شرح معلقة الأعشى
شرح معلقة الأعشى
قال الشاعر في معلقته:
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
- وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
- تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها
- مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
يبدأ الشاعر بالدعوة من أجل توديع المرأة التي يعشقها ولكن مَن يطيق وداع الأحباب ، تلك المرأة ناعمة الطلة ذات اللون الأبيض والجبين العريض التي تمشي الهوينا وكأنّها الرجل الحفي الذي يمشي على وحل، فهي غير بطئية بحيث تميل إلى البرود وغير سريعة بل تمشي الهوينا.
تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت
- كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها
- وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها
- إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ
أيقصد الشاعر بذلك أنه عندما تتقلب حبيبته في الفراش فإنّ أصوات الحلي تخشخش بين يديها كأنّه صوت الريح لمّا يدخل بين أوراق شجرة العشرق، وهي المرأة التي تؤتمن على السر والتي يحبها مَن حولها، المخدومة في منزلها التي لا تتكلف أعمالًا يفعلها النساء عادة.
إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت
- وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ
- إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ
يصف جمال محبوبته فهي المرأة ذات الخصر الرقيق ولكنّها عريضة المنكبين ضامرة البطن لو لاعبت عشيرتها ساعة لتعبت لشدة دلالها.
صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا
- جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ
أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ
- رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ
نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها
- لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ
يشتكي الشاعر من قلة وصال هريرة ويقول لو أنّها عزفت عنه تُراها تصل مَن من الرجال، هل ذلك لأنّه صار كهلًا وأصابته بلوى الأيام وصروف الدهر فصار لا يرى ليلًا، ولكن يا للذتها حين يأتي إليها الرجل في ليلة ماطرة وهي المرأة ذات الحسن والجمال.
هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها
- كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ
إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً
- وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ
ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ
- خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ
إنّ المرأة التي يعشقها ضخمة الوركين حسنة الخلقة كأنّها تنتعل الشوك لشدة مشيها التؤدة والهدوء، فهي رائعة الجمال، فلو قامت هي لفاحت منها رائحة الطّيب والمشك والزنبق، كأنّها الرياض الذي تفوح منه الرائحة الحسنة.
يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ
- مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ
يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ
- وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ
كأنّ الشمس قد أسبغت عليها من جمالها وأهدتها من حللها،وهي المرأة ذات الرائحة الحسنة الطيبة التي كأنّها الرياض لمّا يهبط عليه المطر الغزير.
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
- غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
- مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
- فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
- ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
الآن اجتمعت آية الحب التي يُعاني منها أكثر العاشقون، فهو يحبها ولكنّها تميل إلى غيره من الرجال، وذلك الرجل عُلّق فتاة غيرها، وهو قد تعلقت به فتاة لكنّه لم يحبها وليست ملائمة له، والكل الآن يسبح في بحر الحب المالح الذي لن يرتوي منه.
الأفكار الرئيسة في معلقة الأعشى
- ذكر محاسن المحبوبة والتّغزل بها.
- الوقوف على الأطلال ووصف محاسن المحبوبة التي ارتحلت عنه.
- فخر الأعشى بقومه والاعتزاز بذلك.
- وصف اللوعة التي يعاني منها المحبوب والشوق الذي يعتريه.
شرح المفردات في معلقة الأعشى
استعمل الأعشى الكثير من المفردات التي باتت في هذا العصر غريبة لا بدّ من تفصيلها من المعاجم، وما يأتي ذكر لبعض تلك المفردات:المفردة | المعنى |
غراء | أي المرأة التي تكون واسعة الجبين. |
الوجي | أي الشخص لذي لا ينتعل شيئًا في قدميه. |
الدجن | أي المطر الذي يكون غزيرًا ويهبط على الأرض بكثرة. |
نشر | أي الرائحة الطيبة التي تفوح على الآخرين. |
الكفل | أي عجز الإنسان. |
الصور الفنية في معلقة الأعشى
لقد استعان الأعشى بالصور الفنية في قصائد حيث جعلها آية حسنة يُباهي بها في قصيدته، ومن أجمل الصور الفنية التي وردت في معلقته:
- تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
تشبيه تام الأركان حيث أبقى على المشبه والمشبه به و أداة التشبيه ووجه الشبه.
- كَأَنَّ مِشيَتَها مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
تشبيه تام الأركان حيث أبقى على المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.
- يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ
جعل الكوكب الشرق مثل الإنسان الذي يُضاحك غيره، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقي على شيء من لوازمه.