شرح قصيدة يا أيها الرجل المعلم غيره
شرح قصيدة المتوكل الليثي
فيما يأتي شرح لأبيات المتوكل الليثي والتي تمتلأ حكمةً ونصحاً:
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ
- هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
يبدأ الشاعر أبياته بأسلوب إنشائي غرضه التنبيه للسامع، ويقصد في هذا كل معلم فيقول أنّ العلم الذي تنشره بين الناس وتعلمهم إيّاه لأبد أن يكون لك منه الحظ الوافر والنصيب الكبير الذي يجب أن يظهر على شخصك.
وفي هذا تنبيه للمعلمين أن العلم بالحال أبلغ عند الطلبة من المقال، واتّباع الطلبة للمعلم والاقتداء بفعله يكون أكثر عندهم من الاتباع للكلام المُنمّق والخطاب الجزل، والتنبيه الأخر الذي يستشف من هذا البيت أن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا
- كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وفي هذا البيت يرسل الشاعر للمعلم تنبيهًا آخر، حيث يصف له حال الطبيب الذي يصف الدواء ويعطي العلاج للمرضى الذين أتعبهم المرض، وهو مريض لا يلتفت لنفسه ولا يداويها من مرضها، وهذا حال كل معلم يعلم طلبته ولا يزداد من العلم ولا يشفي نفسه من الجهل الذي يطبق عليه، فهو يصف المنهجية الصحيحة لطلبته للسير إلى العلم بطريق صحيح وهو في نفسه لا يسير على ذلك الطريق ولا يلتزمه.
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا
- أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
وفي البيت هذا والبيت السابق نوع من الاستهزاء والسخرية ، فكيف يصح أن تصلح عقولنا بالهداية والرشاد إلى الصواب والطرق المستقيم وأنت لا تستطيع هداية نفسك ولا تستطيع إصلاح شأنك.
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها
- فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
هنا يبدأ الشاعر النصيحة للمعلم بتبين الخطوة الأولى التي يجب أن يتخذها المعلم ، وهي أن يبدأ بهداية نفسه وكفها عن ضلالها وغوايتها، فإذا فعل ذلك فقد درج أول الطريق في السبيل المستقيم الذي يوصله للحكمة في القول والفعل.
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي
- بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
فإذا بدأت بالخطوة الأولى والتزمتها فهنا يكون لعلمك الفائدة المطلوبة، فعند إذ يلتزم الطلبة قولك ويمتثلون لفعلك، فالمعلم القدوة هو من يعلم بفعله قبل قوله ويصف بحاله قبل مقاله، فالعلم إذا لم يقرن بالعمل فلا قيمة له في عيون الناس.
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ
- عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
هنا ينبه الشاعر كل المعلم ويحذره أن ينهى الناس عن تمثل الأخلاق الذميمة وارتكاب الأفعال السيئة، ثم تجده يسير عليها، ويتمثلها ففي ذلك السُبّة والعار اللذين يلحقانه وينقصان من شأنه وعلمه.
من هو المتوكل الليثي؟
هو أبو جهمة، المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عامر بن ليث، ينسب إلى ليث بن بكر، عاش في زمن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد بن معاوية ، اتخذ الكوفة مسكناً له، اتصل بالأمراء، ومدحهم فمدح معاوية وولده يزيد، ومدح أمير الكوفة في عصره خالد بن أسيد وأمير المدينة وسعيد بن العاص.
وحظي بمكانة بين أهل عصره، ومما يدلل على ذلك المساجلات التي حصلت بينه وبين الأخطل الشاعر المعروف ، وهو من شعراء الحماسة، وقد اختار أبو تمام قطعتين من شعره وهما: {نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا}، توفي سنة 85هـ، في العام الذي توفي فيه عبد الملك بن مروان .
وهو صاحب البيت المشهور بين الناس وقد نسبه الآمدي له وقيل هو لغيره وهو:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
- عار عليك إذا فعلت عظيم
لم يكن من أسرة معروفة ومشهورة بين الناس فلم يُشتهر كثيراً عند المتأخرين، ولم يصلنا من أخباره الكثير من سيرته، بخلاف الشهرة التي كان معروفاً بها في عصره، ومع ذلك فقد وضعه بن سلام الجمحي في الطبقة السابعة من الإسلاميين في كتابه طبقات فحول الشعراء وهم 4:
- المتوكل الليثي.
- زياد الأعجم.
- يزيد بن مفرغ الحميري.
- عدي بن الرفاع.
أبيات قصيدة المتوكل الليثي:
فيما يأتي أبيات المتوكل الليثي التي تحتوي على النصح الجميل:
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ
- هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا
- كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا
- أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها
- فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي
- بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ
- عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