شعر عراقي حزين
قصيدة سفر أيوب
يقول الشاعر العراقي بدر شاكر السياب :
- لك الحمد مهما استطال البلاء
- ومهما استبدّ الألم،
- لك الحمد، إن الرزايا عطاء
- وإن المصيبات بعض الكرم
:ألم تُعطني أنت هذا الظلام
- وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
- فهل تشكر الأرض قطر المطر
- وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
- شهور طوال وهذي الجراح
- تمزّق جنبي مثل المدى
- ولا يهدأ الداء عند الصباح
- ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
- ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
- «لك الحمد، إن الرزايا ندى،
- وإنّ الجراح هدايا الحبيب
- أضمّ إلى الصّدر باقاتها
- هداياك في خافقي لا تغيب،
- هداياك مقبولة، هاتها!»
- أشد جراحي وأهتف
- بالعائدين:
- «ألا فانظروا واحسدوني،
- فهذى هدايا حبيبي
- وإن مسّت النار حرّ الجبين
- توهّمتُها قُبلة منك مجبولة من لهيب».
- جميل هو السّهدُ أرعى سماك
- بعينيّ حتى تغيب النجوم
- ويلمس شبّاك داري سناك
- جميل هو الليل: أصداء بوم
- وأبواق سيارة من بعيد
- وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
- أساطير آبائها للوليد
- وغابات ليل السُّهاد، الغيوم
- تحجّبُ وجه السماء
- وتجلوه تحت القمر
:وإن صاح أيوب كان النداء:
- «لك الحمد يا رامياً بالقدر
- ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء!»
قصيدة مبادلة العواطف
يقول الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري:
يا أخا البلبل رفقاً
- هجت لي وجداً وذكرا
لمت في أمري ولو
- أستطيع ما أخفيت أمرا
أنت لو تعلم ما
- يلهب نفسي، قلت عذرا
كان لي سر ولكن
- بك قد أصبح جهرا
قد طويت الحزن أزمانا
- فخذه اليوم نثرا
أنا ما غردت لو أني
- رضيت العيش أسرا
أنا ما لجلجت في أغنيتي
- لو كنت حرا
أنا أخشى النفع إن
- جاهرت فيه كان ضرا
غالط الوجد وسل القلب
- وادع الحزن شعرا
فأنا ذاك الفتى يطلب
- بعد "الخمر" "أمرا"
وسيبدو لك ما تهواه
- من أمري، فصبرا
قصيدة لنفترق
تقول الشاعرة العراقية نازك الملائكة :
- لنفترق الآن ما دام في مقلتينا بريق
- وما دام في قعر كأسي وكأسك بعض الرحيق
- فعمّا قليل يطلّ الصباح ويخبو القمر
- ونلمح في الضوء ما رسمته أكفّ الضجر
- على جبهتينا
- وفي شفتينا
- وندرك أن الشعور الرقيق
- مضى ساخراً وطواه القدر
:لنفترق الآن، ما زال في شفتينا نغم
- تكّبر أن يكشف السر فاختار صمت العدم
- وما زال في قطرات الندى شفة تتغنّى
- وما زال وجهك مثل الظلام له ألف معنى
- كسته الظلال
- جمال المحال
- وقد يعتريه جمود الصّنم
- إذا رفع الليل كفيّه عنّا
- لنفترق الآن، أسمع صوتا وراء النخيل
- رهيبا أجشّ الرنين يذكّرني بالرحيل
- وأشعر كفّيك ترتعشان كأنّك تخفي
- شعورك مثلي وتحبس صرخة حزن وخوف
- لم الارتجاف؟
- وفيم نخاف؟
- ألسنا سندرك عمّا قليل
- بأن الغرام غمامة صيف
- لنفترق الآن، كالغرباء، وننسى الشّعور
- وفي الغد يشرق دهر جديد وتمضي عصور
- وفيم التذكّر؟ هل كان غير رؤى عابرة؟
- أطافت هنا برفيقين في ساعة غابرة؟
- وغير مساء
- طواه الفناء
- وأبقى صداه وبعض سطور
- من الشعر في شفتي شاعره؟
- لنفترق الآن، أشعر بالبرد والخوف، دعنا
- نغادر هذا المكان ونرجع من حيث جئنا
- غريبين نسحب عبء ادّكاراتنا الباهتة
- وحيدين نحمل أصداء قصتنا المائتة
- لبعض القبور
- وراء العصور
- هنالك لا يعرف الدهر عنّا
- سوى لون أعيننا الصامتة
قصيدة لعمرك ما كل انكسار له جبر
يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي :
لعمرك ما كل انكسار له جبر
- ولا كل سّر يستطاع به الجهر
لقد ضربت كفّ الحياة على الحِجا
- ستاراً فعِلم القوم في كنهها نزر
فقمنا جميعاً من وراء ستارها
- نقول بشوق ما وراءك يا ستر
حكت سرحة فنواء نُبصر فرعها
