شعر المعتمد بن عباد
الأغراض الشعرية عند المعتمد بن عباد
تنوعت الأغراض الشعرية عند المعتمد بن عباد، وخاصةً في مرحلتي حياته قبل الأسر وما بعد الأسر، ومن تلك الأغراض ما يأتي:
الحنين
برز الحنين كواحد من الأغراض الشعرية عند المعتمد بن عباد؛ بسبب اختلاف الحياة التي كان يعيشها في شبابه عن تلك التي كان يعيشها في الإمارة، إذ إنّ اختلاف نوعية الحياة قد أثّر كثيرًا في غرض الحنين الذي اندمج مع الغزل بالمرأة والافتتان بها، فهذا ما كان يُسيطر على حياة ابن عباد.
يقول المعتمد بن عبّاد في هذه الأبيات وقد ظهر بمظهر العاشق ضعيف القوى أمام المرأة التي يُحبّها:
قلتُ متى ترحمُني
- قال ولا طول الأبد
قلتُ: فقد أيأستني
- من الحياة قال: قد
الغزل
برع ابن العباد في الغزل؛ لأنّ شخصيته كانت رقيقةً صادقةً وأبعد ما يكون عن القسوة أو التعصب، خاصةً غزله لزوجته اعتماد الرميكية التي تزوجها أولًا من أجل بيت شعري استطاعت أن تختصر الكلام فيه بلاغيًا بعد أن عجز عن ذلك ابن عمار، ومن ذلك ما نسجه على البحر الطويل :
أَباحَ لِطَيفي طَيفُها في الكَرى الخَدّ
- فَعَضَّ بِهِ تُفاحَةً وَاِجتَنى وَردا
وَألمَتني ثَغراً شَمَمتُ نَسيمهُ
- فَخُيِّلَ لي أَنّي شَمَمتُ بِهِ نَدّا
وَلَو قَدَرَت زارَت عَلى حال يَقظَةٍ
- وَلَكِن حِجابُ البَينِ ما بَينَنا مُدّا
في الأبيات السابقة، تظهر العاطفة القوية والصادقة التي تحتضن قلب ابن عباد في حديثه عن زوجته وأم أولاده، وقد لازم المعتمد هذا الحب حتى آخر يوم من أيام حياته في المنفى.
الحماسة
لم تكن حياة ابن عباد عاديةً على الإطلاق، خاصّةً أنّه تعرض للخيانات وسُلب منه ملكه، وكانت النصائح تنهال عليه من كلّ حدب وصوب، حتى يُبدِي لهم الخضوع لينجو بنفسه ويأخذوا المُلك منه، ولكن لينجو هو بحياته، فكان رده في بضعة أبيات شعرية حيث قال:
لمّا تَماسَكتِ الدُموعُ
- وَتنبّهَ القَلبُ الصَديعُ
وَتَناكَرَت هِمَمي لَما
- يَستامها الخَطبُ الفَظيعُ
قالوا الخُضوعُ سياسَةٌ
- فليبدُ مِنك لَهُم خُضوعُ
وَأَلَذُّ مِن طَعم الخُضو
- عِ عَلى فَمي السَمُّ النَقيعُ
إِن يسلب القَومُ العدى
- مُلكي وتسلمني الجُموعُ
الرثاء والتفجع
لمّا أجهز المرابطون على ابن المعتمد بن عباد المأمون وقضوا عليه، حزن على ذلك حزنًا عظيمًا، واستوحى من الطبيعة بعضًا من مظاهرها لتُعينه على استجماع الكلمات بين يديه، إذ قال:
بَكَت أَن رأت إِلفَين ضَمهُما وَكرُ
- مَساءً وَقَد أَخنى عَلى إِلفها الدَهرُ
بَكَت لَم تُرِق دَمعاً وَأَسبلتُ عَبرَةً
- يُقصّرُ عَنها القطر مَهما هَما القطرُ
وَناحَت فَباحَت وَاِستَراحَت بِسرّها
- وَما نَطقَت حَرفًا يَبوحُ بِهِ سِرُّ
فَماليَ لا أَبكي أَمِ القَلبُ صَخرَةٌ
- وَكَم صَخرَةٍ في الأَرضِ يَجري بِها نَهرُ
الصورة الشعرية عند المعتمد بن عباد
تنوعت الصورة الشعرية عند المعتمد بن عباد، ومن أنواعها ما يأتي:
التجسيد
إنّ معنى التجسيد هو تقديم المفاهيم والمفردات كافةً بقالب محسوس أيّ بصورة بشرية، وهو واحد من أنواع الاستعارة التشبيهية، وقد عُني بها شعراء كُثر وأبدعوا فيها، ومن بينهم المعتمد بن عباد، ومن ذلك قوله:
قَد كانَ كالثُعبان رُمحُكَ في الوَغى
- فَغَدا عَلَيكَ القَيدُ كالثُعبانِ
مُتَمَدّداً يَحميكَ كُلّ تعدّدٍ
- مُتَعَطِّفاً لا رَحمَةً لِلعاني
هُنا أسبغ المعتمد بن عباد على الرمح صفةً من صفات الكائنات الحية؛ حيث يُشبهه بالثعبان الذي يتحرك ويتمدد، وأظهر القيد كذلك بصورة الثعبان الذي يُضيق على الإنسان، فيُؤدي به إلى الاختناق والموت.
