترسيخ أبعاد التجربة الشعورية، وإيجاد حالة من التّناغم الإيقاعيّ داخل النّص، وليكون بذلك حلقة ربط بين الأجزاء المُختلفة للقصيدة، خاصّة إذا اتّسمت بالطّول؛ لإبقاء ذهن القارئ مع المعنى الأساسيّ المقصود الذي تدعو إليه القصيدة، فيسترجع أفكارها السابقة، ولا يسأم من طولها، وفيما يلي أحد الأمثلة من شِعر فدوى طوقان، إذا تتناول فيها موضوع "حُريّة الشّعب"، ما جعلها تكرّر كلمة "حريّتي" لإبقاء فِكرة القصيدة في ذهن القارئ طيلة قراءته للنّص، وفيما يلي الأبيات:
ويردّد النّهر المقدّس والجسور
حريّتي!
والضّفتان تردّدان: حريّتي!
ومعابر الرّيح الغضوب
والرّعد والإعصار والأمطار في وطني
تردّدها معي:
حريّتي! حريّتي! حريّتي!
النّعت
يُعدّ النّعت من السّمات التّركيبيّة التي تُعنَى بتدعيم العِبارة الشِّعريّة، خاصّة تلك التي تفتقر للمعنى، ويمكن توظيفه للقضاء على الفوضى الموجودة في النّص الشِّعريّ من خِلال وُجود "حشد من النّعوت"، أو قد يتمّ استخدامه لإيجاد حالةٍ من المُفاجأة والإثارة، ويجب الإشارة إلى أنّ النّعت لا يعدّ من الإطالات والإسهابات الّلغويّة التي لا داعي لها، إنّما يُوسّع من إدراك القارئ ووعيه لمعاني الألفاظ. أمّا بالنّسبة لفدوى طوقان، فقد أبدعت في إيراد الكثير من النّعوت التي أضافت جمالاً فنيّاً على نصوصها الشِّعريّة، ومِثال ذلك ما قالته في قصيدة (نداء الأرض):
تسهر عن السّياج العتيق
هناك تيقظ وعياً رهيفًا
وحساً عجيب التّلقي دقيق
وفي نفسه كما يزدحم الدّمع
وفي الشّوق و السّورة المفعمة
ورجع نداء ملح قويّ
التّضاد
هو الاختلاف الوارد بين لفظيْن يحملان معنييْن مُختلفين، مِثل قول (جديد ضدّها قديم) وهكذا، ودلالة التّضاد لا تكمن في معنى كلّ كلمة منهما، إنّما في اجتماعهما معاً بعلاقة تربط بينهما، ويجب الإشارة إلى أنّ وُجود الأضداد في النّص الشِّعريّ من الدّلالات التي تُشير إلى الواقع غير المُتّزن الذي تعيشه الشّاعرة؛ إذ تُعبّر عن التّضادّ في مشاعرها لِما مرّت به في حياتها، من "أفراح وأحزان"، وحالات "اليأس والأمل"، وهذا ما جعل سِمة "التّضاد" مُتجليّة في مُعظم قصائد فدوى طوقان، بل في بعض الأحيان قد تكون القصيدة مبنيّة بشكل أساسيّ على الثّنائيات المُتناقضة، كالانتقال من الظّلمات إلى النّور، كذلك الانتقال من الحياة إلى الموت، ومن الماضي إلى المُستقبل، وهكذا، والجدير بالذكر أنّ الانتقال بين الأضداد يخلق حالة من الانتقالات الزّمنيّة التي تصحب القارئ أثناء قراءته، ومِثال هذه السِّمة في شِعر فدوى كلمتيّ (وضوح، وغموض) في قصيدة (الأطياف السّجينة) التي قالت فيها:
تعانق في جوّه العاطفيّ
وضوح السّنى وغموض الضّلال
مشت ريشة الفنّ في أفقه
التّناص
يُعرّف التّناص بأنّه "تقاطع" يحدث داخل نصّ لإيجاد نصّ آخر، علماً أنه يقع في أربعة أوجه، هي:
التّناص الدّينيّ
