شروط وقوع الطلاق
شروط الطلاق المتعلقة بالمُطَلِق
اشترط الفُقهاء في الشخص المُطلِّق العديد من الشُّروط، وهي كما يأتي:
- أن يكون زوجاً: وذلك بأن يكون الزواج وقع بعقدٍ صحيح ، فلو قال شخصٌ قبل زواجه: إن تزوّجت فلانة فهي طالق؛ فلا عِبرة بقوله ولا يُعتدُّ به.
- أن يكون عاقلاً: لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ)، فلا يصحُّ طلاق المعتوه والمجنون حتى وإن كان الجنون مُتقطّعاً؛ أي يأتيه مرَّة وينقطع عنه مراتٍ أُخرى، فإن طلَّقَ فلا يُعتبر طلاقه بسبب فُقدانهِ الأهلية، ونُقصان الأهلية كذلك في المعتوه، ويَدخل بذلك المُغمَى عليه، والنائم، والمَحموم؛ أي الشخص الذي غاب عقله بسبب الحُمَّى أو الصُّداع.
- وأمّا من يغيب عقله ويستره بإرادته؛ كشربه للمُسكّرات، مع علمه بزوال عقله بسبب ذلك، فإنَّ طلاقه يَقع، أمّا إن تناولها وهو يعتقد أنَّها لا تُسْكر، أو تناولها لِتوقُّف إزالة مرضه عليها، فغاب عقله وطلَّق فإن طلاقه لا يقع، وكذلك من ذهب عقله لِشربه دواءً، أو أخذه للبِنج، وذهب بعض الشافعيّة وبعض الحنفيّة والمُزنيّ إلى عدم وُقوع طلاق السكران مُطلقاً، بدليل بطلان عبادته وصلاته، فمِن باب أولى عدم بُطلان عقوده؛ كعقد الزواج إذا طلّق.
- أن يكون بالغاً: فلا يصحُّ طلاق الصغير الذي لم يبلُغ، سواءً كان مُمِيّزاً* أو غير مُمِيِز، وأمّا بالنسبة للمُراهق المُمِيز فقد ذهب الحنابلة إلى وُقوع طلاقه، ويرى الجُمهور عدم وُقوع الطلاق منه، واتّفق الحنابلة مع الجُمهور على عدم وُقوع الطلاق من الصبي الذي لا يفهم معنى الطلاق.
- أن يكون مُختاراً: فلا يَقع طلاقُ المُكْره عند الجُمهور، لِقوله -تعالى-: (إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ)؛ ويرى الحنفية وُقوع طلاقه إن كان لفظاً، ولا يقع إن كان كتابةً، ويدخُل في ذلك الهازل؛ أي المازح، وقد اتّفق الفُقهاء على وُقوعِ طلاقه، وأمّا طلاق المُخطئ؛ فذهب الجُمهور إلى عدم وُقوع طلاقه.
- وأمّا طلاق الغضبان فهو على ثلاثة أقسام، فإن كان في بدايته دون أن يؤثّر ذلك على عقله، ففي هذه الحالة يقع طلاقه، وإن بلغ به الغضب نهايتَه، فانغلق عليه باب العلم والإرادة وأصبح لا يعلم ما يقول، فلا يقع طلاقه، وتعدَّدت الأقوال في حال كان الغضب بينهما، فاتّفق الأئمة الأربعة على وُقوع طلاقه، وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى عدم وُقوع طلاقه، وأمّا طلاقُ السّفيه؛ وهو خفيف العقل، فهذا يقع طلاقه عند الأئمة الأربعة، لأنَّ السَّفيه مكلَّفٌ مالكٌ لمحلِّ الطلاق.
أمّا طلاق المريض أو ما يُسمَّى بطلاق الفارّ؛ وهو الذي يُطلِّق زوجته في مرضِ موته، فذهب الجمهور إلى أنَّه يُعدُّ فارّاً من إرثها حكماً، فَتَرِث منه رغم وقوع الطلاق عليها، سدّاً للذريعة، وذهب بعض الشافعيّة وابن حزم إلى أنَّ الطلاق يقع، وأنَّها لا ترث منه سواء مات في عدَّتها أو بعدها.