التشخيص
إنّ التشخيص هو إسباغ صفة العاقل على غير العاقل، أمّا التجسيد فهو إبراز ما لا يُدرَك بالحواس الخمسة في صورة حسيّة، والمنعم للنظر في أشعار ابن عباد يجد أنّه اعتمد في نصوصه التشخيص أكثر من التجسيد؛ حيث أسبغ في أكثر من موضع صفة الإنسان على الدهر، فهو يُعطي ويبخل ويبذل ويحزن ويبكي، ومن ذلك ما قاله:
مَن يَصحَبِ الدَهر لَم يَعدَم تَقَلّبَهُ
- وَالشَوكُ يَنبُتُ فيهِ الوَردُ والآسُ
يَمُرّ حينا وَتَخلو لي حَوادِثُهُ
- فَقَلَّما جَرحت إِلّا اِنثَنَت تاسو
وهو بذلك يُسبغ على الدهر صفات الإنسان؛ حيث يكون صاحبًا وهو يجري عليه ما يجري على الإنسان من صفات بشرية تتعلق بالتقلب والتغير والغدر وما إلى ذلك من الأمور، فاستطاع المعتمد من خلال التشخيص أن يُسبغ على لوحته الأدبية نشاطًا وحركة واسعة، فلم تعد ساكنةً ولا جامدةً، وهو ما ميز أدبه كثيرًا عن غيره من الشعراء.
الحركة
إنّ تحريك الصورة يختلف اختلافًا كليًا عن رصد الصورة المتحركة، ومعنى تحريك الصورة أيّ: إسباغ للحركة على الشيء الثابت مثل سعي القلوب أو طيرانها أو ما شابه ذلك، والحركة تلك لا تتكئ سوى على الخيال الذي يتمتع به الشاعر، ومن ثم ينقله إلى المتلقي عدا عن أثر الصورة الحركية في البناء الشعري.
حيث يصل بالقصيدة إلى غاية التعبير، ومن ذلك ما استعاره ليُعبر فيه عن طيران السرور بالقلب مع أن القلب لا يطير ولكنّه عبّر بهذه الصورة عن قوة المشاعر الإنسانية، فقال:
هَذا فُؤاديَ قَد طارَ السُرورُ بِهِ
- إِن كُنتَ تَنقُلكَ الوَخّادَةُ الرُسُمُ
سأكتُم اللَيلَ ما أَشكوهُ مِن بُعُدٍ
- وَأسألُ الصُبحَ عَنكُم حينَ يَبتَسِمُ
التشكيل الصوتي في شعر المعتمد بن عباد
إنّ [١] توظيف الإيقاع الصوتي في القصيدة من أبرز ملامح الشعر العربي بشكل عام، وشعر المعتمد بن عباد بشكل خاص، حيث يعكس الصوت اللغوي في القصيدة حركات النفس الدّاخلية وما تمرّ به من تماوجات، وهو يُعين بشكل على رسم صورة واضحة في نفس المتلقي.
برز ذلك في شعرٍ له قاله في بناته لمّا دخلن عليه بعد الأسر، وقد كُنّ في العيد في حالة يُرثى لها، حيث قال:
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا
- فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً
- يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً
بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً
- أَبصارُهُنَّ حَسراتٍ مَكاسيرا
يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ
- كَأَنَّها لَم تَطأ مِسكًا وَكافورا
هُنا يُبرز تكرار الشاعر لاستخدام حرف السين، وهو الحرف الذي تصطك الأسنان فيه مستغلًا ما في ذلك الحرف من دلالات وإيقاع هادئ تنسجم انسجامًا واضحًا مع حالة الأسى التي يعيشها الشاعر.
بذلك استطاع أن يُناغم ما بين الصوت الذي اعتمده في قصيدته، وما بين المعنى الذي أراده وهو الحزن والأسى، وهو بذلك يُسطر في القصيدة شتى معاني الأسى التي تحتل خلجات صدره.
أثر الإيقاع الموسيقي في بناء النص عند المعتمد بن عباد
إنّ القافية وحرف الروي والوزن العروضي هي القوائم التي تستند القصيدة عليها، فترفع منها وتُقرب معانيها إلى ذهن المتلقي، فالشاعر لا يستخدم حرف الروي إلا بعد تأكده من مناسبته للقصيدة، والمعاني التي اختارها في تلك القصيدة.