تُعتبر النّصوص الدّينيّة -على مرّ العصور- مصدراً أساسيّاً عند أهل الأدب خصوصاً لأهل الشِّعر؛ لما يبعثه من إلهامات لذِهن الشّاعر سواء في المواضيع أو الصّور الفنيّة، وهذا ما يجعل التّراث الدّينيّ مرجعيّة غزيرة بالدّلالات القويّة والفعّالة عند توظيفه ضمن القصيدة العربيّة؛ وذلك لقدرته على التّأثير في الإنسان من خِلال إشباع رغباته في حبّ المعرفة، مِثل أخذ الأحداث الكونيّة من التّراث الدّينيّ ثمّ تفسيرها بطرق مُتنوعة على شكل قصيدة، ومِثال ذلك في شِعر فدوى طوقان توظيفها لآية ( فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) في كتابتها لقصيدة (قصيدة سلمى)؛ إذ قالت فيها:
ماذا أقول لها، تحيا على رمقي
أفراحها لم تعش إلّا على الحرق
الموت راودها دهراً وغافلها
واقتص آثارها في آخر الأفق
التّناصّ الشِّعريّ
هو العودة إلى الآثار الشِّعريّة من الشِّعر والشُّعراء؛ لتوظيف كلامهم وأدبهم بطريقة أكثر حيويّة في قصيدة جديدة تحمل إضافات أكثر من الأولى، ويكون التّناص الشِّعريّ بطُرق مُختلفة، مِثل أخذ كلام الشُّعراء السّابقين بطريقة دون تجديد أو تطوير فيه، أو من خلال الأخذ بالشِّعر القديم ثم العمل على إحيائه مرّة أخرى، أمّا الطّريقة الثّالثة فتتمثّل في إخضاع الشِّعر القديم إلى تجربة الشّاعر الشّخصيّة؛ ليظهر النّص الجديد بحُلّة تُلائم شِعره وتُعاصره. أمّا بالنّسبة لوُرود هذا التّناص في شِعر فدوى طوقان، ففي قصيدة لها اسمها (لن أبكي)، يظهر التّناصّ الشِّعريّ مع مُعلّقة امرئ القيس التي مطلعها (قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ)؛ إذ تقوم الشّاعرة في إظهار تفاعل قصيدتها مع المُعلّقة بعنوان القصيدة التي اختارته، والتي تقابل فيها قول امرئ القيس (قِفا نبكِ)، وفيما يلي الأبيات:
وقفت وقلت للعينين: يا عينين
قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدّار
وتنعي من بناها الدّار
التّناصّ التّاريخيّ
هو التّداخل الحاصل بين النّصوص التّاريخيّة القديمة أو الحديثة مع النّصّ الشِّعريّ؛ بحيث يكون التّداخل مُتناغماً ومُنسجماً مع الفِكرة المُراد إيصالها من قِبل الشّاعر، وهذا ما تقوم به فدوى طوقان في نصوصها الشِّعريّة؛ حيث توظف النّصوص الماضية بأحداثها، وإثاراتها، لتنقل الفكرة إلى الحاضر مُعيدةً كِتابتها بشكل يندمج مع عصرها، بل مع إعطاء تصوّر حول المُستقبل كذلك، ويجب الإشارة إلى أنّ التّناص التّاريخيّ لا يُبقي الشّخصيّات التّاريخيّة ضمن حدودها التّاريخيّة، إنّما يتمّ التّوسع في أبعادها المعنويّة؛ لتكون قادرة على الاندماج مع الحاضر والتّعبير عن قضاياه، أمّا بالنّسبة لأثر هذا التّناص في شِعر فدوى ما ذَكَرته في قصيدة (آهات أمام شبّاك التّصاريح عند جسر النّبيّ)؛ فقد تفاعلت مع قصّة الخليفة هارون الرّشيد والمرأة التي طلبت نجدته بقولها (وامُعتصماه)، حيث حرك الرّشيد جيشاً كاملاً من أجلها، وكأنّ دلالة الشّاعرة هُنا برغبتها في وجود خليفة كالرّشيد لتُناجيه، ولأنّ هذه القصّة تُعدّ رمزاً للنّخوة، استخدمتها في موضعها، ويُلاحظ ذلك من الأبيات التي قالت فيها:
آه، إنسانيّتي تنزف، قلبي
يقطر المُرّ، دمي سمّ ونار
(عرب، فوضى، كلاب)!