شروط الطلاق المتعلقة بالمُطَلَقة
اشترط الفُقهاء العديد من الشُروط في المرأة المُطلّقة، وهي كما يأتي:
- أن تكون زوجةً بِعقدٍ صحيح: أي بقيام الزوجيّة حقيقةً أو حُكماً، فلا يقع الطلاق على المرأة المُعتدَّة من الطلاق البائن أو الفسخ ، ولو عقد على أخت زوجته فإنَّه لا يقع عليه طلاقها لأنَّها ليست زوجة له، لأنَّه يُعتبرمن العُقود الباطلة.
- فيقع طلاق الزوج على المرأة إن كانت محلّاً له، وهي أن تكون زوجةً له في زواجٍ حقيقيّ، وكذلك على المُعتدَّة من طلاقٍ رجعي؛ لأن الزوجيّة قائمة حُكماً في هذه الحالة، أو إذا كانت في العدَّة بسبب الفُرقة، وذلك عند الحنفية، كأن تكون الفُرقة بسبب الإيلاء، وأمّا إن كانت المرأة غير محلٍّ للطلاق فإنَّه لا يقع.
- أن تكون المُطلقة مُتعيّنة: ويكون التعيين إمّا بالإشارة أو الوصف أو النيّة، وتفصيل ذلك بالأمثلة الآتية:
- فإذا أشار الزوج إلى زوجةٍ بعينها وطلّقها وقع عليها الطلاق باتّفاق الفقهاء.
- إذا أشار الزوج على زوجته دون وصفها وكان لا يقصد غيرها فيقع الطلاق بالاتّفاق، وكذلك في حال وصفها وقصدها دون الإشارة إليها.
- إذا أشار الزوج إلى إحدى نسائه ووصف غيرها؛ كأن يُطلِّق إحدى زوجاته ويذكر اسمها، ويُشير إلى غيرها، فإن الطلاق يقع عند الحنفية في القضاء على الزوجة المُشار إليها وليست الزوجة الموصوفة، وَكذلك لو أشار إليها ووصفها بغير وصفها، فتَطلُق كذلك.
- إذا قال الزوج: جميع نساء الدنيا طوالق؛ فعند الحنفية تَطلُق زوجته إذا نوى طلاقها، وإذا لم ينو طلاقها لا تَطلُق.
- إذا قال الزوج: نساء مدينتي كُلُّهن طوالق؛ فتطلق زوجته إذا نواها كذلك، وذهب أبو يوسف إلى عدم وُقوع الطلاق في هذه الحالة.
- إذا قال الزوج: نساء المسليمن طوالق؛ فذهب الشافعية إلى عدم وقوع الطلاق.
- إذا كانت له زوجتان فنادى إحداهُما، وأجابت الأُخرى، فظنَّها من ناداها فطلَّقها، فإنَّ التي تَطلُق مَن قَصَدها بالنداء لا التي أجابت، وذهب الشافعيّة إلى القول بوُقوع الطلاق على من أجابته.
صيغ الطلاق والشروط المتعلقة بها
صيغ الطلاق
توجد العديد من الشُروط في صيغة الطلاق حتى يكون صحيحاً، وقبل ذكر الشروط لا بدّ من التعريف بصيغ الطلاق والفرق بين الطلاق الريح والطلاق الكِنائي، وفيما يأتي ذكر صيغ الطلاق:
- الطلاق الصريح: وهو اللّفظ الذي يَظهر منه الطلاق، ويغلب استعماله في العُرف في الطلاق، وهي الألفاظ المُشتقَّة من كلمة الطلاق، مثل: "أنت طالق، ومطلّقة، وطلّقتك وعليّ الطلاق"، ومنه قول الرجل: "أنتِ عليَّ حرام، أو حرَّمتك، أو محرّمة"، لأنَّه وإن كان في الأصل كناية، فقد غلب استعماله بين الناس في الطلاق، فصار من الألفاظ الصريحة فيه، وهذا مذهب الحنفية.
