شعر أبي تمام في المدح
شعر أبي تمام في المدح
إن المتأمل في شعر أبي تمام لا يخفى عليه دقته وتميزه في إيصال المعاني التي تظهر في أبياته الشعرية، وهذا ما أجمع عليه الدارسون والنقاد ، وهذا يشمل بالتأكيد شعر أبي تمام في المدح، فقد لعبت سرعة البديهة والسليقة اللغوية التي تميز بها دورًا كبيرًا في جمال مدائحه، وسنعرض أبرزها في هذا المقال.
قصيدة: السيف أصدق أنباء من الكتب
قال أبو تمام :
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
- في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
- مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
- بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
- صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
- لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
- عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
- إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
- ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ
يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ
- ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ
لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ
- لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ
فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
- نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
- وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
- مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
- وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ
أُمٌّ لَهُم لَو رَجَوا أَن تُفتَدى جَعَلوا
- فِداءَها كُلَّ أُمٍّ مِنهُمُ وَأَبِ
وَبَرزَةِ الوَجهِ قَد أَعيَت رِياضَتُها
- كِسرى وَصَدَّت صُدوداً عَن أَبي كَرِبِ
بِكرٌ فَما اِفتَرَعتَها كَفُّ حادِثَةٍ
- وَلا تَرَقَّت إِلَيها هِمَّةُ النُوَبِ
مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَو قَبلَ ذَلِكَ قَد
- شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ
حَتّى إِذا مَخَّضَ اللَهُ السِنينَ لَها
- مَخضَ البَخيلَةِ كانَت زُبدَةَ الحِقَبِ
أَتَتهُمُ الكُربَةُ السَوداءُ سادِرَةً
- مِنها وَكانَ اِسمُها فَرّاجَةَ الكُرَبِ
جَرى لَها الفَألُ بَرحاً يَومَ أَنقَرَةٍ
- إِذ غودِرَت وَحشَةَ الساحاتِ وَالرُحَبِ
لَمّا رَأَت أُختَها بِالأَمسِ قَد خَرِبَت
- كانَ الخَرابُ لَها أَعدى مِنَ الجَرَبِ
كَم بَينَ حيطانِها مِن فارِسٍ بَطَلٍ
- قاني الذَوائِبِ مِن آني دَمٍ سَرَبِ
بِسُنَّةِ السَيفِ وَالخَطِيِّ مِن دَمِهِ
- لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ
لَقَد تَرَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ بِها
- لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخرِ وَالخَشَبِ
غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً
- يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ
حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُجى رَغِبَت
- عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ
ضَوءٌ مِنَ النارِ وَالظَلماءِ عاكِفَةٌ
- وَظُلمَةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ
فَالشَمسُ طالِعَةٌ مِن ذا وَقَد أَفَلَت
- وَالشَمسُ واجِبَةٌ مِن ذا وَلَم تَجِبِ.
قصيدة: طلل الجميع لقد عفوت حميدا
قال أبو تمام:
طَلَلَ الجَميعِ لَقَد عَفَوتَ حَميدا
- وَكَفى عَلى رُزئي بِذاكَ شَهيدا
دِمَنٌ كَأَنَّ البَينَ أَصبَحَ طالِباً
- دَمِناً لَدى آرامِها وَحُقودا
قَرَّبتَ نازِحَةَ القُلوبِ مِنَ الجَوى
- وَتَرَكتَ شَأوَ الدَمعِ فيكَ بَعيدا
خَضِلاً إِذا العَبَراتُ لَم تَبرَح لَها
- وَطَناً سَرى قَلِقَ المَحَلِّ طَريدا
أَمَواقِفَ الفِتيانِ تَطوي لَم تَزُر
- شَرَفاً وَلَم تَندُب لَهُنَّ صَعيدا
أَذكَرتَنا المَلِكَ المُضَلَّلَ في الهَوى
- وَالأَعشَيَينِ وَطَرفَةً وَلَبيدا
حَلّوا بِها عُقَدَ النَسيبِ وَنَمنَموا
- مِن وَشيِها حُلَلاً لَها وَقَصيدا
راحَت غَواني الحَيِّ عَنكَ غَوانِياً
- يَلبَسنَ نَأياً تارَةً وَصُدودا
مِن كُلِّ سابِغَةِ الشَبابِ إِذا بَدَت
- تَرَكَت عَميدَ القَريَتَينِ عَميدا
أولِعنَ بِالمُردِ الغَطارِفِ بُدَّنا
- غيداً أَلِفنَهُمُ لِداناً غيدا
أَحلى الرِجالِ مِنَ النِساءِ مَواقِعاً
- مَن كانَ أَشبَهَهُم بِهِنَّ خُدودا
فَاُطلُب هُدوءاً بِالتَقَلقُلِ وَاِستَثِر
- بِالعيسِ مِن تَحتِ السُهادِ هُجودا
مِن كُلِّ مُعطِيَةٍ عَلى عَلَلِ السُرى
- وَخداً يَبيتُ النَومُ مِنهُ شَريدا
تَخدي بِمُنصَلِتٍ يَظَلُّ إِذا وَنى
- ضُرَباؤُهُ حِلساً لَها وَقُتودا
جَعَلَ الدُجى جَمَلاً وَوَدَّعَ راضِياً
- بِالهونِ يَتَّخِذُ القُعودَ قَعودا
طَبَلَت رَبيعَ رَبيعَةَ المُهمي لَها
- فَوَرَدنَ ظِلَّ رَبيعَةَ المَمدودا
بَكرِيِّها عَلَوِيَّها صَعبِيَّها ال
- حِصنِيِّ شَيبانِيَّها الصِنديدا
ذَهلِيَّها مُرِّيَّها مَطَرِيَّها
- يُمنى يَدَيها خالِدَ بنَ يَزيدا
نَسَبٌ كَأَنَّ عَلَيهِ مِن شَمسِ الضُحى
- نوراً وَمِن فَلَقِ الصَباحِ عَمودا
عُريانُ لا يَكبو دَليلٌ مِن عَمىً
- فيهِ وَلا يَبغي عَلَيهِ شُهودا.
