شروط الحج وأركانه
شروط الحجّ
وجوب الحجّ على العبد مرهونٌ بتوفُّر عدّة شروطٍ ، ويُعرَّف الشرط بأنّه: ما لا يتمّ الشيء إلّا به، ولا يكون داخلاً في حقيقته؛ أي أنّه خارجٌ عن ماهيّة الشيء، وفيما يأتي بيان الشروط المُتعلِّقة بالحجّ، والتي يجب توفّرها في العبد حتّى يُطالب بأداء الحجّ، وهي كما يأتي:
- الإسلام: إذ إنّ الحجّ عبادة، والكافر لا يُطالب بها؛ فهو ليس من أهل العبادة.
- العقل: إذ إنّه شرطٌ للتكليف، وفاقِدُه ليس من أهل التكليف؛ فلا حَجّ على المجنون؛ لأنّه ليس مُكلَّفاً بأيّ أمرٍ من أمور الدِّين التي لا تصحّ منه إن أدّاها إلّا أن يفيق؛ كما ورد أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ المغلوبِ على عقلِه وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتلِمَ).
- البلوغ: الصبيّ لا يجب عليه الحجّ حتى يحتلم؛ إذ إنّه ليس من المُكلَّفين؛ لِما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (قالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، أَلِهذا حَجٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ)، فإن حجّ الصبيّ كان حجّه تطوُّعاً، ويجب عليه حَجّ الفريضة ببلوغه.
- الحُرّية: لا يجب الحجّ على العبد المملوك؛ لعدم استطاعته، والاستطاعة تتمثّل بأن يكون المسلم قادراً في ماله، وبدنه، وراحلته؛ للذهاب إلى بيت الله الحرام؛ لأداء فريضة الحجّ، وأن يكفيَه ذلك ذهاباً وإياباً، وزائداً عن نفقات مَن تلزمه النفقة عليه مدّة غيابه، وإن كانت امرأةً، فلا بُدّ لها من الزوج أو المَحرم، وللاستطاعة ثلاثة شروطٍ عامّةً للرجال والنساء، وهي على النحو الآتي:
- الاستطاعة الماليّة: وهي القدرة على تحمُّل تكاليف الحجّ؛ من زادٍ، وراحلةٍ، ونفقةٍ، وأن يكون مال الحاجّ فاضلاً عن ديونه، وحاجاته الأساسيّة.
- الاستطاعة البدنيّة: وهي القدرة على تحمُّل أعباء السفر؛ من المَشي، والركوب، وأداء أعمال الحجّ.
- الاستطاعة الأمنيّة: وهي أن يكون الطريق آمناً.
أركان الحجّ
بيّن أئمّة المذاهب الأربعة أركان الحجّ، والرُّكن هو: ما لا يتمّ الشيء إلّا به، ويكون داخلاً في حقيقته، وقد نصّوا في كُتبهم على أنّ مَن ترك رُكناً من أركان الحجّ ، بَطُل حجّه، وتعدّدت أقوالهم في تفاصيل أركان الحج، وخلاصة ما ذهبوا إليه فيما يأتي.
الإحرام
وهو نيّة الدخول في الحجّ، ولا يصحّ الحجّ إلّا بها؛ لِما صحّ من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، والنيّة مَحلّها القلب، ويُسَنّ التلفُّظ بها.
وقد ثبت عن عبد الله بن عمر أنّه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يُهِلُّ مُلَبِّدًا يقولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ)، و الإحرام رُكنٌ عند المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وشرط صحّةٍ عند الحنفيّة.
طواف الإفاضة
ويُطلق عليه طواف الزيارة ، وقد ثبتت رُكنيّة الطواف في القرآن الكريم ؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، وعدد أشواط الطواف سبعة أشواطٍ، وكُلّها رُكنٌ عند الفقهاء الثلاثة؛ الشافعيّة، والمالكيّة، والحنبليّة، أمّا الحنفيّة؛ فالرُّكن عندهم أكثر السبعة؛ وهو أربعة أشواطٍ، والباقي واجبٌ؛ إذ إنّ الأكثر يأخذ حُكم الكلّ.