آه، وامعتصاه
التّناصّ الأسطوريّ
يتباين الشُّعراء في اختيار الأسطورة لتوظيفها في أشعارهم من النّاحية الفنيّة، وقد حصلت الأسطورة على اهتمام المُعاصرين من شُعراء الأدب العربيّ والغربيّ كذلك، وكانت فدوى طوقان من الشّاعرات الّلواتي أتقنَّ استخدامها في الشِعر؛ إذ تقوم على توظيف الأسطورة بطرق مُتنوعة، وتعمد إلى استخدامها في تفسيرها لأحداث الحياة والمظاهر الطّبيعيّة على اختلافها، ولتوضيح التّطوّر الحاصل في الحياة الإنسانيّة، وأيضاً للتّعبير عن طموحاتها، وهُموم المرأة ومُعاناتها، بالإضافة إلى عنايتها بالعادات الاجتماعيّة، ومن الأساطير التي وظّفتها في نصوصها الشِّعريّة:
- أسطورة تموز أو أدونيس.
- أسطورة سيزيف.
- أسطورة العرافة الدّهرية سبيل.
- أسطورة أوديب.
- أسطورة جلجامش.
ملامح الرّومانسيّة في شِعر فدوى طوقان
يتميّز الشِّعر الرّومانسيّ بتّحرره من التّصوير التّقليديّ، مع العمل على تجديد ما يُفضي إلى إحياء الشّكل والمضمون للنّص الشِّعريّ، واستعمال أساليب الرّوايات والقصص في نظم القصائد، مع دمج النّص الشِّعريّ الجديد بالتأمُلّات الفلسفيّة، والجماليّة، والفكريّة، وإيجاد كلّ ما هو جديد من الموضوعات التي لم تكن معروفة قديماً؛ ليتمّ إدخالها ضمن النّص الشِّعريّ، وفي شعر فدوى طوقان توجد العديد من ملامح الرّومانسيّة ، من أبرزها:
الطّبيعة
الطّبيعة من الملامح الرّومانسيّة التي اعتمدت عليها فدوى طوقان في شِعرها كغيرها من شُعراء الحركة الرّومانسيّة، وتتمثّل بمُناجاة عناصر الطّبيعة المُختلفة (الأشجار، والأزهار، والأنهار، والنّجوم، وأمواج البحر)؛ لتسلية النفس، وبثّ الأحزان والهموم، ويُلاحظ في شِعر فدوى العلاقة القويّة مع الطّبيعة؛ فقد كانت الطّبيعة الوجه الذي تختبئ خلفه، وتُخفي مشاعرها من خِلالها، ومن مظاهر هذا التّأثّر ديوانها الأوّل (وحدي مع الأيّام)؛ وما يحمله من عناوين (مع المروج، وخريف ومساء، والشّاعرة والفراشة، وأوهام في الزّيتون، ومع سنابل القمح، وليل وقلب، وأنا وحدي مع الّليل، وفي سفح عيبال، والرّوض المُستباح)، ومن شِعرها في قصيدة (مع المروج):
هذي فتاتك يا مروج فهل عرفت صدى خطاها
- عادت إليك مع الرّبيع الحلو مثوى صباها
التّأمل
يُقصد بالتّأمّل هُنا هو تأمّل الحياة الكونيّة والموت، ويُعدّ -مع كونه اتجاهاً فلسفيّاً- أحد أسباب ظهور الحركة الرّومانسيّة، ويظهر الجانب الفلسفيّ في شِعر فدوى طوقان من خِلال الصّيغ الفلسفيّة مِثل صيغ الجدل، والاستفهام ، والخبر؛ لإعطاء تجسيد حقيقيّ للفكرة المُرادة، وبرأي فدوى تتمثّل فِكرتها في "مأساة الوُجود" وكيف ينتهي الحال بها إلى فلسفة أخرى هي "فلسفة الموت"، ويظهر ذلك جليّاً في قصيدتها (الخريف والمساء)؛ إذ قالت فيها:
آه يا موت! ترى ما أنت؟ قاسٍ أم حنون؟
- أبشوش أنت أم جهمٌ ؟ وفيٌّ أم خؤون ؟!