- ولم ندرِ منها ما الأنابيش والجذر
وقد قال بعض القوم إن حياتنا
- كليلٍ وإن الفجر مطلعه القبر
وروح الفتى بعد الردى إن يكن لها
- بقاء وحسّ فالحياة هي الخُسر
وإن رقيت نحو السماء فحبّذا
- إذا أصبحت مأوىً لها الأنجم الزهر
وأعجب شأن في الحياة شعورنا
- وأعجب شأن في الشعور هو الحجر
وللنفس في أفق الشعور مخايل
- إذا برقت فالفكر في برقها قطر
وما كل مشعور به من شؤونها
- قدير على إيضاحه المنطق الحر
ففي النفس ما أعيا العبارة كشفُه
- وقصّر عن تبيانه النظم والنثر
ومن خاطرات النفس ما لم يقم به
- بيان ولم يَنهض بأعبائه الشعر
ويا ربّ فكرٍ حاك في صدر ناطق
- فضاق من النطق الفسيح به الصدر
ويا ربّ فكر دق حتى تخاوصت
- إليه من الألفاظ أعينها الخزر
أرى اللفظ معدوداً فكيف أسومه
- كفاية معنّى فاته العدّ والحصر
وافق المعاني في التصور واسع
- يتيه إذا ما طار في جوّه الفكر
ولولا قصور في اللغى عن مرامنا
- لما كان في قول المجاز لنا عذر
ولست أخُص الشعر بالكَلمِ التي
- تُنظّم أبياتاً كما ينظم الدرّ
وذاك لأن الشعر أوسع من لغى
- يكون على فعل اللسان لها قصر
وما الشعر إلا كلّ ما رنّح الفتى
- كما رنّحت أعطافَ شاربها الخمر
وحرّك فيه ساكنَ الوجد فاغتدى
- مهيجاً كما يستنّ في المرح المُهر
فمن نفثات الشعر سجع حمامة
- على أَيْكة يُشجي المشوق لها هدر
ومن شذرات الشعر حوم فراشة
- على الزهر في روض به ابتسم الزهر
ومن ضحكات الشعر دمعة عاشق
- بها قد شكا للوصل ما فعل الهجر
ومن لمعات الشعر نظرة غادة
- بنجلاء تسبي القلب في طرَفْها فتر
ومن جمرات الشعر رنّة ثاكل
- مفجّعة أودى بواحدها الدهر
ومن نفحات الشعر ترجيع مطرب
- تعاور مَجرى صوته الخفض والنبر
وإن من الشعر ائتلاق كواكب
- بجنح الدجى باتت يضاحكها البدر
وإن لريحانيِّنا شاعرّيةً
- من الشعر فيها أن يقال هي الشعر
وما الشعر إلا الروض أما أميننا
- فريحانه والخلق منه هو النشر
وإن لم يكن شعري من الشعر لم يكن
- لعمرُ النهى للشعر عند النهى قدر
قصيدة آية النسف
يقول الشاعر العراقي أحمد مطر :
- لا تهاجر
- كل ما حولك غادر
- لا تدع نفسك تدري بنواياك الدفينة
- وعلى نفسك من نفسك حاذر
- هذه الصحراء ما عادت أمينة
- هذه الصحراء في صحرائها الكبرى سجينة
- حولها ألف سفينة
- وعلى أنفاسها مليون طائر
- ترصد الجهر وما يخفى بأعماق الضمائر
- وعلى باب المدينة
- وقفت خمسون قينة
- حسبما تقضي الأوامر
- تضرب الدف وتشدو: "أنت مجنون وساحر"
- لا تهاجر
- أين تمضي؟ رقم الناقة معروف
- وأوصافك في كل المخافر
- وكلاب الريح تجري ولدى الرمل أوامر
- أن يماشيك لكي يرفع بصمات الحوافر
- خفف الوطء قليلًا
- فأديم الأرض من هذي العساكر
- لا تهاجر
- اخفِ إيمانك
- فالإيمان ــ أستغفرهم ــ إحدى الكبائر
- لا تقل إنك ذاكر
- لا تقل إنك شاعر
- تب فإن الشعر فحشاء وجرح للمشاعر
- أنت أمي
- فلا تقرأ
- ولا تكتب ولا تحمل يراعا أو دفاتر
- سوف يلقونك في الحبس
- ولن يطبع آياتك ناشر
- امضِ إن شئت وحيدًا
- لا تسل أين الرجال
- كل أصحابك رهن الاعتقال
- فالذي نام بمأواك أجير متآمر
- ورفيق الدرب جاسوس عميل للدوائر
- وابن من نامت على جمر الرمال في سبيل الله: كافر
- ندموا من غير ضغط
- وأقروا بالضلال
- رفعت أسماؤهم فوق المحاضر
- وهوت أجسادهم تحت الحبال
- امضِ إن شئت وحيدًا
- أنت مقتول على أية حال
- سترى غارًا
- فلا تمشِ أمامه
- ذلك الغار كمين
- يختفي حين تفوت
- وترى لغمًا على شكل حمامة
- وترى آلة تسجيل على هيئة بيت العنكبوت
- تلقط الكلمة حتى في السكوت
:ابتعد عنه ولا تدخل وإلا ستموت
- قبل أن يلقي عليك القبض فرسان العشائر
- أنت مطلوب على كل المحاور
- لا تهاجر
- اركب الناقة واشحن ألف طن
- قف كما أنت ورتل آية النسف * على رأس الوثن
- إنهم قد جنحوا للسلم فاجنح للذخائر
- ليعود الوطن المنفي منصورًا إلى أرض الوطن