شرح حديث (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)
نص الحديث
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم أجاب جبريل -عليه السلام- حينما أتاه وسأله عن الإحسان: (الإحسان أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)، ونصّ الحديث كاملاً: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ، قالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: ما المَسْئُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وسَأُخْبِرُكَ عن أشْرَاطِهَا: إذَا ولَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ في البُنْيَانِ، في خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآيَةَ، ثُمَّ أدْبَرَ فَقالَ: رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شيئًا، فَقالَ: هذا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ).
معاني المفردات
- بارزاً: ظاهراً.
- الساعة: القيامة.
- أشراطُها: علاماتها.
- الأَمَة: جارية، امرأةٌ مملوكةٌ، عكسها حُرَّة.
- يتطاولون في البنيان: يتسابقون في الطُّول أو الطَّوْل.
المعنى الإجمالي للحديث
يشتمل الحديث شرحاً وافياً للعبادات الظاهرة والباطنة؛ فاشتمل على:
- بيان أصول الدِّين كما أخبر النبيّ -عليه السلام-، فبيّن معنى الإيمان والإسلام و الإحسان ، وذلك حينما جاءه جبريل -عليه السلام- في صورة رجل وأخذ يسأله أمام أصحابه عنها؛ وكان ذلك إنّما ليعلّم النّاس دينهم، فسأله عن:
- الإيمان: ومعناه أنّ يؤمن العبد بالله ويُصدِّق ويُقرّ بوجوده وأنّه -تعالى- متّصفٌ بصفات الكمال منزّهٌ عن صفات النقص، ويؤمن بالملائكة جميعهم، وبالرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- جميعاً وأنّهم صادقون فيما يخبروا به وأنّ محمداً خاتمهم وأنّ الإيمان به واجبٌ على كلّ العالمين، وبالكتب السماوية وأنّها منزّلة من عند الله وأنّ القرآن خاتمها والمهيمن عليها، وأنّه محفوظٌ من التحريف والتبديل، ويؤمن بلقاء الله للمحاسبة وتوفية الجزاء، ويؤمن ببعث الله للناس من قبورهم وقدرته على إحيائهم.
- الإسلام: ومعناه عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة الصلاة بالمحافظة عليها في أوقاتها بكمال شروطها وأركانها، وإعطاء الزكاة حقّها بإخراجها لمستحقيها، وصيام رمضان بنيّة التعبدّ من طلوع الفجر لغروب الشمس.
- الإحسان: ومقصوده أن يعبد العبد الله -تعالى- كأنّه يراه بقلبه فيكون مستحضراً ببصيرته وفكره لذلك المقام، فإن صَعُب عليه هذا وشقّ انتُقل إلى مقامٍ آخرٍ؛ وهو أن يعبد الله وكأنّه يراه.
- بيان ما يتعلق بوقت قيام الساعة، فأخبره أن وقت قيامها إنّما هو ممّا استأثره الله بعلمه، ثمّ تلا عليه آياتٍ تدّل على أنّ علم الغيب إنّما هو لله وحده، فأخبره عن علامات قرب وقوعها وهي أن يكثر العقوق حتى يعامل الولد أُمَّهُ معاملة الخادمة، وأن يتسابق رعاة الإبل في طول بنيانهم إشارةً إلى أنّهم يصبحون ملوكاً وأغنياء، ثمّ انصرف السائل، واختفى أثره وكان سؤال النبيّ -عليه السلام- عنه للصحابة إشارةً لهم؛ ليتفطّنوا إلى أنّه ملكٌ وليس بشراً.
ما يُستفاد من الحديث
في الحديث مجموعة من الفوائد يُذكر بعضها آتيًا:
- دلالةٌ على أنّ الإيمان والإسلام إن ذكرا في موضعٍ واحدٍ دلّ كلّ واحدٍ منهما على معنى مختلفٍ.
- دلالةٌ على قدرة تشكّل الملائكة في صورة بشرٍ.
- بيان عِظَم مراقبة الله -تعالى- و الإخلاص في العمل .