مراحل تشكل العالم الإسلامي
مراحل تشكّل العالم الإسلامي
مرّ تشكّل العالم الإسلامي بعدّة مراحل، ولا يخفى أنّ هذه المراحل ابتدأت من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحديداً بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وهذا المقال يعرِض بشكل متسلسل أهم المراحل التي توالت عبر تعاقب الأزمان.
العهد النبوي
بدأ تشكل الدولة الإسلامية منذ هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، يوم الجمعة، الثاني عشر من شهر ربيع الأول، لتصبح المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية بأرضها المباركة، والمهاجرين والأنصار وغيرهم شعباً في هذه الدولة العظيمة، يترأس هذه الدولة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد كان أول عمل قام به النبي الكريم هو بناء مسجد قباء، ثم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ثم المعاهدة بين اليهود والمسلمين، وبدأت بعد ذلك المعارك والسريا لتحقيق الغاية الأسمى وهي نشر الدين الإسلامي في أنحاء العالم كله.
وقد تميز العهد النبوي في التاريخ الإسلامي بعدة مميزات؛ نذكر بعضها فيما يأتي:
- إعلان القرآن الكريم دستوراً للأمة الإسلامية؛ يتميز بالثبات والمرونة.
- اكتمال أركان الدولة الإسلامية ومقوماتها.
- الغزوات والسرايا، التي سهّلت الطريق لنشر الدين الإسلامي خارج الجزيرة العربية، ودخول عدد كبير من الناس في الإسلام.
- إقامة العهود والاتفاقيات مع الدول الخارجية، واليهود، والنصارى.
- تفعيل نظام الشورى في الدولة الإسلامية.
- تعدد الولايات التابعة للدولة الإسلامية، وتعيين الأمراء والقضاة في هذه الولايات.
وانتهى العهد النبوي بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر للهجرة النبوية، فقد اشتدّ عليه المرض بعد رجوعه من الحج بعدة أشهر، وأمر أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- ليكون إماماً للمسلمين في صلاتهم، ليبدأ بعد ذلك عهد الخلافة الراشدة.
عهد الخلافة الراشدة
ويضم خلافة أبي بكر الصديق وخلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان بن عفان وخلافة علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، وفيما يأتي إيجاز لكل مرحلة من مراحل الخلافة الراشدة.
خلافة أبي بكر الصديق
امتدت خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشر للهجرة، إلى شهر جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشر للهجرة عند وفاته، وتميزت خلافته بمحاربة المرتدين؛ فقد قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه بإرسال جيوش متعددة لمناطق مختلفة للقضاء على فتنة الردة، وإنفاذ أمر إرسال جيش أسامة بن زيد -رضي الله عنه- إلى الروم الذي كان قد نظمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته، وقام بجمع القرآن الكريم لحفظه من الضياع في صدور الصحابة، وكانت خلافته بدايةً للفتوحات في بلاد العراق وبلاد فارس وبلاد الروم لنشر الدين الإسلامي، فكانت تلك المرحلة المباركة مزدهرة بالعطاء والقوة للأمة الإسلامية.
خلافة عمر بن الخطاب
بدأت خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شهر جمادى الآخرة من العام الحادي عشر للهجرة، وامتدت إلى شهر ذي الحجة من العام الثالث والعشرين للهجرة، وتميز عهده بكثرة الفتوحات الإسلامية، فاستكمل بلاد الشام التي بدأ بها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وفتح دمشق، وفتح أجنادين، وفتح بيت المقدس وكتابة الوثيقة العمرية، وفتح مصر والإسكندرية، وبدأ المعارك في بلاد الفرس فكانت معركة القادسية من أعظم المعارك في عهده، ومن ثم معركة نهاوند، وفي آخر شهر ذي الحجة من السنة الثالثة والعشرين للهجرة قتل سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يصلي صلاة الصبح.
وشهد عهده المبارك ترسيخاً للعدالة وإحقاق الحقّ، كما بدأ ظهور أشكال التطوير الإداري في أعمال الدولة ودواوينها.