السَّعي بين الصفا والمَروة
ويكون السَّعي بأن يقطع الحاجّ المسافة الواقعة بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ، وقد ذهب جمهور العلماء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّ السَّعي بين الصفا والمروة رُكنٌ من أركان الحَجّ، وقال الحنفية إنّه واجبٌ وليس رُكناً، وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (رَأَيْنَا رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- أَحْرَمَ بالحَجِّ، وَطَافَ بالبَيْتِ، وَسَعَى بيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ).
الوقوف بعرفة
يكون الوقوف بعرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة، وقد اتّفق أئمّة المذاهب الأربعة على أنّ الوقوف بعرفة هو الرّكن الأهم من أركان الحجّ، وأنّ الحجّ لا يتمّ إلّا به؛ فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحجّ؛ وذلك لقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (الحجُّ عرفةَ فمَن أدرك ليلةَ عرفةَ قبل طلوعِ الفجرِ من ليلةِ جمعٍ فقد تمَّ حجُّهُ).
واتّفق العلماء على أنّ وقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع الفجر الصادق من يوم النَّحر؛ وهو اليوم العاشر من ذي الحجّة، يوم عيد الأضحى، إلا أنّ أقوالهم تعدّدت في بداية وقته، وفيما يأتي ذكرٌ لمذاهب الفقهاء في المسألة:
- الحنفيّة والشافعيّة: قالوا إنّ أوّل وقت الوقوف بعرفة يبدأ من زوال شمس يوم عرفة؛ ويُراد بزوال الشمس: مَيلها عن وسط السماء.
- المالكيّة: قالوا إنّ أوّل وقته الليل؛ فمَن لم يقف جزءاً من الليل، لم يُجزِئ وقوفه.
- الحنابلة: قالوا إنّ أوّل وقته هو طلوع فجر يوم عرفة.
الحَلْق
ذهب الشافعيّة إلى أنّ الحَلق رُكنٌ من أركان الحجّ؛ وذلك لقَوْل الله -تعالى-: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)، وأقلّ الحَلْق الذي يحصل به الرُّكن إزالة ثلاث شعراتٍ للرجل، أمّا المرأة، فعليها التقصير، وذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّ الحَلْق والتقصير من واجبات الحجّ، وليس رُكناً من أركانه.
تعريف الحج
يُعرَّف الحجّ في اللغة بأنّه: القَصْد، أو الزيارة، وقِيل إنّه: القَصْد إلى شيءٍ مُعظَّمٍ، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ، فهو يعني: القَصْد إلى بيت الله الحرام ، بصفةٍ مخصوصةٍ، وفي وقتٍ مخصوصٍ، وبشروطٍ مخصوصةٍ.
مشروعيّة الحجّ
الحجّ رُكنٌ من أركان الإسلام ، وفَرضٌ من فروضه بدلالة الكتاب، والسنّة، والإجماع، فأمّا الكتاب، فمنه قول الله -عزّ وجلّ-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقال -تعالى-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)،
ومن السنّة النبويّة قَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)، وقَوْله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا).
وأمّا الإجماع، فقد نَقَل الإمام ابن المنذر في كتابه المُغني إجماع الأمّة الإسلاميّة على وجوب الحجّ على المسلم مرّةً واحدةً في العُمر؛ إذ قال: "وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً".
أحكام متعلقة بالحج
هناك عدّة أحكامٍ تتعلّق بالمُحرِم في الحجّ، وتجب مراعاتها؛ حتى يكون الحجّ مقبولاً عند الله -تعالى-؛ منها ما هو خاصٌّ بالرجال، ومنها ما هو خاصٌّ بالنساء، ومنها ما هو مُشترَكُ بينهما، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
أحكام خاصة بالرجال
تتعلّق بالرجال عدّة أحكامٍ في الحجّ، وبيان بعضها فيما يأتي:
- لبس المَخيط
يُحرَّم على الرجل المُحرِم لبس المَخيط؛ وهو كُلّ ما فُصِّل لسَتر البَدن؛ سواء كان بخياطةٍ، أم لم يكن، كالقميص، والسراويل؛ لِما ثبت عن عبد الله بن عمر: (يَا رَسولَ اللَّهِ، ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، ولَا العَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا البَرَانِسَ، ولَا الخِفَافَ إلَّا أحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أوْ ورْسٌ).