لا بُدّ من الأخذ بعين الاعتبار المكان والحدث والحالة التي يعيشها الشاعر والزمان الذي تُقال القصيدة فيه، فمثلًا في قصيدته لمّا تماسكت الدموع حين قال:
لمّا تَماسَكتِ الدُموعُ
- وَتنبّهَ القَلبُ الصَديعُ
وَتَناكَرَت هِمَمي لَما
- يَستامها الخَطبُ الفَظيعُ
اختار من العين حرف روي له؛ لأنّ العين من الحروف الحلقية التي تحمل في طيّاتها قوة، وهو يحتاج في هذا المقام إلى مثل هذا الحرف الذي يُعبر عن مكنونات صدره في الأسر والحصار.
لم يغفل ابن عباد عن أهمية البحر والوزن في التعبير عن معانيه، ففي قصيدته "قيدي" يختار البحر السريع؛ بسبب إيقاعاته السريعة التي تُعبر عن كل ما في نفسه من الثورة والجموح.
نماذج من شعر المعتمد بن عباد
فيما يأتي مجموعة من شعر المعتمد بن عباد:
قصيدة أغائبة الشخص عن ناظري:
أَغائِبَةَ الشَخصِ عَن ناظِري
- وَحاضِرَةً في صَميمِ الفُؤادِ
عَلَيكِ السَلامُ بِقَدرِ الشُجون
- وَدَمع الشُؤونِ وَقَدرِ السُهادِ
تملكتِ مِنّي صَعبَ المَرامي
- وَصادَفتِ ودّي سَهلَ القيادِ
مُراديَ لُقياكِ في كُلِّ حين
- فيا ليت أَنّي أَعطى مُرادي
أَقيمي عَلى العهدِ ما بَينَنا
- وَلا تَستَحيلي لِطولِ البِعادِ
دسَستُ اِسمَكِ الحُلوَ في طيّ شِعري
- وَألّفتُ فيهِ حُروفَ اِعتِمادِ
قصيدة قبر الغريب سقاك:
قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي
- حَقّاً ظَفَرتَ بِأَشلاء ابن عَبّادِ
بِالحِلمِ بالعِلمِ بِالنُعمى إِذِ اِتّصلَت
- بِالخَصبِ إِن أَجدَبوا بالري لِلصادي
بالطاعِن الضارِب الرامي إِذا اِقتَتَلوا
- بِالمَوتِ أَحمَرَ بالضرغمِ العادي
بالدَهر في نِقَم بِالبَحر في نِعَمٍ
- بِالبَدرِ في ظُلمٍ بِالصَدرِ في النادي
نَعَم هُوَ الحَقُّ وَافاني بِهِ قَدَرٌ
- مِنَ السَماءِ فَوافاني لِميعادِ
وَلَم أَكُن قَبلَ ذاكَ النَعشِ أَعلَمُهُ
- أَنَّ الجِبال تَهادى فَوقَ أَعوادِ
كَفاكَ فارفُق بِما اِستودِعتَ مِن كَرَمٍ
- رَوّاكَ كُلُّ قَطوب البَرق رَعّادِ
يَبكي أَخاهُ الَّذي غَيَّبتَ وابِلَهُ
- تَحتَ الصَفيحِ بِدَمعٍ رائِح غادي
حَتّى يَجودَكَ دَمعُ الطَلّ مُنهَمِرًا
- مِن أَعيُن الزَهرِ لم تَبخَل بِإِسعادِ
وَلا تَزالُ صَلاةُ اللَهِ دائِمَةً
- عَلى دَفينكَ لا تُحصى بِتعدادِ
قصيدة كتبت وعندي من فراقك ما عندي:
كَتَبتُ وَعِندي مِن فراقِكِ ما عِندي
- وَفي كَبِدي ما فيهِ مِن لَوعَة الوَجدِ
وَما خَطَّتِ الأَقلامُ إِلّا وَأَدمُعي
- تَخُطُّ كِتابَ الشَوق في صَفحَة الخَدِّ
وَلَولا طِلابُ المَجدِ زُرتُكِ طَيَّهُ
- عَميداً كَما زارَ النَدى وَرَقَ الوَردِ
فَقَبَّلتُ ما تَحتَ اللثامِ مِنَ اللَمى
- وَعانَقتُ ما فَوقَ الوِشاح إِلى العِقد
أَغانيةً عَنّي وَحاضِرَةً مَعي
- لَئِن غِبتِ عَن عَيني فَإِنَّكِ في كَبِدي
أَقيمي عَلى العَهدِ الَّذي كانَ بَينَنا
- فَإِنّي عَلى ما تَعلَمينَ مِنَ العَهد