خلافة عثمان بن عفان
شهدت خلافة عثمان -رضي الله عنه- استمراراً للفتوحات الإسلامية، حيث اتّسعت رقعة العالم الإسلامي وامتداده الجغرافي، ففتح مدناً كثيرة شرقاً وغرباً، وبسبب كثرة عدد المسلمين أولى اهتماماً بتوسعة المسجد النبوي أكثر من مرّة، وواجه في مسيرة خلافته التي امتدّت اثني عشر عاماً صعوبات وتحدّيات عديدة انتهت بمقتله -رضي الله عنه- في السنة الخامسة والثلاثين للهجرة.
خلافة علي بن أبي طالب
بويع علي بن أبي طالب بالخلافة سنة 35 هجرية، واستمرت خلافته خمس سنوات وبضعة أشهر، ورغم الظِلال السلبية التي تركتها فتنة مقتل عثمان -رضي الله عنه- وامتداد أثرها، إلا أنّ عهده شهد تطوّراً حضارياً ملموساً، وخاصة في مدينة الكوفة في العراق التي اتخذا عاصمة ومقراً للخلافة الإسلامية.
عهد الخلافة الأموية
بدأ عهد الخلافة الأموية بعد مقتل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وتولى الخلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عام 41 هـ، واستمر حكم الخلافة الأموية إحدى وتسعين عاماً هجرياً حيث تعاقب خلال تلك السنوات خلفاء كُثر على الخلافة، كان آخرهم مروان بن محمد الجعدي.
وقد شهدت الخلافة الأموية امتداداً لجهود من سبقهم من الخلفاء الراشدين في خدمة الإسلام وانتشار الفتوحات، وقد ازدهرت كثير من العلوم الدينية والتأليف فيها، مثل علوم التفسير والقراءات وتدوين الحديث الشريف وغيرها، وعلى صعيد التطور العمراني والحضاري فقد شهدت الخلافة الأموية بناء العديد من المدن، مثل بناء مدينة القيروان في بلاد المغرب العربي، حيث أصبحت مركزاً حضارياً وإدارياً لخدمة الإسلام والمسلمين، وتم في عهد الأمويين بناء واسط في العراق، والرملة في فلسطين، والرصافة في سوريا، وحلوان في مصر، وفي بلاد السند بنوا عدّة مدن.
عهد الخلافة العباسيّة
بعد انتهاء العهد الأموي بدأ عهد الخلافة العباسيّة، وكانت بغداد مركزاً للدّولة العباسيّة. واستمرّت الخلافة العباسيّة من عام 132 هجريّة وحتّى 656 هجريّة، وقد توسّعت الدّولة الإسلاميّة أكثر في عهد العبّاسيين حتّى وصلت إلى غرب ووسط وشرق إفريقيا. ويقسم العهد العباسي إلى قسمين رئيسيين هما:
العصر الأول: بدأ هذا العصر منذ تولّي أبي العباس السّفاح عام 749 م، وانتهى بمقتل المتوكّل عام 847 م، ومن أهم خلفاء هذا العصر: أبو جعفر المنصور، هارون الرّشيد، الأمين، المعتصم بالله، وغيرهم.
العصر الثّاني: في هذا العصر كانت الدّولة العباسيّة في حالة فوضى، ولذلك برزت مجموعة من الدّول في بغداد (مثل السّلاجقة والبويهيين)، أمّا خارج بغداد فظهرت دول المغرب العربي. ومن أهم خلفاء هذا العصر: المنتصر بالله، محمد القاهر، المتّقي بالله، والمستعصم بالله، وغيرهم من الخلفاء.
هذه هي أهم مراحل تشكّل العالم الإسلامي في بداياته الأقوى والأزهى، وتعدّ تلك المراحل الأكثر أثراً في تشكيل ما بعدها من مراحل، وتشهد كل الأحداث والوقائع في مسيرة الدولة الإسلامية أنّ القوة والتمكين مرتبط بالوحدة ونبذ التنازع كما هو مرتبط بالاعتصام بحبل الله والالتزام بهدي الإسلام وتشريعاته حكّاماً ومحكومين، قال تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).