- أمّا الحنابلة فيرون أن الطلاق الصريح هو لفظ الطلاق وما تصرّف منه لا غير، أمَّا لفظ الفِراق والسّراح فهو كناية، وأمّا المالكية فيرون أنَّ الكناية الظاهرة لها حُكم الطلاق الصريح، كلفظ التّسريح والفِراق، كقول الزوج لزوجته: "أنتِ بائن، أو بتَّة، أو بتلة"، وما أشبه ذلك.
- وذهب الشافعيّة إلى أنَّ الطلاق الصريح له ثلاثة ألفاظ، وهي: "الطلاق والفِراق والسّراح"، لورودها في القرآن . أمَّا لفظة الإطلاق مثل أطْلَقتك أو أنت مُطْلَقة، فليست صريحة في الطلاق باتّفاق المذاهب الأربعة، وإنَّما هي ألفاظ كناية تحتاج إلى نيّة، لأنَّه لم يَثبت لها عُرف الشرع ولا الاستعمال، فأشبهت سائر كناياته، وحُكم الطلاق باللفظ الصريح أنَّه يقع دون النّظر إلى نيّة أو دالَّة حال.
- طلاق الكناية: وهو كُلُّ لفظٍ يحتمل الطلاق وغيره، ولم يتعارف عليه في إرادة الطلاق، كقول الزوج لزوجته: "الحقي بأهلك، اذهبي، اخرجي، أنت بائن، أنت بتّة، أنت خليّة، أنتِ بريّة، اعتدّي"، وأمّا حُكم الطلاق به؛ فذهب الحنفية والحنابلة بعدم وُقوعه إلا بنيّة أو دلالة الحال، وفصَّل الحنفية في وقوع الطلاق قضاءً بألفاظ الكنايات، فقالوا: في حالة الرضا المجرد على مذاكرة الطلاق وطلبه لا يُحكم بوقوع الطلاق بأي لفظ كنائي إلا بالنيّة، وأمّا المالكيّة والشافعيّة: فيرون أنَّ الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنيّة، ولا عبرة بدلالة الحال، فلا يلزمه الطلاق إلّا إن نواه.
- وقسّم المالكية والحنابلة الكناية إلى قسمين؛ قسم ظاهرة، وهي التي تُستعمل في الطلاق، كقول الزوج: "أنتِ بتّة، وحبلك على غاربك"، ويقع بهما ثلاث طلقات، دخل بها أم لا، ولها حكم الصريح، والقسم الثاني الكناية الخفيّة: وهي التي من شأنها أن تُستعمل في غير الطلاق؛ مثل: "اعتدّي"، ويقع بها طلقة واحدة، إلا إذا نوى أكثر من ذلك في المدخول بها، ولا يقع بها طلاق إلا إذا نواه، فإنّ من الكناية الظاهرة التي يقع بها ثلاث طلقات في المدخول بها إن لم ينوِ عدّة ألفاظ هي: "بائنة، وخليّة، وبريّة، ووهبتك لأهلك، وأنت حرام، وخلّيت سبيلك، ووجهي من وجهك حرام أو على وجهك حرام".
- ولو قال الزوج: أنت طلاق، أو أنت الطلاق، أو أنت طالق طلاقاً، فيقع بها الطلاق عند الحنفية والمالكية والحنابلة طلقة واحدة رجعية إن لم ينو شيئاً، فإن نوى ثلاثاً فهي ثلاث، ويقع الطلاق بِكُلِّ ما يدُلُّ على إنهاء العلاقة الزوجيّة باللّفظ، أو بالكتابة إِلى الزوجة، أو بالإِشارة من الأخرس، أو برسولٍ يحمل رسالة، فالصراحة بلفظ الطلاق يقعُ دون النّظر إلى ما سواه؛ كالنيّة أو القصد، وأمّا الكناية فيقع مع النيّة ، وأمّا الطلاق بلفظ التّحريم فلا يقع إِذا لم يَنوِ الزوج الطّلاق، وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "إِذا حرَّم الرَّجل عليه امرأته، فهي يمينٌ يكفِّرها"، وبوّب الإمام مُسلم في صحيحه كتاباً اسمه: "باب وجوب الكفّارة على من حرّم امرأته ولم ينوِ الطلاق".
