شعر علي بن الجهم أحد أعلام العصر العباسي الثاني
شعر علي بن الجهم أحد أعلام العصر العباسي الثاني
يُعد علي بن الجهم واحدًا من الشعراء العباسيين الفحول الذين ذاع صيتهم في الأدب العربي ، واسمه هو علي بن الجهم بن بدر، يعود نسبه إلى قبيلة سامة من بطون لؤي بن غالب، وقد كان شاعرًا مُجيدًا رقيق الشعر.
كان معاصرًا لأبي تمّام الشاعر المشهور وقد قرّبه الخليفة المتوكّل ثمّ غضب عليه بسبب وشاية ونفاه، وقد أقام بعد النفي في خراسان ثمّ حلب، وخرج في أواخر حياته يريد الغزو فاعترض طريقه بعض قاطعي الطريق وقاتلوه هو ومن معه ومات على إثر جراح أصابته آنذاك وكان كبيرًا في السن، وكانت وفاته نحو سنة 249هـ.
من أهمّ الخصائص التي ينطوي عليها شعر علي بن الجهم هو جزالة الألفاظ والطبع؛ فهو من الشعراء الذين لا يتكلّفون لألفاظهم وتراكيبهم كي تأتي، بل يجيء بالمعنى بأوضح سبيل وأيسر طريق، وتكاد الصنعة البيانيّة تغيب في شعره، وما وجدَ منها يكاد يكون عفو الخاطر، ومن شواهد ذلك إغفاله التصريع في مطالع أكثر قصائده شأنه شأن الشعراء المطبوعين.
قال في محبسه قصيدة جعلت ابن المعتزّ يبالغ فيه فيجعله أشعر الناس؛ إذ شبّه نفسه وهو مصلوب عاري الثياب بالسيف المسلول والبدر الطالع، وهذان أجمل ما يكونان وهما عاريان، وكان يسير مع الشعر مسايرة ولا يقتسره اقتسارًا، ويمكن إرجاع أغراض شعره إلى المديح و الرثاء والوصف والغزل والفخر والحكمة و الهجاء .
نماذج من شعر علي بن الجهم
من نماذج الأشعار التي قالها علي بن الجهم ما يلي:
قصيدة عيون المها بين الرصافة والجسر
قال علي بن الجهم في قصيدته هذه:
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
- جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
- سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
- تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
- تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ
- وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري
أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ
- وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ
صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما
- روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ.
قصيدة هي النفس ما حملتها تتحمل
قال علي بن الجهم في قصيدته هذه:
هِيَ النَفسُ ما حَمَّلتَها تَتَحَمَّلُ
- وَلِلدَّهرِ أَيّامٌ تَجورُ وَتَعدِلُ
وَعاقِبَةُ الصَبرِ الجَميلِ جَميلَةٌ
- وَأَفضَلُ أَخلاقِ الرِجالِ التَفَضُّلُ
وَلا عارَ أَن زالَت عَن الحُرِّ نِعمَةٌ
- وَلكِنَّ عاراً أَن يَزولَ التَجَمُّلُ
وَما المالُ إِلّا حَسرَةٌ إِن تَرَكتَهُ
- وَغُنمٌ إِذا قَدَّمتَهُ مُتَعَجَّلُ
وَلِلخَيرِ أَهلٌ يَسعَدونَ بِفِعلِهِ
- وَلِلناسِ أَحوالٌ بِهِم تَتَنَقَّلُ
وَلِلهِ فينا عِلمُ غَيبٍ وَإِنَّما
- يُوَفِّقُ مِنّا مَن يَشاءُ وَيَخذُلُ.
