شروط اختيار الصحبة الكريمة
الصحبة
من الوشائج التي تقوي العلاقات بين الأفراد في المجتمع الصحبة الطيبة الكريمة؛ التي تؤثر إيجاباً في نفوس الأفراد، وتترك بصماتها الطيِّبة في المجتمع على وجه العموم، وللإسلام موقف عظيم من الصحبة والأخوة ؛ وذلك فيما يتعلّق بمعايير اختيارها، وآثارها في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان ذلك.
شروط اختيار الصحبة الكريمة
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (المرءُ على دِينِ خَليلِه، فلْيَنْظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلُ)؛ ففي هذا الحديث الشريف توجيه نبوي لحسن اختيار الصحبة والصداقة؛ إذ إنّ الإنسان يتأثر في الخليل والصديق، ومن شروط اختيار الصحبة الكريمة:
- العقل
إذ لا فائدة من صحبة الجاهل غير العاقل، بل قد تضرّ صحبته في بعض الأحيان؛ يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في ذلك:
فَلا تَصحَب أَخا الجَهلِ وَإِياكَ وَإِياهُ
- فَكَم مِن جاهِلٍ أَردى حَليماً حِينَ آَخاهُ
وَلِلشَيء مِنَ الشَيء مَقاييِسُ وَأَشباهُ
- وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ دَليلٌ حِينَ يَلقاهُ
- التحلي بكريم الصفات
كالوفاء والصدق، والأمانة، والبذل والعطاء؛ فإنّ الإنسان يتأثر بصفات أصدقائه؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً).
- الدين
وذلك بأن يكون محافظاً على الطاعات، ومبتعداً عن المعاصي، ولا يتعدّ حدود الله، فمن كانت هذه صفته يكون مؤتمناً بين النّاس؛ قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
- السعي في خدمة صاحبه
ولهذا كان يقول بعض الصالحين أنّ الأصحاب على ثلاثة أصناف؛ منهم من يكون كالغذاء لا يمكن الاستغناء عنه، ومنهم من يكون كالدواء يحتاجه المرء في وقت دون آخر، ومنهم من يكون كالداء لا حاجة للمرء فيه؛ إنما يداريه ليتقي شرّه وخبثه.
- حبُّ الخير للغير
والتجرد من الأنانيَّة؛ إذ لا خير في لئيم الطبع، شديد الحسد؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
- أن يكون نافعاً لنفسه
لا بطالاً، ولا كسولاً، وقد استعاذ ابن القيم الجوزي من صحبة البطالين الذين يضيعون أوقاتهم فيما لا يفيد.
- الحرص على تذكير صاحبه بالخير
وحثه على المعروف ونهيه عن المنكر؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر)، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمِنُ مرآةُ أخيهِ، المؤمنُ أخو المؤمنِ يَكُفُّ عليهِ ضَيْعَتَه ويحوطُه مِن ورائِهِ).
الإسلام والصحبة الكريمة
حثّ الإسلام على اتخاذ الصحبة الطيبة الحسنة، كما نصّت عدد من الأدلة الشرعية على أهمية ذلك في الدنيا والآخرة، ومن ذلك:
- قوله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)، فالآية صريحة في دلالتها على ضرورة اختيار الصحبة الحسنة، من خلال حديثها عن تخلي الأخلاء عن بعضهم البعض يوم القيامة، باستثناء من قامت صحبتهم على أسس من الإيمان والتقوى؛ فكل خِلّة صارت عداوة إلا المتقين.
- قوله -صلى الله عليه وسلّم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ؛ ذكر منهم: رَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه)؛ ففي هذا الحديث يُبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- المتحابين في الله ، المجتمعين لأجله، المتفرقين على الخير؛ بأنّ يظلهم الله يوم القيامة؛ عندما تقترب الشمس من الخلائق، ويصعب عليهم المحشر.
- قوله -صلى الله عليه وسلّم-: (لَيَبعَثَنَّ اللهُ أقوامًا يَومَ القيامةِ في وُجوهِهمُ النُّورُ على مَنابِرِ اللُّؤلُؤِ، يَغبِطُهمُ الناسُ، ليسوا بأنبياءَ ولا شُهَداءَ..همُ المُتَحابُّونَ في اللهِ مِن قَبائِلَ شَتَّى وبِلادٍ شَتَّى، يَجتَمِعونَ على ذِكرِ اللهِ يَذكُرونَه)؛ ففي هذا الحديث يُبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- منزلة المتحابين في الله يوم القيامة.
آثار الصحبة الكريمة
إنّ مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار تترتب عليها آثار جمّة، تعود على المرء بالخير؛ ومن هذه الآثار:
- العون على طاعة الله وحسن عبادته، لتذكير الصاحب صاحبه بذلك دائماً، وهذا بحق هو رأس مال المسلم في الحياة، طاعة الله، وحسن عبادته.
- إشاعة قيم الخير والفضيلة في المجتمع.
- الحد من الانتهاكات الأخلاقية؛ التي يعدّ من أهم أسبابها سوء اختيار الصاحب، ف صاحب السوء يشجع صاحبه دوماً على فعل المعاصي ويزينها في نفسه.
- العون في تسيير شؤون الحياة، حيث يمر الصاحب بصعوبات شتى في الحياة، ماديَّة أو اجتماعيَّة، أو نفسيَّة؛ فيجد عند صاحبه ما يستعين به على مواجهتها.
- التأثر بسجايا صاحبه وبركته وكريم صفاته، فالصاحب كما قالوا ساحب يسحب صاحبه إمّا إلى الخير وإمّا نحو الشر.