شرح قصيدة كفى بك داء
== معاني قصيدة كفى بك داء == يقول المتنبي :كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا
وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى
صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا
إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ
فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ
وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى
وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا
حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى
وَقَد كانَ غَدَّاراً فَكُن أَنتَ وافِيا
قال المتنبي هذه القصيدة في مدح السلطان كافور الإخشيدي، فيقول في مطلعها مخاطبًا نفسه كفاكِ أيتها النفس إذا وصلت بكِ الحال إلى تمني الموت فذلك هو غاية الشدة، وإن كان هنالك داءٌ لا شفاء منه سوى الموت فذلك غاية الشدة والبلاء، ثم يقول إنّه تمنى ذلك عندما رغبَ في رؤية صديق حقيقي أو عدو صريح فلم يتمكن من ذلك.
يتابع المتنبي فيقول إنّ الإنسان الذي يرضى أن يعيش في الذل لا ينبغي له أن يحمل سيفًا أو رمحًا أو جوادًا أصيلًا، ويضرب مثلًا على ذلك بأنّ الأسد إذا لم يصطَد فسوف يموت من الجوع ولن يهابَهُ أحد، ثمّ ينتقل لخطاب قلبه فيقول له إنّني أحببتُك قبل أن تحبّ من ابتعد فكان غادرًا بي فكن أنت أيها القلب وافيًا ولا تتعلق بأحد، ويرمي من وراء كلامه لغدر سيف الدولة به.
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ
فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها
إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصاً مِنَ الأَذى
فَلا الحَمدُ مَكسوباً وَلا المالُ باقِيا
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى
أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا
أَقِلَّ اِشتِياقاً أَيُّها القَلبُ رُبَّما
رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
خُلِقتُ أَلوفاً لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا
لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا
يتابع الخطاب لقلبه فيقول له إنّني أعلم بأنّك تشكو فراق ذلك الشخص عنّا، ولكنّك لن تكون منّي إن استمرّيتَ في حزنك عليه، ثمّ يقول إنّ دموع العين إن نزلت على الغادرين فهي غادرة كذلك بصاحبها، ينتقل بعدها إلى فكرة جديدة فيقول إنّ الجود إذا كان يلحقه منّ فإنّه لا ينفع، وهنالك أخلاق يظهر من خلالها إن كان قد بذلَ المال كرمًا أم رياءً.
يعيد الخطاب لقلبه مرة أخرى فيقول لقلبه لا تشتَق لمن فارقكَ ولم يكن يبادلك المحبة، ثمّ قال لو أني قد فارقتُ شيبي وعدتُ لأيام الصبا لبكيت عليه لأنّني قد ألفته، فقد ولدتُ ألوفًا.
وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحراً أَزَرتُهُ
حَياتي وَنُصحي وَالهَوى وَالقَوافِيا
وَجُردًا مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا
فَبِتنَ خِفافاً يَتَّبِعنَ العَوالِيا
تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا
نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا
وَتَنظُرُ مِن سودٍ صَوادِقَ في الدُجى
يَرَينَ بَعيداتِ الشُخوصِ كَما هِيَ
وَتَنصِبُ لِلجَرسِ الخَفيِّ سَوامِعًا
يَخَلنَ مُناجاةَ الضَميرِ تَنادِيا
تُجاذِبُ فُرسانَ الصَباحِ أَعِنَّةً
كَأَنَّ عَلى الأَعناقِ مِنها أَفاعِيا
يقول على هذه الحال التي أنا عليها من الألفة قصدتُ الفسطاط -أي مصر- حاملًا معي هواي وخيلي الشابة الفتية وشعري ونصحي وحكمتي إلى رجل كالبحر في الكرم، ويصف خيله فيقول إنّها قوية حتى إذا وطئت الحجارة الصلبة القاسية فإنّها تؤثّر فيها، وهي سريعة وحوافرها شديدة الصلابة.
فوق ذلك فهذه الخيل حديدة البصر فهي تستطيع رؤية الأشباح في الليل الدامس، أو هذه الخيل ترى الشخص البعيد كهيئته وهو قريب في الظلام، مبالغةً في وصف حدّة نظرها، وهي كذلك ذات سمع عالٍ حتى إنّها تسمع الصوت الخفي وحتى صوت الإنسان مع نفسه، وكذلك هذا من المبالغة، ولشدة قوتها فإنّها تُجاذِب فرسانها أعنتها، وهذه الأعنّة كالأفاعي من حيث الطول والامتداد.
الأفكار الرئيسة في قصيدة كفى بك داء
من أهم الأفكار في القصيدة السابقة ما يأتي:
- تمني الشاعر الموت بسبب ما يجد من الهموم.
- حديث الشاعر عن حقيقة الكرم والجود وطبيعة الذي يتصف بهذه الصفات تمهيدًا للمدح.
- حديث الشاعر عن قلبه والذين غدروا به.
- وصف رحلة الشاعر إلى الممدوح.
- مديح الشاعر لكافور الإخشيدي.
شرح المفردات في قصيدة كفى بك داء
من أبرز المفردات التي تحتاج إلى شرح في قصيدة كفى بك داء ما يأتي:
المفردة | المعنى |
المنايا | جمع منية وهي الموت. |
العتاق | هي الخيل الأصيلة. |
جُردًا | الجرد هي الخيل قصيرة الشعر. |
البزاة | جمع بازي وهو نوع من الصقور. |