قصيدة متى عطلت رباك من الخيام
قال علي بن الجهم في قصيدته هذه:
مَتى عَطِلَت رُباكِ مِنَ الخِيامِ
- سُقيتِ مَعاهِداً صَوبَ الغَمامِ
لَأَسرَعَ ما أَدالَتكِ اللَيالي
- وَأَخلَت عَنكِ عائِرَةَ السَوامِ
وَقَفتُ بِها عَلى حِلَلٍ بَوالٍ
- تُعَفّيها السَوافي بِالقَتامِ
فَقُلتُ لِفِتيَةٍ مِن آلِ بَدرٍ
- كِرامٍ وَالهَوى داءُ الكِرامِ
قِفوا حَيّوا الدِيارَ فَإِنَّ حَقّاً
- عَلَينا أَن نُحَيّي بِالسَلامِ
حَرامٌ أَن تَخَطّاها المَطايا
- وَلَم نَذرِف مِنَ الدَمعِ السِجامِ.
قصيدة قالوا أتاك الأمل الأكبر
قال علي بن الجهم في قصيدته هذه:
قالوا أَتاكَ الأَمَلُ الأَكبَرُ
- وَفازَ بِالمُلكِ الفَتى الأَزهَرُ
وَاِكتَسَتِ الدُنيا جَمالاً بِهِ
- فَقُلتُ قَد قامَ إِذاً جَعفَرُ
ذاكَ الَّذي كانَت إِلى مُلكِهِ
- أَبصارُنا طامِحَةً تَنظُرُ
الآنَ فَليَهنَ لَذيذُ الكَرى
- مَن كانَ تَأميلاً لَهُ يَسهَرُ
يا وارِثَ الأَرضِ الَّذي أَصبَحَت
- أَقطارُها مِن نورِهِ تَزهَرُ
قَد كانَ مُشتاقاً إِلى خُطبَةٍ
- مِنكَ سَريرُ المُلكِ وَالمِنبَرُ
فَأَصبَحا قَد ظَفِرا بِالَّتي
- ما مِثلُها غُنمٌ لِمَن يَظفَرُ
يا شَهرَ ذي الحِجِّةِ قَد أَصبَحَت
- تُشبِهُكَ الأَيّامُ وَالأَشهُرُ
ما مِثلُ نُعماكَ عَلَينا بِهِ
- إِلّا الَّذي كانَ وَلا يُذكَرُ
لا زِلتَ لِلناسِ حَديثاً بِما
- أَسدَتهُ أَيّامُكَ ما عُمِّروا.
قصيدة طال بالهم ليلك الموصول
قال علي بن الجهم في قصيدته هذه:
طالَ بِالهَمِّ لَيلُكَ المَوصولُ
- وَاللَيالي وُعورَةٌ وَسُهولُ
وَاِنقَضى صَبرُكَ الجَميلُ وَما يَبـ
- ـقى عَلى الحادِثاتِ صَبرٌ جَميلُ
أَيقَنَت مِرَّةُ الحَوادِثِ أَن لَيـ
- ـسَ إِلى الانتِصارِ مِنها سَبيلُ
فَهيَ تُبلي وَتسَتَجِدُّ وَتَستَبـ
- ـدِلُ مِنّا وَلَيسَ مِنها بَديلُ
كَلُّ شَيءٍ إِذا اِعتَلَلتَ عَليلُ
- وَشَكاةُ الإِمامِ خَطبٌ جَليلُ
أَيُّ خَطبٍ أَجَلُّ مِن أَن يُرى جِسـ
- ـمُكَ قَد مَسَّهُ الضَنى وَالنُحولُ
كادِتِ الأَرضُ أَن تَميدَ لِشَكوا
- كَ وَكادَت لَها الجِبالُ تَزولُ
وَاِستَحالَ النَهارُ وَاللَيلُ حَتّى
- كادَ أن يَسبِقَ الغُدُوَّ الأَصيلُ
وَرَأَيتُ الأُمورَ حَسرى كَليلا
- تٍ وَهَل يَلبَثُ الحَسيرُ الكَليلُ
وَسَلا مُغرَمٌ وَلَيسَ بِسالٍ
- وَتَجافى عَنِ الخَليلِ خَليلُ.