المرأة والحُبّ
ظهر في شعر فدوى وصف لمعاناة المرأة في المجتمعات، كونها شاهدةً على الأحداث والأزمات التي مرت بها، فقد ذكرت في شِعرها واصفة الفرق بين حياة الذُّكور والإناث بقولها:
أنت روح طائر يشدو علی كلّ الغصون
- يرتوي من مخرة الحُبّ ومن نبع الفتون
وأنا روح سجني قصت الدّنيا جناحي
- نغمى ينبيك عنّي، عن مدی عمق جراحي
أمّا بالنّسبة لقضيّة الحُبّ الذي نادت به الشّاعرة فدوى، فقد كان رمزاً للبقاء والاستمرار في الحياة، حيث وصفت مشاعر الحبّ دون اشتراط وُجود شخص مُحدّد؛ فمرّة تكون في حالة من إنكار الحُبّ، ومرّة مليئة بالّلهفة، وأخرى تعترف به، وهذه الطّريقة جعلتها قادرة على التّعبير عن مشاعرها بصورة أكثر دقّة وهدوء، ويظهر ذلك في شِعرها في قصيدة (هو وهي) التي عبّرت من خِلالها عن معاناة المرأة الفلسطينيّة من خلال قصيدة مكتوبة على شكل صورة قصصيّة حول امرأة التقت بشخص مُناضل في منطقة تقع على ضِفاف النّيل وكيف انتهى أمرهما إلى الحُبّ.
الشّكوى من الظّلم المجتمعي
وصفت فدوى في كثير من أبيات شعرها المشاكل والآلام التي عانى منها المُجتمع؛ لإحياء البشريّة والإنسانيّة والمُضيّ قُدماً نحو العدالة الاجتماعيّة، ومِثال ذلك ما ذكرته في قصيدة (مع سنابل القمح) التي قالت فيها:
كم بائس، كم جائع، كم فقير
- يكدح لا يجني سوى بؤسه
ومُترَفٍ يلهو بدنيا الفجور
- قد حصر الحياة في كأسه
الحزن
يُعتبر الحزن من الملامح التي لم تُفارق شِعر فدوى طوقان منذ بداية نظمها، وحتّى تحوّلها إلى أنماط الشِّعر الأخرى؛ إذ كانت معاني الحُزن مُرافقة لها، ما جعل طابع الكآبة والوحشة طاغياً على شِعرها، إذ كانت تعبّر من خلاله عن نفسها ومخاوفها، ومن القصائد التي نقلت فيها مشاعرها الحزينة قصيدة (في المدينة الهرمة)، حيث سلّطت الضوء على مشاعر الوحدة، والغُربة، والتّشرّد مع أنّها كانت تسكن في إحدى العواصم الغربيّة، وفي ذلك قالت:
وتلقفني في المدينة هذي الشوارع
ويكتسح المدُّ هذي الشوارع والأرصفة
تحاصرني وحدتي
كلّنا في حصار التّوحد
وحيدون نحن نمارس لعبة هذه الحياة
المواضيع الشِّعريّة عند فدوى طوقان
الحزن على موت أخيها إبراهيم
يتجلّى حُزن فدوى طوقان على أخيها (إبراهيم طوقان) في الكثير من المواقف، منها ما كانت تكتبه في صفحة "الإهداء" في جميع دواوينها قائلةً: "إلى روح أخي إبراهيم"، وكتابها الذي ألفته عام 1946م تحت عنوان: (أخي إبراهيم)، هذا إلى جانب العديد من القصائد التي رثته فيها خاصّة في قصائد ديوان (وحدي مع الأيّام). ومن القصائد التي خصّت فيها إبراهيم طوقان قصيدتها التي كتبتها تحت عنوان (إلى أخي):
لقد زاد في قلبي اشتياقي من البعد
- فهل عند إبراهيم مثل الذي عندي
أقول لعين تشتهي النّوم كفكفي
- دموعك قبلا تستريحي من السُّهد
ألا ليت شعري هل تجيء ديارنا
- فيذهب ما يلقاه قلبي من الوجد
التّجربة الأنثويّة
تُعدّ التّجربة الأنثويّة للشّاعرة فدوى طوقان من المواضيع التي تناولتها وأعطتها اهتماماً كبيراً؛ لكونها فتاة تعيش ضمن مجُتمع تحكمه التّقاليد، وما يجعل شِعر فدوى مُميّزاً، هي الطّريقة التي تناولت فيها المشاعر الحقيقيّة التي تراود الأنثى ، إذ لم يقتصر شِعرها في الجانب الأنثويّ على الأمور المُتعلّقة بالوُجدانيّات والحنين، إنّما ضمّ الكثير من الصّور الحِسيّة المُختلفة التي واجهت الأنثى لفهم الكون والحياة مع ظهور الحركات الفِكريّة الحديثة. والجدير بالذِّكر أنّها كانت تدعو في قصائدها إلى فِكرة تحرر المرأة، وإعطائها حقوقها، فأصبح شِعرها الذي يقف بجانب المرأة محطّ اهتمام العديد من النّساء الّلواتي يُشاركنها التّفكير نفسه، ومنهنّ الأديبة (وداد السّكاكينيّ) التي قالت فيها: "لقد حملت فدوى طوقان رسالة الشِّعر النسويّ في جيلنا المُعاصر".