- تغطية الرأس
يَحرُم على الرجل المُحرِم تغطية رأسه؛ سواء كلّه، أو بعضه إلّا لعُذرٍ ما، ويجوز له الاستظلال بمظلّةٍ، أو شجرةٍ، أو نحو ذلك، بشرط ألّا يلامس رأسه.
أحكام خاصة بالنساء
تتعلّق بالمرأة المسلمة إن أرادت أداء فريضة الحجّ عدّة أحكامٍ ومسائل ينبغي عليها العلم بها والتزامها، وبيانها على النحو الآتي:
- وجود المَحرم
يُشترَط لوجوب أداء فريضة الحجّ للمرأة وجود المَحرم ؛ والمَحرم هو زوج المرأة، أو من يحرُم عليها بالتأبيد؛ بسبب نسبٍ، كالأب، والأخ، أو بسبب الرِّضاع، كأخيها من الرِّضاع، أو بسبب المُصاهرة، كابن الزوج.
ودليل ذلك ما صحّ عن ابن عباس -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ)، ويُشترَط في المَحرم أن يكون مسلماً، بالغاً، عاقلاً، فإن لم تجد، لَزِمها أن تستنيبَ من يحجّ عنها.
- إذن الزوج: يُشترَط إذن الزوج في حَجّ النَّفل للمرأة، ويحقّ له أن يمنعها؛ وذلك لحَقّه عليها.
- جواز الإنابة: يصحّ للمرأة أن تنوب بالحَجّ عن الرجل، أو المرأة باتّفاق أهل العلم.
- الحيض والنفاس: يجوز للمرأة الحائض والنفساء أداء كُلّ أعمال الحجّ إلّا الطواف؛ وذلك لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لعائشة -رضي الله عنها-: (افْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي).
- سُنَن الإحرام: يجوز للمرأة أن تأتي بسُنَن الإحرام كالرجل؛ من حيث الاغتسال، والتنظيف، وقَصّ الشَّعر، والتطيُّب بما لا رائحة له.
- التلبية: تُسَنّ التلبية للمرأة بعد الإحرام بصوتٍ تسمع فيه نفسها فقط، ويُكرَه لها رَفع صوتها.
- السَّتر: يجب على المرأة المُحرِمة التستُّر، وغَضّ البصر، وخفض الصوت، وعدم مزاحمة الرجال، وأن تطوف في أقصى المطاف؛ وذلك لتجنُّب المزاحمة.
- لبس النقاب والقفّازين: يُحرَّم على المرأة المُحرِمة أن تستر وجهها بالنقاب، وكَفّيها بالقفّازَين؛ لقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين).
أحكامٌ عامّةٌ للرجال والنساء
هناك عدّة أحكامٍ ومسائل في الحجّ يشترك بها الرجل والمرأة، وهي كالآتي:
- التطيُّب
يحرُم على المُحرِم استعمال الطِّيب؛ وقد دلّ على ذلك ما ورد في السيرة النبويّة من أنّ رجلاً مات وهو مُحرِمٌ، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، ولَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، ولَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، ولَا تُحَنِّطُوهُ، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا).
- حَلق شَعر الرأس وتقليم الأظافر
يُحرَّم على المُحرِم حَلْق شَعره، أو نَتفه، أو قَصّه؛ لقَوْل الله -تعالى-: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، ويجوز تسريحه بشرط ألّا يخاف سقوطه، وقد قاس الفقهاء على شعر الرأس باقي شَعر الجسم، كما يُحرَّم تقليم الأظافر إلّا لعُذرٍ من كَسرٍ، ونحوه.
- عَقد النكاح
يُحرَّم النكاح في حَقّ المُحرِم، أو في حَقّ غيره، ويبطُل العقد في ذلك؛ لقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ المُحْرِمَ لا يَنْكِحُ، وَلَا يُنْكَحُ).
- الصَّيد
يُحرَّم الصَّيد البرّي، أو الإشارة إليه، أو الإعانة على مَسكه على المُحرِم، أمّا صيد البحر فجائزٌ مُطلَقاً؛ قال الله -عزّ وجلّ-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا).
- الجِماع والمباشرة
يُحرَّم الجِماع في الفرج على المُحرِم؛ لقَوْل الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، ويُقصَد بالرَّفث: الجِماع، ويُحرَّم الجِماع أيضاً فيما دون الفرج؛ من لَمسٍ، وتقبيلٍ بشهوةٍ.