شروط الطلاق المتعلقة بالصيغة
توجد العديد من الشُروط في صيغة الطلاق حتى يكون صحيحاً، وهي كما يأتي:
- أن يكون اللّفظ مقصوداً: كمن أراد أن يقول لزوجته: "أنت طاهرة"، فسبق لسانه وقال لها: "أنت طالق"؛ فإن طلاقه لا يقع بينه وبين الله -تعالى-، أمّا في القضاء فإنّه يُعتبر، لأنَّه لا اطّلاع للقاضي على ما في نفسه، ويقال لمن وقع منه ذلك مخطئ.
- القطع أو الظنّ بحصول اللّفظ وفهم معناه في حال اللّفظ، فلو حلف الزوج بشيء، ثم شكّ هل حلف بالطلاق أم بغيره، فيُعتبر ذلك لغواً ولا يقع به طلاق.
- أن تكون الصيغة لفظاً يَدُلّ على الطلاق بلفظٍ صريحٍ: ففي هذه الحالة يقع الطلاق من غير نظرٍ إلى نيَّة المُطلِّق، واستثنى المالكية من ذلك بعض ألفاظ الكناية، كقول: سرّحتك، فإنّه يقع الطلاق بها عندهم من غير نيّة. إمّا إذا غضب الزوج على زوجته فأرسلها إلى دار أبيها، وأرسل لها متاعها ومؤَخَّر صداقها بدون أن يتلفّظ بالطلاق، فإن ذلك لا يُعتبر طلاقاً، كما أنَّه لا يقع بالنيّة دون تلفّظ، كمن يحدِّث نفسه بالطلاق من غير أن يتلفَّظ به.
- أمّا الطلاق بالإشارة فلا يقع عند الحنفية من الإنسان السليم الذي يُمكنه النُطق به، وأمّا الأخرس فإنَّها تُعتبر منه طلاقاً، أمّا إن كان الخَرَسُ طارئاً عليه فلا يُعتدُّ بالإشارة منه، بل لا بُدَّ منه بالكتابة، وأن يكتب صيغة الطلاق في كتابٍ له عنوان، فإذا كتب لها فإنَّ طلاقه يقع بمجرد كتابته، سواءً نوى الطلاق أو لم ينوِ، لأنَّه قام مقام اللَّفظ الصريح، فلا يحتاج إلى نيَّة، وإذا كتب لها يقول: "إلى فلانة، أمّا بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق"، فإنّها تَطلق بمجرّد أن يصل إليها الكتاب، سواء قرأته أو لم تقرأه.
- أمّا المالكيّة فقالوا: الإشارة المفهمة الدَّالة على الطلاق تقوم مقام اللّفظ من الأخرس ومن السليم القادر على النطق، وأمّا الشافعيّة فقالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على الكلام بأي وجه وعلى أي حال، كما لا يقع بالنيَّة ولا بالكلام النفسي، بل لا بدَّ من التلفُّظ به، ولا بدَّ من أن يُسمع به نفسه، وأمّا شُروط الطلاق بالكتابة، فيجب أن تكون واضحة مُستبينة، وأن تكون مرسومة، وجمهور الفقهاء على عدم صحة طلاق الإشارة للقادر على الكلام، أما المالكية فقالوا بوقوع طلاق الإشارة المُفهمة للقادر على الكلام، فإن كانت إشارته غير مفهمة فلا يقع الطلاق، ولابد من التنويه عند ثبوت الطلاق للحالات المذكورة سابقاً فيتم تطبيق حقوق الزوجة بعد الطلاق كاملة.
______________________________________
الهامش
* التمييز: السنّ الذي يستطيع الفرد فيه التفريق بين النافع والضارّ.