الشِّعر الوطنيّ
يتناول الشِّعر الوطني لفدوى طوقان ما يتناوله شِعر المقاومة الفلسطينيّ عامّة، لكنّ فدوى خصّت إبراز مُقاومة المرأة تجاه وطنها؛ إذ نقلت صورة المرأة الأمّ في التّضحية، والمرأة المُجاهدة التي تُشارك الرِّجال ساحة النّضال، بالإضافة إلى المرأة الّلاجئة التي تبحث عن نفسها، ويجب الإشارة إلى أنّ فدوى نشأت في مدينة نابلس التي كانت النّساء فيها على الدّرجة نفسها مع الرَّجُل في المعاناة التي صنعتها الحروب، وهذا ما جعلها تصوّر هذه الأحداث في شِعرها عن الآلام النّضاليّة مع الأحلام الطّامحة، ليكون شِعرها حاملاً لتاريخ جيل المُناضلين وهمومهم الوطنيّة الواحدة.
والجدير بالذِّكر أنّ المُتأمّل في شِعر فدوى الوطنيّ يرى تميّزه بالوعي واليقظة تجاه الوضع السّياسيّ للوطن؛ لما فيه من تسلسل للأحداث مع مواكبتها للتطّورات، كما قامت بإيراد التّساؤلات التي تحثّ قارئها على البحث عن الإجابات، ومِثال ذلك ما كتبته في ديوان (الّليل والفرسان) الذي رثت فيه الشّهيد (مازن أبو غزالة) بإحدى قصائدها، كذلك الشّهيدة (منتهى حورانيّ) التي قالت فيها قصيدة تحت عنوان (جريمة قتل في يوم ليس كالأيّام):
بغرفتها أمّها المتعبة
تلملم أوراقها المدرسيّة
حذار العدى يا بنيه
فعين العدو تصيب
وما كذب القلب. كان عدوّ الحياة يطاردها في المسيرة
تعريف بالشّاعرة فدوى طوقان
فدوى طُوقان الشّاعرة الفلسطينيّة، أو كما سمّاها أخوها شاعر فلسطين العظيم ( إبراهيم طوقان ) "أمّ تمام"، ولدت في نابلس سنة 1917م، تركت حياة الدّراسة، وتحديداً مع انتهاء المرحلة الابتدائيّة، بسبب المجتمع الرافض لانخراط المرأة في الحياة العامة، فعمد أخوها على تدريسها، وحرص على تنمية مواهبها، وتوجيهها نحو الاهتمام بكتابة الشِّعر، وتشجيعها على نشر ما تكتب في العديد من الصُّحف العربيّة، وكانت تلك الظّروف هي التي دعتها إلى العمل على إثراء نفسها ثقافيّاً. والجدير بالذِّكر أنّ فدوى طوقان من أبرز روّاد الإنسانيّة، والمحاربة لكلّ ما هو زائف من المفاهيم والأفكار، ولم تكن إلّا نموذجاً مِثاليّاً للمرأة ذات الإصرار الكبير لحماية ذاتها وإثباتها بطريقةٍ إبداعيّةٍ، بعيداً عن الانهيارات والمُهاجمات الخارجيّة ضدّها.
- لمعرفة المزيد اطّلع/ي: معلومات عن حياة فدوى طوقان