قصيدة: داع دعا بلسان هاد مرشد
قال أبو تمام:
داعٍ دَعا بِلِسانِ هادٍ مُرشِدِ
- فَأَجابَ عَزمٌ هاجِدٌ في مَرقَدِ
نادى وَقَد نَشَرَ الظَلامُ سُدولَهُ
- وَالنَومُ يَحكُمُ في عُيونِ الرُقَّدِ
يا ذائِدَ الهيمِ الخَوامِسِ وَفِّها
- عِشراً وَوافِ بِها حِياضَ مُحَمَّدِ
يَمدُدنَ لِلشَرَفِ المُنيفِ صَوادِياً
- أَعناقَهُنَّ إِلى حِياضِ السُؤدُدِ
وَتَنَبَّهَت فِكَرٌ فَبِتنَ هَواجِساً
- في قَلبِ ذي سَمَرٍ بِها مُتَهَجِّدِ
لَمّا رَأَيتُكَ يا مُحَمَّدُ تَصطَفي
- صَفوَ المَحامِدِ مِن ثَناءِ المُجتَدي
سَيَّرتُ فيكَ مَدائِحي فَتَرَكتُها
- غُرَراً تَروحُ بِها الرُواةُ وَتَغتَدي
ما لي إِذا ما رُضتُ فيكَ غَريبَةً
- جاءَت مَجيءَ نَجيبَةٍ في مَقوَدِ
وَإِذا أَرَدتُ بِها سِواكَ فَرُضتُها
- وَاِقتَدتُها بِثَنائِهِ لَم تَنقَدِ
ما ذاكَ إِلّا أَنَّ زَندَكَ لَم يَكُن
- في كَفِّ قادِحِهِ بِزَندٍ مُصلِدِ
صَدَّقتَ مَدحي فيكَ حينَ رَعَيتَني
- لِتَحَرُّمي بِالسَيِّدِ المُتَشَهِّدِ
وَلَجَأتُ مِنكَ إِلى اِبنِ مَلكٍ أَنبَأَت
- عَنهُ خَلائِقُهُ بِطيبِ المُحتَدِ
مَلِكٌ يَجودُ وَلا يُؤامِرُ آمِراً
- فيهِ وَيَحكُمُ في جَداهُ المُجتَدي
وَيَقولُ وَالشَرَفُ المُنيفُ يَحُفُّهُ
- لا خَيرَ في شَرَفٍ إِذا لَم أُحمَدِ
وَأَكونُ عِندَ ظُنونِ طُلّابِ النَدى
- وَأَذُبُّ عَن شَرَفي بِما مَلَكَت يَدي
يَأبى لِعِرضي أَن يَكونَ مُشَعَّثاً
- جودٌ وَقاهُ بِطارِفٍ وَبِمُتلَدِ
وَلِراحَتَيهِ ديمَتانِ قَديمَةٌ
- لي بِالوِدادِ وَديمَةٌ بِالعَسجَدِ
كَم مِن ضَريكٍ قَد بَسَطتَ يَمينَهُ
- بَعدَ التَحَيُّنِ في ثَراءٍ سَرمَدِ
وَلَرُبَّ حربٍ حائِلٍ لَقَّحتَها
- وَنَتَجتَها مِن قَبلِ حينِ المَولِدِ
فَإِذا بَعَثتَ لِناكِثينَ عَزيمَةً
- عَصَفَت رُؤوسٌ مِن سُيوفٍ رُكَّدِ
إِنَّ الخِلافَةَ لَو جَزَتكَ بِمَوقِفٍ
- جَعَلَت مِثالَكَ قِبلَةً لِلمَسجِدِ
وَسَعَت إِلَيكَ جُنودُها حَتّى إِذا
- وافَتكَ خَرَّ لَدَيكَ كُلُّ مُقَلَّدِ.